انتهت يوم الأحد الماضي أعنف انتخابات بين تجار مصر وانفق في تلك المعركة الانتخابية علي الدعاية المكثفة واستقطاب أو شراء الاصوات الملايين وشهدت الساعات الأخيرة تنافسا حادا وشرسا بين المرشحين خاصة في القاهرة ولم تخل تلك المعركة من عمليات بلطجة وهجوم متبادل بين المتنافسين وصل إلي حد السباب والتشابك بالأيدي وحررت العشرات من محاضر الشرطة وكأنها انتخابات لعضوية مجلس الشعب والتي شهدت بعض تلك الممارسات السلبية والتي شوهت الصورة الديمقراطية في مصر الي حد كبير. والسؤال الذي يفرض نفسه بعد أن وضعت الحرب "التجارية" اوزارها وهذا وطيس المعركة الانتخابية لماذا تكالب كبار تجار مصر علي الفوز بعضوية الغرف التجارية رغم خلو تلك العضوية من الحصانة التي يوفرها البرلمان وان تلك العضوية أولا وأخيرا هي في جوهرها عمل تطوعي لخدمة القطاع العريض من التجار من خلال احدي منظمات المجتمع المدني التي لا تعطي سلطة ولا حصانة ولا حتي منصبا رفيعا؟ وهل الانفاق الذي وصل الي حد السفه علي الدعاية وشراء الاصوات وانقسام المرشحين الي قوائم مختلفة وسن حرب غير شريفة بينهم وتشويه بعضهم البعض وتبادل الاتهامات.. هل كل ذلك يساوي -أو ثمن- عضوية غرفة تجارية؟ وهل التجار مثلهم مثل قطاع عريض من المصريين خاصة الذين يملكون المال والجاه يعشقون السلطة والوجاهة الاجتماعية ويجلسون تحت الاضواء والدخول في عالم المصالح والتربيطات وتسهيل العمليات المشروعة منها وغير المشروعة تحت شعار مبدأ "شيلني وشيلك" لقد أثبتت انتخابات الأحد الماضي ان قطاعا عريضا من ان التجار في مصر قرروا هجر حرفتهم والتبرؤ من مهنتهم العريقة التي عمل فيها أنبياء وعظماء ورواد.. وفضلوا ان يكونوا رجال أعمال دون ان تنطبق عليهم تلك الصفة بل أصبح هناك خلط بين التاجر ورجل الأعمال وتاهت الحدود الفاصلة بين المصدرين والمستوردين والتجار والمنتجين والصناعيين.. وأصبح كل من يملك أموالا وتوسعت مشروعاته ومعاملاته وزاد نفوذه يطلق علي نفسه اسم رجل اعمال وبالطبع فان الحصول علي عضوية اتحاد الغرف -كما يعتقد البعض- قد يذيب الفوارق والخطوط الفاصلة وينسف المعايير التي تفرق بين التاجر ورجل الاعمال وكليهما نقدر نشاطه وله دور نجله إذا قام به باخلاص وجدية لصالح الاقتصاد وبني وطنه. أي ان عضوية الغرف التجارية -كما برهنت الصورة التي ظهر بها التجار أثناء حملاتهم الانتخابية واجراء الانتخابات وبعد الفوز- أصبحت جواز مرور للدخول الي عالم المال والاعمال والبيزنس من اوسع ابوابه والي الانضمام إلي الصفوة من أصحاب الجاه والنفوذ والعلاقات الواسعة ولكل شيء ثمنه بالطبع. فعضوية الغرف ولاسيما إذا احتل الفائز في الانتخابات موقعا قياديا في الغرفة التي يتبعها هي "الباب الملكي" للتقرب إلي كبار المسئولين والدخول في عالمهم والحصول علي المزايا تلو المزايا واسباغ حصانة علي تعاملات التاجر عضو الغرفة وبالتالي لا يتعرض لمشكلات مع الضرائب أو الجمارك أو غيرها من الجهات الحكومية المعنية التي يتعامل معها التجار أي أن العضوية حصانة من نوع آخر قد يتربح من ورائها العضو وتتوسع اعماله "ببركتها". بل ان موارد الغرفة التي تقدر بالملايين والسفريات التي تتاح للعضو علي حساب "التجار" والتي تنظمها الغرفة بالاضافة الي "البرستيج" قد تكون ايضا من الأسباب التي جعلت البعض ينفق ببذخ في الدعاية والتي تراوحت ما بين اصدار صحف ونشرات واعلانات في الصحف الكبري وتصوير اعضاء النقابة بالألوان علي لافتات فاخرة وبأطوال كبيرة تم تعليقها في الميادين والشوارع. بخلاف الملصقات الصغيرة "الملونة" وايضا اعطاء مصروف الجيب والعزومات بخلاف النقود التي دفعت تحت الترابيزة من أجل مساندة عضو أو قائمة بعينها. لقد استعرضت برامج معظم المرشحين ولم أجد الكثير من الوعود حول الالتزام بميثاق الشرف التجاري أو تفعيل ذلك الميثاق من أجل أن يرحم التجار المستهلكين بدلا من بيعهم وذبحهم عند الأزمات وتسويق منتجات أساسية لهم بأسعار مرتفعة دون مبرر ولم أر قائمة تضع برنامجا لضبط الأسواق وتنقيتها من البضائع المغشوشة والمهربة اي قائمة تحمي المستهلك بعد ان خاب الظن في القانون المسمي حماية المستهلك ومنع الاحتكار وماتت جمعيات حماية المستهلك. لقد كشفت وعود التجار عن وجود ثغرات ونقص خدمات في اتحاد الغرف التجارية فلا يوجد نظام رعاية صحية متكامل أو ميزانية للأنشطة أو قاعدة بيانات للتجار أو صندوق للتكامل الاجتماعي يحمي التجار عند الأزمات مثل تجار الدواجن الذين تضرروا من انفلونزا الطيور.