يجري الاَن بناء النموذج الأولي للطائرة الجديدة بوينج 787 دريم لاينر في مصنع افتراضي كبير منتشر بين القارات، فالأجنحة يصنعها مهندسون في اليابان وقطاط الأجنحة يصنعها مهندسون اَخرون في كوريا الجنوبية أما المحرك فهو صناعة شركة رولزرويس البريطانية في حين يصنع الإيطاليون أجهزة التوازن وجسم الطائرة الأوسط.. ويعمل في صناعة هذه الأجزاء نحو 6 اَلاف عامل في مختلف البلدان سالفة الذكر، أما عملية تجميع الطائرة بعد ذلك فسوف تتم في مصنع حقيقي سيكون غالبا في الولاياتالمتحدة. وتقول مجلة "نيوزويك" إن هذا يحدث في حين أن المعروف أن المنافسة القائمة بين بووينج والإيرباص قائمة علي أساس أن الأولي تمثل أمريكا والثانية تمثل أوروبا ولكن ما يحدث علي أرض الواقع هو أن طائرات كل من بوينج والإيرباص صارت تفقد هويتها فلا الأولي تصنع في أمريكا ولا الثانية تصنع في أوروبا فقط.. وتقول الأرقام إن 70% من مكونات الطائرة بوينج 787 دريم لاينر التي ستملأ الأجواء في عام 2008 تصنع خارج الولاياتالمتحدة.. كما أن نحو 60% من مكونات الطائرة الإيرباص A350 التي ستملأ الأجواء عام 2010 تصنع خارج القارة الأوروبية.. كما أن الأكثر إثارة للاهتمام هو أن الشركتين المتنافستين كثيرا ما تلجاَن إلي مصنع واحد للاستعانة به في صنع مكونات طائراتهما حتي أن شبكتي مورديهما تكادان تكونان شبكة واحدة في نهاية الأمر. ومن الواضح أن أكبر مستفيد من اتجاه بوينج والإيرباص إلي استيراد مكونات طائراتهما وعولمة إنتاج هذه الطائرات هم المقاولين الاَسيويين خاصة اليابانيين منهم والصينيين.. ويقول ديفيد بريتشارد خبير الطيران في جامعة نيويورك إنه حينما يظهر الجيل القادم من الطائرات بوينج سيكون الأمريكيون قد أصبحوا لا يعرفون كيف ينتجون هذه الطائرات بمفردهم بل سيكونون تحت رحمة المنتجين للمكونات في القارات الأخري. ونعود مرة أخري إلي حديث الأرقام لنكتشف أن تحول بوينج شرقا صار تحولا بلا رجعة حيث إن أكثر من 35% من مكونات الطائرات بوينج 787 بما في ذلك الأجنحة يتم صناعتها في اليابان وكانت هذه النسبة لا تتجاوز ال 15% من الطائرة 767 عام 1982 ثم ارتفعت إلي 20% من الطائرة بوينج 777 عام 1995. وعلي نفس الدرب تسير الإيرباص التي أعلنت في مارس الماضي عن بناء خط تجميع للطائرة الإيرباص A320 في الصين ليكون أول مصنع للإيرباص خارج أوروبا بل إن نحو نصف مكونات الطائرة الإيرباص A380 السوبر جامبو التي ستصبح أكبر طائرة تجارية عندما يتسلمها العملاء قرب نهاية هذا العام يصنع خارج أوروبا. والطريف في الأمر أنه إذا كانت هجرة الإيرباص إلي الصين تتم بحثا عن العمالة ذات التكاليف المنخفضة فإن أغلب المكونات التي تستوردها كل من بوينج والإيرباص لطائراتهما تتم صناعتها في بلدان مثل كنداواليابان أجور عمالهما لا تقل ارتفاعا عن أجور العمال في أوروبا والولاياتالمتحدة.. ويفسر ديفيد مكينا المدير التنفيذي في بوينج هذا التناقض قائلا إننا نبحث عن الخبرة لا عن الأجور المنخفضة وأن بوينج ترغب أن يشاركها في صناعة طائراتها أكثر الناس خبرة سواء أكانوا من إيطاليا أم السويد أو فرنسا أو كوريا أو اليابان أو الصين أو من داخل الولاياتالمتحدة. ويضيف الرجل أن الصين علي سبيل المثال يمكن أن تشارك في تجميع طائرات معدنية مثل الإيرباص A320 أو بناء صنادق الأجنحة لكنها لا تملك مهارات بناء الطائرات الأحدث مثل الطائرة بوينج 787 ذات الأجنحة المتطورة. وتقول مجلة "نيوزويك" إن هناك أسبابا أخري لاختيار الشركاء العالميين ومن بينها بالتأكيد أسباب سياسية.. فعلاقات أمريكا القوية مع اليابان جعلت بوينج تستحوذ علي 96% من سوق الطائرات المعدنية الياباني.. كما أن بوينج تستفيد علي نحو غير مباشر من الدعم الذي تقدمه الحكومة اليابانية لشركاتها بما في ذلك نحو 6.1 مليار دولار قدمتها الحكومة اليابانية لشركات ميتسوبيشي وكاوازاكي وفيوجو التي تصنع مكونات الطائرة بوينج 787 الجديدة وهذه نقطة قوية يتكئ عليها الأوروبيون في دفاعهم عما يقدمونه للإيرباص من دعم. وهناك كثير من المحللين يرون أن فتح مصنع للإيرباص في الصين هو خطوة جيدة من الأوروبيين لمنع استحواذ بوينج علي السوق الصيني هو الاَخر.. وقد نلاحظ أنه في الشهور الستة الماضية قدمت الصين طلبيات قيمتها 9 مليارات دولار لشراء طائرات من بيونج مقابل 10 مليارات دولار لشراء طائرات من الإيرباص حيث ستشتري من الأولي طائرات بوينج 737 ومن الثانية الإيرباص A320 ولاشك أن السياسة لعبت في الصفقتين دورا مهما. ورغم أن لعبة استيراد المكونات وعولمة الإنتاج من جانب بوينج والإيرباص لم تصل إلي نهايتها بعد إلا أن هناك من يتوقع أن تكون نتيجتها غير المتوقعة هي ظهور شركة اَسيوية عملاقة منافسة لكل من بوينج والإيرباص في صناعة الطائرات المدنية والتجارية ولا يجب أن ننسي أن الصين لها محاولات لم تنجح في هذا الشأن وأن اليابان أيضا تحاول منذ زمن دخول هذه الصناعة الاستراتيجية المهمة ولا أحد يعرف أيهما سوف تسبق الأخري في إقامة شركته الخاصة المنافسة للاَخرين؟