حوار مع النفس! في هذا العام سوف تحتفل قناة الجزيرة بمرور عشرة أعوام علي وجودها الصاخب ومن المفترض ان جمهور مشاهديها سيشهد تزايدا ملحوظا مع اطلاق قناة اخبارية دولية تبث باللغة الانجليزية في هذه المرة لتكون موجهة لجمهور اعرض بكثير من الشعبية التي اكتسبتها في العالم العربي والإسلامي. وقد أثبتت الدراسة التي اجراها "هيوج مايلز" مدي اهميتها في هذه المرحلة الجديدة تحديدا. لاسيما أن القناة القطرية شهدت مؤخرا مضايقات كثيرة منها الحكم بالسجن لمدة سبع سنوات لاحد مراسليها البارزين بتهمة "تخابره مع منظمة ارهابية" ألا وهي القاعدة، في شهر سبتمبر الماضي. الجدير بالذكر ان دراسة الصحفي الانجليزي استطاعت ان ترصد الحجم الحقيقي للظاهرة المتمثلة في هذه "القناة الصغيرة ذات الصوت العالي"، كما اطلق عليها "آد برادلي" مقدم البرنامج الامريكي الشهير "60 دقيقة" علي شبكة ال"سي بي إس" ولم تكف قناة الجزيرة عن تكرار ضجتها الاعلامية وما يواكبها من مشاحنات لدي منحها الكلمة لكل من صدام حسين وأسامة بن لادن أو حتي بانفرادها بالتواجد في كابول، تحت رعاية طالبان والقاعدة إبان التدخل العسكري الامريكي في افغانستان الذي اعقب احداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. وإبان هذا التدخل تم استهداف مكتب قناة الجزيرة عمدا وتدميره خلال غارة امريكية. وباعتباره نجل احد الدبلوماسيين وولد في المملكة العربية السعودية وعاش لفترة طويلة من الزمن في هذه المنطقة يعرف "هيوج مايلز" بأسلوبه الحر واستقلاليته وانفتاحه الفكري ويوضح كيف نجحت قناة الجزيرة في تعميق الساحة الاعلامية في الشرق الاوسط، وقناة الجزيرة التي تلقت تمويلها الاساسي من قبل أمير قطر، وهو صاحب شخصية قوية وواعية ومتحررة الي حد ما، اعتمدت جزئيا في تأسيسها علي الاستعانة بفريق جمعته من إذاعة ال"بي بي سي" من اجل مشروع انشاء قناة تبث باللغة العربية سرعان ما فشل ومن ثم استطاعت تحديث البث الاعلامي بتطويع اساليب وسائل الاعلام الغربية في دول كان الإعلام فيها تقليديا الي اقصي الحدود مصمما خصيصا لارضاء او عدم اغضاب السلطات القائمة ولقد قامت ثورة التحديث هذه عبر برامج متنوعة للغاية، سياسية، أو ذات طابع اجتماعي او ديني وجاءت في شكل برامج حوارية حية مثل "برنامج التيار المعاكس" وتخوض في كل الموضوعات التي كان محظورا الاقتراب منها ومشاركة المشاهدين عن طريق الهاتف والانترنت وسرعان ما ذاع صيتها، ومعه الانتقادات والفضائح. إن قناة الجزيرة مصدر إزعاج للجميع ولكن يتعين علي الكل من الان فصاعدا التعامل معها ومنذ البداية عزمت علي فتح ميكروفوناتها للاسرائيليين وهو الامر الذي امتنعت عنه حتي هذه اللحظة سائر القنوات العربية الا ان هذا التصرف لم يخل دون تنديد السلطات الاسرائيلية مرارا بالجزيرة ومن عرقلة نشاطها في الاراضي المحتلة. وفي حقيقة الامر فان التغطية الواسعة خلال الشهور الاولي من الانتفاضة الثانية ساهمت الي حد كبير في زيادة شعبية القناة في كل انحاد العالم العربي وعلي حد قول "هيوج مايلز" نجحت في حرمان اسرائيل من "هيمنتها الاعلامية" ومن ناحية اخري اختلقت كل حكومات المنطقة الواحدة تلو الاخري حججا للتحرش بقناة الجزيرة.. واخيرا فالبنسبة لواشنطن تعتبر القناة القطرية احدي وسائل "محور الشر" ولكن محطات التليفزيون الامريكية التي اتفقت بشكل او بآخر مع رأي الرئيس بوش لم تكف عن شراء الصور التي تبثها هذه القناة الشريرة. ولقد استطاع المؤلف الذي يحسن الحديث باللغة العربية ان يرصد - هنا وهناك - مشاعر المشاهدين العرب الذين -بالنسبة للكثيرين منهم- يتذوقون بشدة برامج الجزيرة حتي وان وصموها بدون وجه حق، "بالصهيونية وبالموالاة لامريكا".. اما فيما يتعلق بشطحات القناة فيمكننا ان نلوم علي "هيوج مايلز" بعض الشيء تساهله حيالها ولكن احدي أهم مزايا هذه الدراسة تكمن في مدي تميز قناة الجيزرة بالقدرة علي السير عكس التيار.