المصريون يصدقون الإعلام أكثر من الكومة.. ليس ذلك رأيي الشخصي وإن كنت أؤيده ولكنه نتيجة توصل إليها استطلاع للرأي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية مع وكالة أنباء رويترز حول الإعلام والحكومات في عشر دول متقدمة ونامية. في ذلك الاستطلاع الذي شمل أكثر من عشرة اَلاف شخص جاء المصريون في قائمة أكثر 5 شعوب تثق في وسائل الإعلام أكثر مما تثق في حكوماتها "بنسبة 74%" فيما تصدرت الولاياتالمتحدة وبريطانيا الدول التي تثق شعوبها في حكوماتها أكثر من الإعلام "67% للولايات المتحدة و51% لبريطانيا"! أما مصادر المعلومات فقد انحاز المصريون في استقائها للتليفزيون أكثر من الصحافة 77% فيما تساوت نسبة الثقة بين تليفزيون الجزيرة والتليفزيون المحلي "77% لكل منهما" وهي أعلي نسبة يحصل عليها تليفزيون دولي في هذا الاستطلاع حيث إن الدول التسع الأخري تثق شعوبها في التليفزيون المحلي أو الصحافة المحلية بشكل أكبر من أي وسيلة إعلام أخري. أرقام الاستطلاع التي شملت الولاياتالمتحدة وبريطانيا والبرازيل ومصر وألمانيا والهند وأندونيسيا ونيجيريا وروسيا وكوريا الجنوبية كشفت أن معظم الدول النامية التي جري استطلاعها تثق في إعلامها أكثر من حكوماتها بنسب متفاوتة، فنيجيريا مثلا بنسبة 88% وأندونيسيا 86% والهند 82% ومصر 74%. ولا تمثل تلك الأرقام بالتأكيد لقارئيها أي مفاجأة خاصة ما يتعلق منها بمصر.. فالمواطن المصري عامة لا يصدق بيانات الحكومة ولا أرقامها ولا خططها أو مبرراتها.. أما لماذا فذلك شأن يطول شرحه.. فقد عشنا سنوات وسنوات في ظل رخاء اقتصادي وديمقراطية مزدهرة تطلق الحكومات تصريحاتها وتبين دلالاتها بالكلام فقط، فيما نسب البطالة تتزايد، الأمية تتفاقم، والفقر والجهر والتباين بين الدخول يرتفع.. أما الديمقراطية فحدث ولا عجب.. فلم يعد أمامنا سوي خيار من اثنين: إما الحزب الوطني الحاكم، أو الإخوان المسلمين.. وكلاهما مر. وهكذا فإن قراءة تلك الأرقام بشكل متأن ودقيق يجب أن تكون مهمة الحكومة الحالية التي تحاول أو يحاول بعض أعضائها علي الأقل أن يواجهوا الناس ببعض الصدق والشفافية "بالمناسبة كلمة شفافية أصبحت هي الأخري سيئة السمعة تماما مثل كلمة خصخصة" وستضطر الحكومة الحالية أن تصبر كثيرا وتعمل أكثر لمحو ميراث قديم من الكذب والتضليل وتضخيم الأرقام وتعتيم الحقيقة. ذلك العمل يحتاج إلي طريق اَخر للتعامل مع القضايا ومع المواطن يختلف كثيرا عن الطريق الحالي.. فالدولة للأسف تحتاج أن تقنع شعبها بما تفعل، هذا إذا كانت لا تزال تؤمل علي مساندة المواطن لها.. أما إذا كانت الحكاية مجرد تنفيذ لأمر واقع فلا حاجة لها لا لرأي عام ولا خاص. وتوقفت كثيرا أمام رقم ثقة المواطن المصري في قناة الجزيرة التي تساوت مع ثقته في التليفزيون المحلي.. ولذلك معنيان أحدهما أن المواطن المصري لا يزال يثق فيما تبثه القنوات المحلية، رغم الحديث عن ملكية الدولة والحكومة لتلك القنوات.. والاَخر أن "قناة الجزيرة" تعد مصدرا أساسيا للمعلومات وللأخبار لدي المواطن المصري، وهي بذلك تكون الحالة الوحيدة التي يثق فيها مواطنون في وسيلة إعلام غير محلية بتلك الدرجة. وعموما فإن أرقام تلك الاستطلاع تؤكد أن المصريين يثقون بشكل أكبر في وسائل الإعلام الأجنبية والدولية أكثر من المحلية "43%"، فإذا سألتهم عن ترتيب تلك الوسائل كانت الإجابات الجزيرة في المركز الأول "59%"، القناة الأولي المصرية "12%" لاحظ الفرق الشاسع! جريدة الأهرام "6%" الأخبار "5%" النيل للأخبار "4%". تلك الأرقام تضع علامة استفهام كبري أمام ما تقدمه وسائل الإعلام المصرية ومدي مصداقيتها سواء منها الحكومي أو المستقل أو المعارض.. فالمواطن المصري لا يستقي معلوماته من وسائل محلية بقدر ثقته في الوسائل غير المحلية. الاستطلاع يحتاج إلي وقفة تحليل من الحكومة ومنا في وسائل الإعلام.. فبدون مصداقية لن يمكنها تغيير الوضع قيد أنملة.