البلد "بيتلعب" فيها.. والأطراف اللاعبة كثيرة ومتنوعة بتنوع واختلاف مصالحها. والفساد له رجاله.. ونساؤه أيضا، وأصبح يزكم الأنوف، وحتي الحكومة ووزراؤها يتحدثون حاليا عن الفساد الذي زاد عن الحد لدرجة أن أحد الوزراء الجدد ذكر لي بالحرف بعد تعيينه بأيام إنه لو بدأ الإصلاح ومحاربة وتنظيف الفساد من الوزارة المسئول عنها من لحظة تحمله المسئولية وحتي عشر سنوات قادمة فإنه لن ينجح إلا بنسبة 80%. وتأملت هذا الخطاب "الجديد لانج" علي، وعلي مصر كلها، باستغراب شديد، فحتي الوزراء أصبحوا يتحدثون لغة الشارع المصري عن الفساد والمفسدين، لكن مع الفرق في المقصودين بالاتهام. تمنيت أن أتحلي بحسن النية والطيبة التي عرفتهما في حياتي كلها حتي أصدقه.. لكن تذكرت أن المرض الذي أصاب مصر كلها بالبلاده وقلة الإحساس وأدي إلي تراكم طبقات في تاريخها من فساد ومفسدين سببه شيء واحد فقط هو: حسن النوايا.. والطيبة! أحد الشباب المتحمسين للإيجابية علق علي مثل هذه الروايات التي تساق في الإعلام عن تصدي الإصلاحيين من داخل النظام إلي عصابات الفساد التي تنخر عظام البلد وتنهب موارده وخيراته.. قال تعليقا طريفا أن الخيرات كثيرة وأن البلاد مازالت بخير بدليل أن السرقة لم تتوقف طيلة عقود، بل وقرون، ولكن المشكلة في رأيه أن هامش السرقة ضاق وأصبح مقصورا علي أعضاء معينين فقط أسسوا نادي الفساد ويديرون البلد لصالحهم، ويحظرون علي غير أعضاء النادي مجرد المشاركة في "الاستفادة". لكن الغريب أكثر أن السرقة والفساد أصبح لهما تسميات أخري كالاستفادة! وعندما يتحول اللاعبون الرئيسيون في البلد إلي نجوم وشخصيات عامة، فإنه يصبح من الصعب بعد ذلك أن تقول لفاسد "صغيّر".. ماذا تفعل؟ أو.. هذا حرام؟ والإجابة جاهزة لديه: هي جت علي!! البهائية سؤال: هل عندما أعلن أني ضد البهائية، وضد كتابتها في خانة الديانة يعني بالضرورة أني أدعو للكراهية وأحرض المجتمع ضد معتنقيها، وأني بذلك أكون غير "متحضرة" وعنصرية؟ الحقيقة أن هذا السؤال أرقني، وفي إطار إعادة تربية النفس ومراجعة بعض المواقف الثابتة التي أؤمن بها كان لزاما علي أن أطرحه مرارا وأفكر في إجابته. وبعد هذه المراجعات وجدت أنه من نفس منطلق حقوق الإنسان التي رفع البهائيون دعوي بموجبها أمام القضاء وكسبوها في جولة أولي، فمن حقي القول إني ضد البهائية، ومن حقي القول أيضا إن مجتمعا إسلاميا يتبني في دستوره الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع لابد أن يدافع عن ثوابته، ولكن هذا لا يتعارض مع مبدأ أساسي أن يعتنق من لا يرون في الشريعة الإسلامية ضالتهم.. ما يريدون، لكن بشكل فردي وبما لا يزعزع ثوابت المجتمع التي استقر عليها، ودون أن يفرضوا حقوقا مترتبة بالتبعية. نعلم أن هناك بهائيين في مصر ودول أخري في العالم، ونعلم أيضا أن هناك شذوذا ولواطا.. ربما دون أن نضع أيدينا علي ممارسيه، لكن هذه الجماعات ليست ظاهرة في مجتمعنا ولن تكون كذلك. كما نعلم أن هناك شيعة بيننا.. وهذا مذهب من المذاهب. لكني ضد أن يخصص لهم مساجدهم التي يصلون فيها، وإذا أرادوا الصلاة بطريقتهم فليفعلوا في بيوتهم! وطرح هذه القضايا الفرعية، والبعيدة عن مشاغل عامة الناس والأغلبية المطلقة يأتي من قبيل "اللعب في البلد" أيضا، ولا تخفي أبعاد هذه المحاولات لإثارة هذه القضايا، والدافعون لها والممولون لها جهات أجنبية الأمريكية والإسرائيلية في مقدمتها تجد ضالتها في كل مرحلة عند فئة أو طائفة تحركها لتؤدي الغرض المطلوب وهو نشر الفوضي، وتجد منظمات وجمعيات علي "قفا من يشيل" تساند وتدعو للفوضي.. مادامت تتقاضي تمويلا أو تعمل لمصالح فئات ضيقة! وأتذكر في هذا السياق حديثا للدكتور أحمد كمال أبو المجد علي إثر استقباله وفدا من منظمة حقوق إنسان أمريكية، وبصفته أمين عام المجلس القومي لحقوق الإنسان قال فيه بالحرف: لو جئتم لتناقشوا قضية البهائيين، والشواذ والشيعة.. فالأفضل أن تعودوا من حيث أتيتم، لكن أي قضية أخري أنا مستعد! وبحكمة أبوالمجد وفراسته، فإنه أدرك أن تلك هي القضايا التي تأتي علي رأس أجندة منظمات حقوق الإنسان الأمريكية، وأجندتهم لن تكون أجندتنا، حتي في عصر العولمة والتنميط. وإذا كانت هناك رغبة في الحوار مع "الاَخر" فلابد من احترام خصوصيات مجتمعنا، وثقافتنا، ومثلما هناك سلوكيات ومظاهر في الثقافة الأمريكية أو الغربية نراها مختلفة ولا تناسبنا، لكننا نتفهمها.. في إطار مجتمعي ونسق خاص بهم، فلابد أن يتفهموا بدورهم ثقافتنا ويعتبرونها جزءا من التمايز الذي يؤمنون به، لكن أن نكون مثلهم، ونتبني ما يتبنوه فهذا لن ينجح أي حوار. ولن نقبل شواذ.. يأتون يوما للمطالبة هم بدورهم أن تكون لهم حرية زواج المثليين، كما لن يقبل المجتمع أي ديانات أخري غير سماوية، لا بهائية ولا بوذية، ولا حتي زردشتية. نحن مجتمع مسلم.. فاقبلونا بإسلامنا.