منذ سنوات عديدة ينتظر مجتمع الأعمال خروج مشروع قانون المحاكم الاقتصادية إلي النور من أجل الفصل السريع في المنازعات والقضايا التي تهم المستثمرين وتحتاج الي دوائر خاصة وقضاة مؤهلين لنظرها في محاكم اقتصادية متخصصة تتوافر فيها سرعة الفصل و"إنجاز العدالة" من أجل دفع عجلة الاستثمار. وبعد أيام قليلة سيدخل مشروع قانون المحاكم الاقتصادية الي مجلس الوزراء لمناقشته ثم سيعرض بعد ذلك علي مجلسي الشوري والشعب لتدرسه اللجان المختصة بالمجلسين تمهيدا لعرضه علي الأعضاء لمناقشته. مشروع القانون كانت عليه علامات استفهام من قبل بعض القانونيين بل واثار جدالا قبل طرحه علي مجالس الوزراء والشوري والشعب. فقد انتقد البعض عدم وضوح او غموض خاص بالفصل في اختصاصات المحاكم الاقتصادية والقضاء الاداري وكذلك اختصاصات الدوائر التجارية بالمحاكم المدنية والجنائية اضافة الي وجود مادة بالقانون تعطي الحق لوزير العدل الحق في اصدار قرار بتشكيل ادارات تحضير الدعاوي وهو ما اعتبره البعض يمس استغلال القضاء. وهناك من أيد القانون بوضعه الحالي حيث أقروا بحق المشرع في اعطاء بعض اختصاصات القضاء الإداري للمحاكم الاقتصادية وان قرار وزير العدل بتشكيل ادارات تحضير الدعاوي من صميم اعمال القضاء. في البداية يقول احمد هلال ابو الدهب المستشار بمجلس الدولة انه من مطالعة النصوص الخاصة بقانون المحاكم الاقتصادية خاصة المتعلقة باختصاص الدوائر غير الجنائية بالمحاكم الاقتصادية دون غيرها بالفصل في الدعاوي غير الجنائية المتعلقة بالمنازعات الناشئة عن تطبيق القوانين الاقتصادية المعروضة بالقانون دون اخلال باحكام وقواعد اختصاص مجلس الدولة بالفصل في المنازعات الادارية يتبين انه قد انطوي علي مخالفة دستورية صارخة اذ انه سلب اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء اداري بنظر هذه المنازعات بالمخالفة لأحكام المادة 172 من الدستور التي نصت علي اختصاص مجلس الدولة بالفصل في المنازعات الادارية باعتبار ان المنازعات الناشئة عن تطبيق القوانين آنفة الذكر اغلبها منازعات ادارية تنصب علي الطعن في قرارات الجهات الادارية القائمة علي تطبيق احكام تلك القوانين ولا ينال من ذلك -والكلام لابو الدهب- القول بان النص قد انطوي علي عبارة دون اخلال باحكام وقواعد اختصاص مجلس الدولة بالفصل في المنازعات الادارية إذ إن مضمون النص وما صرح به من اختصاص الدوائر غير الجنائية بالمحاكم الاقتصادية دون غيرها بالفصل في المنازعات المشار اليها دون ان يقصر ذلك الاختصاص علي "الاختصاص" بالفصل في المنازعات غير الادارية وهي قليلة انما يفصح بجلاء عن إخلال واضح وصريح باحكام وقواعد اختصاص مجلس الدولة وينم عن وجود تضارب للأحكام التي تضمنها النص وهو ما يؤدي قطعا -من وجهة نظره- الي احداث تنازع ايجابي علي الاختصاص بنظر المنازعات المشار اليها بين محكمة القضاء الاداري بمجلس الدولة والدوائر غير الجنائية بالمحاكم الاقتصادية. ويؤيد د.محمود عاطف البنا استاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة الرأي السابق إذ يشير الي ان عدم وضوح الاختصاصات بالقانون بين المحاكم الاقتصادية والقضاء الاداري يوجد حالة ازدواجية وصعوبة شديدة في توزيع الاختصاص موضحا انه علي الرغم من ان القانون قد أورد العبارة دون اخلال باحكام وقواعد اختصاص مجلس الدولة بالفصل في المنازعات الادارية -والتي علي حد قوله- جاءت لابداء الاعتراضات التي ستوجه من القضاء الاداري لقانون المحاكم الاقتصادية ولكن في الواقع فمن الوارد ان تتم اعتداءات علي اختصاص القضاء الاداري في ظل القوانين السبعة التي تعرض لها القانون والتي تنحصر أغلب نزاعاتها في مجال اختصاص القضاء الاداري وينبه الي ان هذه المادة بصياغتها الحالية معرضة للحكم بعدم دستوريتها في حال الطعن فيها امام المحكمة الدستورية العليا ويضيف البنا ان تداخل الاختصاصات قد يحدث ايضا مع القضاء الجنائي لانه توجد العديد من القضايا الجنائية لها بعد اقتصادي وهو ما سيوجد الالتباس في اختصاص أي من المحكمتين في الحكم فيها وفي مجال الدوائر التجارية بالمحاكم المدنية -مما قد يحدث ايضا التنازع في الاختصاصات مع المحاكم الاقتصادية. ويضرب البنا مثالا علي ذلك بنص القانون علي اختصاص المحاكم الاقتصادية بالفصل في القضايا المتعلقة بقانون الشركات وهو ما يعني ان المحكمة ستكون مختصة بالحكم في النزاع الموجود بين الشركات فقط والمحاكم المدنية تختص بالحكم في النزاعات بين التجار الذين يعملون في مشروعات فردية وليس شركات. ويشير الي انه علي الرغم من ان تدخل المحاكم الاقتصادية في اختصاصات المحاكم المدنية والجنائية لا يعد مخالفة للدستور الا انه سيحدث مشكلة اكبر وهي حالة التخبط التي ستحدث لان النمط الحالي في توزيع الاختصاصات قد استقر عليه النظام القضائي منذ سنوات طويلة مضت. ويشير عاطف البنا ايضا الي المادة التي تنص علي انشاء ادارات لتحضير الدعاوي يلحق بها عدد كاف من قضاة المحكمة تختارهم الجمعية العمومية في بداية كل عام ويعاونهم عدد من المؤهلين في المسائل غير الجنائية التي تختص المحاكم الاقتصادية بنظرها ويصدر بتشكيل هذه الادارات في بداية كل عام قضائي قرار من وزير العدل. ويعتبر البنا ان تدخل وزير العدل باصدار قرار تشكيل هذه الادارات يمس استقلال القضاء. أزال الالتباس وفي المقابل يري محمد محمد جاد المحامي بالنقض والادارية العليا والمستشار السابق ان مشروع القانون ازال الالتباس في الاختصاصات من خلال المادة التي قال فيها بان ينشأ بمحاكم القضاء الاداري دوائر متخصصة لنظر الدعاوي التي تدخل في اختصاص القضاء الاداري وتكون متعلقة بأحد الموضوعات التي أصبحت بمقتضي أحكام القانون المرفق -قانون المحاكم الاقتصادية- من اختصاص المحاكم او الدوائر الاقتصادية. ويوضح جاد انه حتي في حالة تعديل او حذف المادة خلال مناقشة مشروع القانون في مجلس الشعب فمن حق المشرع ان يضع للمحاكم الاقتصادية اختصاصات الفصل في نزاعات كان يتولاها القضاء الإداري بمجلس الدولة وذلك لان المحكمة الدستورية العليا رسخت قاعدة مفادها ان من حق المشرع أن يحدد جهة معينة لنظر اختصاصات محددة. ويعتبر المستشار السابق وان اخذ بعض الاختصاصات من القضاء الاداري ونقلها للمحاكم الاقتصادية قد يكون احتياجا حقيقيا لدعم فكرة انشاء محاكم متخصصة تتمكن من سرعة الفصل في المنازعات الاقتصادية لما لها من أهمية اقتصادية. ويوضح أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض ان اعطاء وزير العدل الحق في اصدار قرار بتشكيل ادارات تحضير الدعاوي لا يتعارض مع مبدأ استقلالية القضاء ولا مع قانون السلطة القضائية المقترح من نادي القضاة نظرا الي ان قرار وزير العدل في هذه الحالة هو قرار تنفيذي ويكون ضروريا له حتي يتم نشره في الصحف الرسمية واعلام الناس به بينما قرارات مجلس القضاء الأعلي لا تنشر في الصحف الرسمية وبذلك يصبح القرار وسيلة للاشهار لا تخل باستقلالية القضاء خاصة أن قضاة هذه الادارات حسب مشروع القانون ستختارهم الجمعية العمومية.