لا خلاف أن قضية ضم وزارة التأمينات إلي وزارة المالية قد أثارت العديد من التحفظات والتساؤلات حول مستقبل نظام التأمينات الاجتماعية في مصر، وتأثير هذه الخطوة علي أموال التأمينات بغض النظر عن المبررات والنوايا الحسنة والطيبة التي تبديها الحكومة في هذا الشأن. ومادمنا بصدد الخوض في التفاصيل لنقف علي حقيقة الأمور، لابد أن نشير إلي ان البداية قد وردت في تقرير لجنة الخطة والموازنة الصادر عن مجلس الشعب عن أن الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2002/2003 (يونية 2002) حيث ورد بشأن أموال التأمينات الاجتماعية ما يلي: "إن الأمر قد يستوجب أن تستصدر الحكومة تشريعا يؤكد التزامها بكل أعباء المعاشات وفي مقابل ذلك يتم نقل أصول وخصوم صناديق التأمينات والمعاشات إلي الخزانة العامة". وقد دار حول هذه الفكرة حوار بمجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 19/6/2002 - انتهي الي ان الاستاذ الدكتور رئيس مجلس الوزراء اكد علي ان الحكومة لن تقدم علي احداث اي تغيير في المراكز المالية لطرف علي حساب آخر او في القوي النسبية لاموال التأمينات ومؤسساتها "وهو التزام اخلاقي واجتماعي وسياسي" الا بحضور المسئول عن التأمينات وسيتم مناقشة ذلك تفصيلا في اجتماعات قادمة بحضور السيدة الدكتورة وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية. وتبدو توصية لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب والرأي الذي انتهي اليه مجلس الوزراء وأعلنه رئيس المجلس غامضة فهي لم توضح السبب الذي من اجله تحل الخزانة محل صندوقي التأمينات في اصولهما وخصومهما خاصة ان تلك التوصية تفترض خطأ ودون سند اكتواري - ان الخزانة العامة تتحمل بكل اعباء التأمينات وهو قول مرسل، يفتقر الي الدراسة الاكتوارية والحسابية العملية - التي قامت بها العديد من الجهات الاجنبية والمصرية واكدت جميعها ان استغلال اموال التأمينات الاجتماعية بفائدة منخفضة "الي حد كبير" عن سعر الفائدة السائد في السوق كان هو السبب في كل المشاكل الحاصلة الآن وكذلك ضعف استثمار اموال التأمينات الاجتماعية المتراكمة والمملوكة للمؤمن عليهم. وإحقاقا للحق فقد انتابني شخصيا احساس بالخوف واليتم - بعد ضم التأمينات الاجتماعية الي وزارة المالية - المعاشات انتقلت من يد حانية تعني بالفقراء والضعفاء الي مأمور ضرائب عينه علي الحصيلة دائما - حتي بعد صدور قانون الضرائب علي الدخل الجديد - مأمور لا يعرف الرحمة ولا الشفقة في يده سلطة الضبطية القضائية، ولا أعلم ماذا في قلبه!! وعندما تابعت تصرفات وزير المالية الذي صار الاب الشرعي والقاسي لاصحاب المعاشات ادركت ان قلب الحكومة من حجر!! فطبقا لرؤية وزير المالية سيحرم ابنائي - وابناؤك - من حقهم في معاشاتنا لو ادركنا الموت قبل سن استحقاق المعاش!! وبالتالي علينا ان نستعد ونبرم اتفاقا مع "عزرائيل" حتي لا يدركنا الموت قبل سن المعاش، ويتشرد العيال!! لعل ما فجره عبدالمنعم الغزالي رئيس النقابة العامة للعاملين بالصناعات المعدنية والهندسية خير دليل علي ما نقوله عندما وجه انتقادا لاذعا لوزير المالية بعد تصريحاته التي ادلي بها خلال اجتماعه واعضاء لجنة القوي العاملة بمجلس الشعب حول نية الحكومة اعداد مشاريع قوانين جديدة للتأمينات يستفيد من معاشها المسن فقط، وهو ما اعتبره الغزالي يهدد "بكارثة اجتماعية" لانه عند وفاة المستفيد ستنهار الاسرة ولن يكون امام افرادها سوي الانحراف واكد علي ان النقابة العامة للعاملين بالصناعات المعدنية والهندسية لن تتنازل عن الدعوي المرفوعة ضد الحكومة لفصل التأمينات عن وزارة المالية حفاظا علي حقوق واصحاب المعاشات. وليت الامر يقف عند هذا الحد، بل حتما وكما هو واضح من تصريحات وحديث وزير المالية، ان الامر سيتعدي ذلك!! فطبقا لما أعلنه - وهو ينفذ ما يعلن عنه دائما وبموافقة الحكومة - انه عازم علي التدخل في صناديق معاشات النقابات والمعاشات الخاصة!! وسوف يتعب وزير المالية نفسه لانه وجد ان هذه المعاشات فيها "عك كتير" علي حد قوله، وهو رجل لا يحب العك!! ورغم ان هذه المعاشات تعامل بقانون خاص، وتعد أموالا خاصة والنقابات لا تتبع الدولة، شأنها في ذلك شأن المنظمات غير الحكومية، الا ان الامر يستوي عند وزير المالية ولا شيء يهم!! عموما يبدو ان الغضب الشعبي الواسع لضم التأمينات وصناديق المعاشات لوزير المالية قد ازعج الوزير - شخصيا - واغضبه كثيرا، وكيف يجرؤ الشعب علي الغضب!! وقرر معاقبتنا باعداد مشاريع قوانين جديدة للتأمينات.. ورغم ان الوزير قد اكتفي بالكشف عن بعض الملامح لما هو مستهدف، فان هذا البعض القليل يكفي ويزيد ويكشف ان الحكومة عازمة علي مواصلة الاستيلاء علي اموال معاشاتنا ومعاشات الابناء والاحفاد علي حد سواء!!