مازالت قضية أموال التأمينات تثير جدلا واسعا ونقاشا حادا لا ينتهي لدي الرأي العام بل أصبحت الشغل الشاغل لأكثر من16,5 مليون من إجمالي المؤمن عليهم وأكثر من7,8 مليون من أصحاب المعاشات. خاصة بعد ضم أموال التأمينات التي تبلغ الآن نحو373 مليار جنيه إلي الخزانة العامة وبذلك أصبح الدائن والمدين جهة واحدة وذمة مالية واحدة, وميزانية واحدة!! لهذا أصبح قرار الضم تطارده شبهة عدم الدستورية, ومما أثار حفيظة أصحاب التأمينات والمعاشات ذلك المشروع المقترح للتأمينات الذي طرحته وزارة المالية.. ومن المنتظر أن يحال إلي مجلس الشعب للنقاش في مايو المقبل. أصبح مشروع القانون يواجه الكثير من الانتقادات والعديد من الاتهامات, من جانب بعض الخبراء والمتخصصين في الشئون التأمينية والاقتصادية وأهمها أنه نظام يقوم علي الإدخار الشخصي وأنه نظام غير تكافلي ويعد تراجعا واضحا لدور الدولة, وأصحاب الاعمال تجاه المؤمن عليهم بسبب تخفيض نسبة الاشتراكات!! وحتي نطرح القضية بشفافية ووضوح ونري الصور بلا رتوش أو ضجيج واجهنا مساعد وزير المالية لشئون التأمينات والمعاشات الدكتور محمد معيط, الذي أرهقنا كثيرا نظرا لخبرته وحنكته في قضية التأمينات وبدأنا المواجهة: {{ لايزال الاتهام بعدم الدستورية موجها إلي الحكومة بسبب ضم أموال التأمينات مال خاص إلي وزارة المالية مال عام؟ { مستشار الوزير: أحال القضاء الاداري هذه القضية إلي المحكمة الدستورية ولم يتم الفصل فيها إلي الآن.. ولكن القرار الذي صدر من المحكمة الدستورية يطعن فقط علي جزئية أن وزير المالية يرأس مجلس إدارة كل من الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي, وكذلك بنك الاستثمار القومي.. رغم أن هذا كان قرارا جمهوريا.. {{ ولكن هل قرار الضم كان صائبا؟ { للأسف الشديد أن هناك نقطة مهمة غائبة عن الكثيرين, وهي أن الهيئة القومية للتأمينات والمعاشات هيئة مستقلة بذاتها, لها شخصية اعتبارية, ولها موازنتها وميزانيتها ولهذا تنتفي هنا عملية الضم.. لأنه في حالة ضم أموال التأمينات والمعاشات لن يصبح للهيئة ميزانية ولا موازنة ولا استقلالية ولا شخصية اعتبارية ومازالت حقوقها موجودة ومضمونة في ميزانية الدولة فأين الضم؟.. كما أن الهيئة بموجب القانون الجديد المقترح سيكون لها مجلس إدارة يضم أعضاء معينين بقرار رئيس الجمهورية ويتكون من رئيس اتحاد العمال ورئيس اتحاد الغرف التجارية, ورئيس اتحاد الصناعات وممثل عن الجهاز المركزي للمحاسبات وممثل عن الجهاز المركزي للتنظيم والادارة, وممثل عن البنك المركزي, وكذلك عن هيئة سوق المال, وكل هذه الأطراف لها علاقة مباشرة ورقابية أيضا علي هذه الأموال.. فلا يوجد شيء نخاف منه ولكن لدينا شفافية كاملة. {{ إذا كان لديكم الشفافية الكاملة فمتي يتم فك الاشتباك الحالي ويتم فصل الذمة المالية لصناديق التأمينات والمعاشات عن بنك الاستثمار القومي الذي عليه علامات استفهام كثيرة وكذلك الخزانة العامة للدولة؟ { القانون الجديد واضح وصريح في هذا الشأن في فك هذا الاشتباك تماما فأموال التأمينات لن يكون لها علاقة ببنك الاستثمار القومي ولكن سيكون لها علاقة مباشرة مع الدولة فهي الضامنة لكل أموال التأمينات والمعاشات, ففي جميع أنحاء العالم نجد العلاقة مباشرة بين المؤمن عليه وخزانة الدولة لأن خزانة الدولة هي الضامنة لهذه الأموال مهما حدث. {{ ولكن ألا تري أن المشكلة مازالت قائمة بالنسبة لتحويل فوائض أموال التأمينات إلي بنك الاستثمار الذي يمول بها مشروعات الدولة وهو بلا مردود؟! { هذا الوضع ليس وليد اليوم, ولكن هذا أقر بموجب القانون119 لسنة1980, ونص علي أن فوائض أموال التأمينات تحول إلي بنك الاستثمار القومي ويأخذ عليها عائد4,5% فقط, كذلك نص القانون علي أن بنك الاستثمار يقوم بتحويل الشركات الاستثمارية للدولة. ولكن الخلاف ليس في تحويل أموال التأمينات إلي هذا البنك, ولكن نقطة الخلاف علي تدني العائد علي تلك الأموال. ولكن استطعنا كهيئة للتأمينات أن نصل بهذا العائد' إلي8% و9% ولكن كل هذه العوائد علي الورق فقط لبنك الاستثمار القومي حتي وصلت مديونيته في أموال التأمينات إلي57 مليار جنيه. {{ ولكن كيف ترون الحل في هذه المعادلة الظالمة؟ { الحق أنه يجب أن يطرح هذا القانون علي مجلس الشعب الذي أقره1980 مرة أخري طالما الخلاف مازال قائما وعلي مجلس الشعب أن يصحح هذا القانون الذي أقر منذ30 عاما بتحويل فائض أموال التأمينات إلي بنك الاستثمار القومي ويمكن بذلك أن تحل هذه المشكلة. {{ كم تبلغ حجم أموال التأمينات والمعاشات حاليا حيث تتضارب الأرقام؟ { يبلغ إجمالي استثمارات الصناديق والتأمينات والمعاشات372,3 مليار جنيه. {{ وأين يتم استثمار تلك الأموال؟ { نستثمر الآن نحو201,5 مليار جنيه في صكوك حكومية وبدأنا ذلك النظام منذ أن عين الدكتور يوسف بطرس غالي وزيرا للمالية, ولم يكن لدينا تلك النوعية من الاستثمارات علي الاطلاق.. وعلي فكرة75% من أموال التأمينات والمعاشات في أمريكا تستثمر في السندات الحكومية. وكانت احتياطيات مالية علي الورق فقط. هذا بالإضافة إلي أن لدينا الآن استثمارات مباشرة نحو37,6 مليار جنيه, وتبلغ مديونية بنك الاستثمار القومي نحو57 مليار جنيه. أما مديونية وزارة المالية فنحو76,2 مليار جنيه من أموال التأمينات. أما متوسط عائد الاستثمار الإجمالي فيتراوح بين8,5% إلي10% خلال السنوات الخمس الماضية. هذا يعني أن هيئة التأمينات الاجتماعية لأول مرة منذ أنشئت مساهمة في شركات حديد وأسمنت وشركات بترول وشركات بتروكيماويات وأسمدة وشركات نسيج ولم يكن كل ذلك موجودا من قبل.. ولدينا أيضا استثمارات في الأوراق المالية في الحدود الآمنة لا تتجاوز هذه الأموال نسبة ال2% مع العلم إن منظمة العمل الدولية والمنظمة الدولية للضمان الاجتماعي توصي باستثمار أموال التأمينات في الأوراق المالية في حدود ال10% وليس2%. {{ قيل إن متوسط العائد علي التأمينات المستثمرة ثابت؟ { لا طبعا, العائد غير ثابت لأن متوسط العائد قبل الأزمة الحالية العالمية من الأوراق المالية, فقط وصل إلي نحو23% عائدا سنويا.. ولكن العائد الاجمالي كله الآن ما بين8,5% إلي10% سنويا أي في حدود35 مليار جنيه عائد تلك الأموال سنويا أما الحد الأدني بنسبة8% فيصل ما بين26 و27 مليار جنيه. وهذه الاستثمارات بعيدة عن المديونية الحكومية التي علي خزانة الدولة وبعيدة عن عوائد بنك الاستثمار القومي التي لا تدخل النظام التأميني.. ولكن الأمل فعلا في القانون الجديد لأن عوائد الاستثمار المباشر وهي استثمارات طويلة الأجل ستتراوح مابين20% إلي35% وذلك رغبة بأن تدخل هيئة التأمينات والمعاشات بثقل أكبر لانشاء شركات ومشروعات وشراء أراض وعقارات. {{ ولكن أليس من الغريب أن تمنع صناديق التأمين في استثمار أموالها في شهادات البنك الأهلي؟ { يسئل في ذلك بنك الاستثمار لأنه من المؤسف أن القانون لا يعطي لي الحق كهيئة تأمينات أن أسأل بنك الاستثمار أين تستثمر تلك الأموال.. لذلك نص القانون الجديد علي إنشاء مجلس لاستثمار أموال التأمينات وأعتبرتها جزءا من شغلها الشاغل, هذا بجانب أن العائد علي الاستثمارات يوضع في الحساب الشخصي التأميني للمؤمن عليه وسيكون له الاختيار أن يصنع مايشاء من أموال في حسابه الشخصي وتلك الأموال مضمونة بضمانة مؤكدة من خزانة الدولة, ومضمون عليه عائد لا يقل عن معدل متوسط التضخم.. وسيضاف الرصيد العائد من الاستثمارات للحسابات الشخصية سنويا ويطلع عليه المؤمن عليه في نهاية كل عام من خلال كشف حساب سنوي عن طريق البنك. {{ إذا كان مشروع النظام الجديد قائما علي الادخار فلماذا لا يدخر المؤمن عليه في البنك؟ { عندما تستثمر الدولة في سندات حكومية أليس أفضل من أن تستثمر في البنك؟.. في مصر كان لدينا بنك الاعتماد التجاري الذي أشهر افلاسه ولكن الذي حدث أن الحكومة ضمنت كل أموال المودعين.. فالدولة تستطيع أن تولد موارد جديدة أما البنك فقد لا يكون لديه هذه القدرة. {{ سجل عجز الموازنة العامة للدولة(2009/2008)72 مليار جنيه والدين الخارجي176 مليار جنيه.. ألا تعتقد أن هذا العجز سوف يؤثر بالسلب علي أموال التأمينات بطريقة مباشرة؟ { هذا العجز لن يؤثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة علي أموال التأمينات والمعاشات, ولكنه يؤثر علي قدرة الخزانة في تحويل التزاماتها للنظام التأميني, ورغم ذلك فالدولة ضامنة لهذه الأموال.. {{ إذن كيف سيتم سداد الديون الحكومية المتراكمة والتي بلغت نحو372 مليار جنيه؟ { اشتراطات المؤمن عليهم وصلت19 مليار جنيه, بينما نفقات تشغيل النظام, ونفقاتها التأمينات والمعاشات نحو41 مليار جنيه, أما الفرق بينهما فنحو22 مليار جنيه تأتي من عوائد الاستثمارات, بالإضافة إلي دعم الخزانة العامة للالتزامات التي عليها بموجب القانون والتي تصل من25 إلي30 مليار جنيه تحويلات سنوية, فالخزانة تقوم بتمويل مجموعة من المبالغ للنظام تحت مسميات مختلفة, ولكن الدولة لا تسدد حاليا شيئا, ولكن هي ضامنة لنظام المعاشات وملتزمة به في أي وقت!!! وجميع دول العالم لديها مشاكل في إدارة أموال التأمينات ولسنا وحدنا في هذا الأمر. {{ هناك إتهام للنظام الجديد المقترح للتأمينات بأن نسبة خفض الاشتراكات41% إلي29% يعد تراجعا لدور الدولة وأصحاب الأعمال تجاه المؤمن عليهم؟ { هذا الاتهام عار تماما من الصحة.. فالقانون الحالي يغطي تأمينات علي نسبة من الأجر تبلغ تقريبا الثلث وربما أقل أما النظام المقترح فهو يغطي الأجر بالكامل, بالإضافة إلي خفض نسبة الاشتراكات لصاحب العمل إلي19% بدلا من26% في النظام الحالي, أما بالنسبة للعامل فسيدفع فقط10% علي كامل الأجر بدلا من14% علي الاساسي وأتساءل أيهما أفضل؟ وتقوم الدولة بدفع1% لتدعيم كل أصحاب الأجور سواء المتدنية والكبيرة علي حد سواء.. أما النظام الجديد فان الدولة ستخصص ال1% لمستحقيها. ولهذا فإن هذا النظام سيدفع ويحفز صاحب العمل بتشغيل عدد أكبر من أصحاب الأجور المتوسطة والمتدنية وهم غالبا سيكونون فئة الشباب بدلا من أصحاب الأجور الكبيرة.. {{ هناك انتقاد حاد لمشروع النظام الجديد بأنه نظام قائم علي الادخار وليس نظاما تكافليا مثل النظام الحالي ماهو ردكم علي ذلك؟ { هذا الاتهام ظالم لأنه لدينا ما يسمي في النظام الجديد بالحساب التكافلي وهو حساب للمؤمن عليهم جميعا سيدفع كل واحد2% من الأجر بغض النظر عن الأجر الذي يتقاضاه ولدي حساب آخر وهو الحساب الشخصي للمؤمن عليه يأخذ من الاشتراك الخاص به9% من10% تأمين شيخوخة وعجز ووفاة ومن صاحب العمل13% من ال19% تأمين شيخوخة وعجز ووفاة ويصبح المجموع22% سأضع20% منهما في الحساب الشخصي, أما ال2% فهو للحساب التكافلي وهو لجميع المؤمن عليهم وليس لفئة محددة. {{ من الذي سيستفيد من الحساب التكافلي؟ { فلنفرض أن عاملا دخل سوق العمل ثم توفي اليوم التالي أو اصابه عجز ما فاذا نظرنا إلي حسابه الشخصي سنجد رصيده صفرا هنا ينص القانون علي أن أضمن له65% من أجمالي مرتين الأساس أيا كان رغم أن المؤمن عليه علي الأقل من إجمالي أجره في هذه الحالة سيصرف له من الحساب التكافلي.. {{ إذن لماذا رفعتم استحقاق المعاش بعد30 سنة بدلا من20 سنة ورفع سن التقاعد إلي65 سة بعد60 سنة؟ { لابد أن نعلم أن هذا النظام سيبدأ من2012/1/1 للداخلين الجدد لسوق العمل لأول مرة النظام الحالي المعمول به منذ1975 نص علي استحقاق المعاش بعد20 سنة عندما كان توقع الحياة60 سنة بمتوسط ثلاث سنوات.. اليوم توقع الحياة زاد بسبب تحسن الحالة الصحية للرجال15 سنة وللنساء18,5 هذا معناه أن الالتزامات المالية عند سن ال60 تضاعفت عما كانت عليه عام1975. وعلميا لدينا توازن اكتواري أكد أن ما كان يصلح عام1975 لم يعد ينجح لاستمرار النظام التأميني. ومعظم دول العالم لديها هذه المشكلة فألمانيا حركت سن التقاعد إلي67 عاما, وبريطانيا سيبدأ عند69 عاما, وكل أوروبا سن التقاعد لديها65 عاما ولأنه حدث تحسن مطرد لتوقعات الحياة.. ولهذا اقترحنا توحيد سن المعاش إلي65 ولكن سيتم ذلك خلال ال17 سنة القادمة ووضعنا إستراتيجية لهذا التحرك. {{ من سيمول صندوق الفئة المهمشة في القانون الحالي التي ليس لها معاش؟ { لدينا ميزة في النظام الجديد بأن هناك نوعا من الوضوح والشفافية ولن أحمل فئة علي أخري.. ولكن هذه مسئولية مجتمع وستقوم خزانة الدولة بتمويل هذا الصندوق ولن يتحمله المؤمن عليه. {{ ما موقف النظام الحالي في حالة إقرار النظام الجديد عام2012 ؟ { القانون الجديد ينص علي أن تستثمر القوانين الحالية حتي آخر مستفيد في النظام الحالي والخزانة ملتزمة بسداد الالتزامات التي عليها لهذا النظام حتي75 سنة قادمة. وللمؤمن عليه حاليا مطلق الحرية والاختيار في الانتقال للنظام الجديد أو بقائه في النظام الحالي أو الجمع بين النظامين, وفي هذه الحالة سيكون للمؤمن عليه معاشان طبقا للنظام القديم الحالي وطبقا للنظام الجديد!! {{ لماذا لا تنشئون قانونا موحدا للتأمينات بدلا من تشتيت المؤمن عليه بين النظام الحالي والنظام الجديد؟ { من يقومون بانتقادنا سيتهموننا بأننا سرقنا أموال التأمينات والمعاشات في النظام الحالي ولهذا جعلنا النظامين ساريين.. وللمؤمن عليه حرية الاختيار.. {{ ولكن ماذا كانت رؤية البنك الدولي لاعادة هيكلة نظام التأمينات والمعاشات الجديد في مصر؟ { رؤية البنك الدولي من خلال بعض خبرائه وكذلك صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي وكذلك منظمة العمل الدولية بأن هذا النظام المصري إذا طبق كما هو موضوع فسيكون نظاما نموذجيا سيؤخذ به في عدد من الدول.. والله هذا ما حدث بالفعل.. وأنا مازالت أقول إن هذ النظام ليس شيئا مقدسا ولكنه قابل للتغيير.. وأنا من موقعي هذا أطالب المجتمع والمتخصصين والخبراء بالاطلاع عليه ودراسته وابداء ملاحظاتهم لأننا نود أن نصدر قانونا ونظاما قادرا علي حل مشاكلنا ومشاكل الأجيال القادمة. {{ وأخيرا هل تود أن تضيف شيئا حول نظام التأمينات؟ { أعترف بأن النظام التأميني الحالي من أكبر المساهمين في زيادة نسبة الفقر لأن المؤمن عليه بعد خروجه علي المعاش يأخذ معاشا لا يصل لحد الكفاف وينضم بذلك إلي فئة غير القادرين علي مواجهة الحياة.. كما أن النظام الحالي لا يعطي للمؤمن عليه أقل من10 سنوات أي معاش ولكن النظام الجديد لو اشترك يوما واحدا فقط يصبح لديه معاش.. فأيهما أفضل؟!!