يضطلع رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج حاليا بمهمة تتطلب براعة ومقدرة وهي تحرير إجراءات الإصلاح الاقتصادي خلسة وسط بيئة سياسية صعبة.. وبمناسبة صدور المجلد الثالث من مجلدات تاريخ بنك الاحتياط الهندي "البنك المركزي" ظهر اقتراح مهم يوم 18 مارس حيث قال سينج في مومباي وليس أمام البرلمان في نيودلهي إنه طلب من بنك الاحتياط الهندي دراسة قضية التحرير الكامل للروبية الهندية مرة أخري.. وقد ثبت بعد يومين فقط أن سينج كان يعني ما يقول ولم يكن الأمر مجرد فكرة أكاديمية، فقد أعلن بنك الاحتياط الهندي عن تشكيل لجنة تضع خريطة طريق لإلغاء القيود علي رأس المال وأن خريطة الطريق هذه ستكون جاهزة يوم 31 يوليو القادم. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن سينج عمل الكثير عندما كان وزيرا للمالية في مطلع تسعينيات القرن الماضي لفتح الاقتصاد الهندي علي العالم وجعل الروبية قابلة للتحويل في الحساب الجاري للبلاد أي في مجال التجارة ولكن القيود بقيت قائمة علي تدفقات رأس المال سواء الخارجة من الهند لشراء أصول أجنبية أو الداخلة إليها مثل القروض بالعملة الصعبة من البنك بشروط تجارية، كما ظلت تقلبات سعر صرف الروبية تتم بتدخل ناعم من جانب البنك المركزي. وقد ظل دعاة الإصلاح يرون أن ما حدث هو إمساك للعصا من المنتصف.. وفي عام 1997 أعلن بالانيابان تشيدام بارام وكان وزيرا للمالية مثلما هو الاَن أن قابلية الحساب الرأسمالي للتحويل هدف عزيز.. وبناء علي طلبه شكل بنك الاحتياط الهندي لجنة من الخبراء لبحث تحقيق هذا الهدف.. وهذه اللجنة لا تزال قائمة حتي الاَن وتجتمع ربما بنفس تشكيلها القديم مع تغييرات طفيفة. وفي التقرير الذي أعدته تلك اللجنة عام 1997 وهو تقرير مكون من 80 صفحة قالت إن فتح الحساب الرأسمالي للتحويل سيكون له فوائد كثيرة وعظيمة خصوصا زيادة معدل نمو الاقتصاد الهندي عن طريق تسهيل الوصول إلي رأس المال.. والحقيقة أن فتح الروبية للتحويل هو أيضا ضروري إذا ما أريد تحقيق اَمال سينج لجعل الهند مركزا ماليا اقليميا.. ويقول الاقتصادي الهندي سورجيت بهاللا عضو لجنة الخبراء سالفة الذكر إن قابلية الروبية للتحويل أمر في مصلحة الهنود قبل الأجانب. وقد اقترحت لجنة 1997 رفع القيود علي رأس المال خلال 3 سنوات ولكن انفجار الأزمة الاَسيوية اَنذاك عطل تنفيذ اقتراحاتها وتم وضع تقريرها علي الرف.. والحقيقة أن التقرير تضمن ضرورة اتخاذ عدة إجراءات قبل تحرير الروبية ومنها السيطرة علي التضخم، واحتواء عجز الموازنة الحكومية.. وتطوير وتقوية النظام المالي الهندي.. كما دعا التقرير أيضا إلي مراقبة ميزان المدفوعات الهندي وتعزيز احتياطيات الهند من النقد الأجنبي. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن الهند استوفت بالفعل معظم هذه الشروط وإن بقيت هناك ملاحظات علي الحساب الجاري الهندي الذي عاد يحقق عجزا بعد أن ظل يحقق فائضا لمدة 3 سنوات متتالية.. وقد بلغ عجزه 6.4% من إجمالي الناتج المحلي في الربع الثالث من العام الماضي.. وفي تقريره السنوي عن الاقتصاد الهندي لاحظ صندوق النقد الدولي في يناير الماضي أن عجز الحساب الجاري جعل الهند أكثر اعتمادا علي حركة الأموال الساخنة بكل ما يمكن أن يترتب علي ذلك من اَثار معاكسة. ولاحظ صندوق النقد الدولي أيضا الاحتياطي الهندي الكبير من النقد الأجنبي "نحو 137 مليار دولار حاليا" زاد بنحو 50 مليار دولار وهي تساوي حجم ودائع البنوك التي يملكها غير الهنود من المواطنين إلي جانب استثمارات المحفظة الأجنبية في الهند والديون قصيرة الأجل.. وقرر الصندوق أن ذلك يجعل احتمال حدوث أزمة نقدية في الهند احتمالاً ضئيلاً. ورغم هذا كله فإن الأحزاب الشيوعية الهندية لا تكف عن الصراخ محذرة من أن تحرير الروبية سيؤدي إلي كارثة.. ولأن مانموهان سينج يحتاج إلي أصوات هذه الأحزاب للبقاء في الحكم فإنه مضطر للاستماع إليها وعدم تجاهل رغباتها. ولكن يبدو أن سينج ووزير ماليته تشيدام بارام قد عقدا العزم علي حسم قضية تحرير الروبية وجعلها قابلة للتحويل قبل نهاية يوليو القادم وتلك خطوة لو حدثت ستكون بمثابة تقدم كبير علي طريق الإصلاح الاقتصادي في الهند.