رأي اليوم بعد الانتهاء من احتفالات "الفوز التاريخي" والصحو من "غيبوبة" نشوة الانتصار ،استفاق اعضاء "حماس" وانصارهم علي الواقع الفلسطيني المر وعلي متطلبات السياسية الدولية وضرورة احترام المعاهدات والاتفاقات الموقعة من طرف السلطة ، وبدأ الخطاب السياسي الواقعي يدخل تدريجيا الي قاموس زعماء حماس ليعوض خطاب التحميس والمزايدات والاوهام الكاذبة التي عاشها الفلسطينيون اثناء الحملة الانتخابية فمنذ انتخاب "حماس" انتهت عملياتها الانتحارية وانتهي الحديث عن "تحطيم دولة اسرائيل" وبدأ الحديث عن انسحابها الي غاية حدود 1967وعن "الهدنة الطويلة الامد" وتحولت قيادة الاركان التي كانت تخطط للتفجيرات واطلاق الصواريخ الي قيادة اركان للتفكير في توفير المساعدات وتعويض نقص الميزانية لتأدية اجور الموظفين الذين احتجوا علي تأخر صرفها ولقد ادرك الجميع ان حل المشاكل الواقعية لا يتم بقراءة الفاتحة ورفع اكف الضراعة الي الله" وقراءة بعض الادعية مع "الصوم" المبارك.. وتبين للشعب الفلسطيني ان الملائكة لم تحلق فوق غزة ورام الله .. بل حلقت طائرات العدو الاستطلاعية وحلقت "غربان" تنذر بشؤم اذا لم يرجع بعض المتهورين عن غيهم وينضبطوا للقرارات الدولية لقد بدأ قادة حماس يتعلمون تدريجيا مدلول الدبلوماسية الدولية وبدأوا يزنون الكلمات قبل النطق بها عكس المرحلة السابقة التي كانت كلها خطابات حماسية تتحدث عن "الرد المدمر" و"العقاب المزلزل" و"أنهار الدم والدموع" وطرد العدو من الارض المباركة الي غيرها من الشعارات التي كانت تسعي الي تعبئة الشارع بالنبرة الدينية لكن الله لم يرسل "طيراً أبابيل" التي كان يعتقد انها سترمي العدو ب "حجارة من سجيل" بل ربما كانت النتائج عكسية اذا لم يتدارك قادة حماس الامر ويعترفوا بضرورة وجود دولة اسرائيل الي جانب الدولة الفلسطينية مع نبذ العنف وانهاء العمليات الانتحارية التي تنعكس سلبا علي الشعب الفلسطيني وعلي عملية السلام في المنطقة ان الفوز الورطة الذي حققته "حماس" سيكون درسا مهما لكل الاسلاميين الذين يسعون الي الحكم خاصة ان شعاراتهم اكبر بكثير من "برامجهم" هذا اذا كانت لديهم برامج فالواقع عنيد والمشاكل كثيرة والعلاقات الدولية اساسية لاستمرارية اي تجربة هشة من تجارب دولنا العربية الاسلامية المنهكة بالازمات ..فهل سينجح السيد اسماعيل هنية في تعديل خطاب حماس؟ وهل سينجح في اقناع "فتح" والفصائل الاخري بالمشاركة في جولته ؟ ان الامر ليس اقتساما للكراسي الحكومية ولكنه توافق علي برنامج حكومي واقعي مقبول عربيا ودوليا فليس من المنطقي ان تطلب "حماس" من اسرائيل تسليمها واجبات الضرائب في الوقت الذي تهددها فيه بتحطيمها وبالكفاح المسلح وبعدم نبذ العنف .. فلا يعقل ان تساعد اسرائيل دولة لا تعترف بها وحكومة تهددها في وجودها ..واذا لم تدرك "حماس" هذا الامر فان طبول الحرب ستدق من جديد وبدل تحليق الملائكة الخضر ستحلق الشياطين فوق فلسطين.