من المفارقات أن السكر في المجتمع المصري له وضعية خاصة بين السلع الاستهلاكية.. فهو كما يقال "علي رأسه ريشة"، لأنه ودونا عن كل المجتمعات الأخري يحظي بتقدير امتياز بين الناس خاصة الطبقات محدودة الدخل ومعدومة الدخل.. لأن السكر "الحاجة الحلوة" الوحيدة في حياتهم، يفرحون بكوب الشاي سكر زيادة ويعتبرونه المصدر الوحيد للطاقة، في ظل غياب السكريات الأخري، فهم لا يستطيعون تناول "الكيك" و"الجاتوه" والمربي لأنها تفوق إمكانياتهم وقدراتهم المالية. ويكاد الناس البسطاء أن يبكوا بعد أن ارتفع سعر السكر في الأسواق، وذكرت لي السيدة الطيبة التي تساعدني علي شئون المنزل، في تأثر بالغ: كنت أشتري كيلو سكر كل يومين تقريبا، لأن الشاي هو "صديق" الأولاد، يذاكرون دروسهم ويتسلون بشربه محلّي، لكن لا سبيل الاَن لذلك حيث لا طاقة لنا لشراء الكيلو بثلاثة جنيهات وربع الجنيه. وتتساءل في عفوية: الحكومة حسدتنا حتي علي متعنا "الصغيرة"! ومما سيزيد من تعقيد قضية السكر أن ارتفاع سعره لن يقف عند هذه الحدود التي وصل إليها ولكن هناك إشارات داخل المجمعات الاستهلاكية بأن السعر سيصل إلي أربعة جنيهات مع بداية الشهر القادم.. وهذه ستشكل كارثة خاصة علي رؤوس "الغلابة".. وكالعادة الغلابة هم الأكثر تضررا من أية قرارات ومن أي زيادات في الأسعار. ولكن ما الحل؟ الريجيم.. هو الحل.. فإذا كان الأغنياء يمتنعون عن تناول السكر.. أو يستبدلونه بسكر دايت لزوم القوام الجميل، فإن الفقراء يفرض عليهم الريجيم، ودون إبداء الرأي. والحقيقة أن هناك حلا اَخر.. كثيرا ما يلجأ إليه المستهلكون في الدول المتقدمة وهو الامتناع عن الشراء، فأي سلعة يرتفع سعرها في الأسواق بهذه البلدان يقاطعها المستهلك، لكن المقاطعة تكون منظمة وتقودها جمعيات حماية المستهلك، التي تتمتع بمصداقية إضافة إلي كونها اكتسبت قوة وفاعلية من تجاربها في الأسواق، وأصبحت قادرة علي إعادة الانتظام وتعديل الأسعار للمعدلات الطبيعية، وتقوم برفع الدعاوي القضائية علي كل من يتسبب في الانفلات ويستغل الظروف لتحقيق مكاسب غير شرعية، بل إن هذه الجمعيات تعمد إلي رفع دعاوي ضد بعض الشركات ويحكم لصالحها بتعويضات كبيرة.. وهي خير تأديب وإصلاح للشركات والتجار المستغلين. ونحن في مصر نحتاج إلي قوي الضغط هذه.. والمستهلكون مازالوا بدون صوت وبدون تمثيل حقيقي داخل البرلمان قادر علي الدفاع عن مصالحهم.. ولابد أن تخرج جمعيات المستهلك الموجودة حاليا من عباءة الحكومة ووزارة التجارة والصناعة، حتي تحقق مصداقية واستقلالية، وتكون لها فاعليتها المستمدة من المستهلكين الذين يشكلون الهدف الحقيقي لقيامها وعملها. FM91.5 ذلك هو المؤشر الذي يمكن أن تلتقط عليه إذاعة الأخبار المتخصصة، وهذه الإذاعة التي لم أكن استمع إليها ولا أعرفها وكانت المفاجأة الجميلة التي اكتشفتها في الفترة الأخيرة حتي أصبحت المنافسة في راديو السيارة بينها وبين إذاعة لندن، ولم أكن في السابق أغير المؤشر عن ال "بي بي سي"، ولكن إذاعة الأخبار أثبتت وجودها بفضل التغطيات الحية والمباشرة لكافة الأحداث.. وقد تميزت وتألقت في تغطية الأحداث المحلية، فكانت أول من اتصلت بمحافظ البحر الأحمر فور الإعلان عن خبر غرق العبارة وحتي قبل وصول المحافظ إلي ميناء سفاجا، وكانت متابعتها ممتازة لقضية انفلونزا الطيور، وكذلك لإشاعة المياه الملوثة، كما استمعت لتغطية حية من موقع حادث اصطدام القطارين مؤخرا في محافظة البحيرة.. وكلما حدث أمر طاريء وما أكثر هذه الأيام قطعت برامجها وبثت "نبأ عاجلا" وألحقته بمتابعة محترفة. كل هذه الأمور دفعتني أن أسأل عن هذه الإذاعة من زملائي المذيعين فعرفت أنها تمتد إلي 18 ساعة يوميا، وذلك منذ يوليو الماضي بعد أن كان بثها يقتصر علي عدة ساعات قليلة في اليوم، والحقيقة أنها تستحق بل إننا نستحق أن تكون طوال اليوم دون انقطاع.. كما عرفت أن مدير عام هذه الإذاعة شخصية إعلامية "شعلة نشاط" واحتراف يجعلنا نفتخر بالخبرات المصرية، إنها السيدة وجدان مباشر، وتقف كتيبة صغيرة وراء هذا النجاح "4 مندوبين فقط" يتابعون علي الأرض كل صغيرة وكبيرة. أرأيتم العبرة في أحيان كثيرة ليست بالكم والعدد، بل بالكيف.. و"الكيف" هذا الذي نرغب في تحقيقه ونتمناه لا يأتي إلا بالتفكير، وعندما نقرر أن نفكر فإننا نصنع المعجزات. ولدي أمل أنا وغيري ممن اكتشفوا إذاعة الأخبار المتخصصة أن نستمع إليها قريبا علي الموجة المتوسطة، فهي تستحق ذلك بحرارة، وأكثر بكثير من إذاعات مصرية لا لون ولا طعم لها! الأستاذ مفيد أدين بالاعتذار للأستاذ مفيد فوزي نظرا لسهوي العدد الماضي عن نشر اعتذار له عن مقاله في الصفحة الأولي.. وهو خطأ غير مقصود من تلميذ إلي أستاذه.