حتي هذه اللحظة لا يتوقف الجدل في السوق حول مدي اتساق معاملات البنوك مع القواعد الشرعية.. فالبعض يري ان التعامل مع البنوك تكتنفه الشبهات.. والبعض الاخر يري ان مثل هذا التعامل لا شبهة فيه. وبين هؤلاء وهؤلاء.. زادت حيرة الناس وعملاء البنوك.. اين الحلال.. واين الحرام في معاملات البنوك؟ حول هذه القضية المهمة اجرت "بنوك اليوم" حوارا ساخنا مع احد علماء الدين المستنيرين وهو الدكتور نصر فريد واصل المفتي الاسبق للديار المصرية.. وسألته عن كل ما يشغل بال الناس حول معاملات البنوك وكانت هذه هي اجاباته: في البداية لماذا لم يحسم مجمع البحوث الاسلامية قضية فوائد القروض حتي الان مثلما حسم قضية الودائع؟ - من المعروف ان مجمع البحوث الاسلامية اباح فوائد ايداعات البنوك مستندا علي دليلين: الاول ان العلاقة بين البنك والمودع قائمة علي اساس المعاملة الاستثمارية ، وعلي اساس ان البنك موكل عن المودع في استثمار امواله في مجالات لا تعارض مبادئ الشريعة الاسلامية. والثاني: ان تحديد الربح يعتبر من قبيل المصالح المرسلة وليس من العقائد او العبادات التي لا يجوز التبديل فيها. يضاف الي ذلك ان البنوك عندما تحدد للمتعاملين معها الارباح تحددها بعد دراسة لأحوال السوق وعلي اساس ناتج الاعمال، كما ان هذا التحديد يجب ان يكون قابلا للزيادة والنقصان. الفوائد حسب القصد! اما بالنسبة لفوائد القروض.. فاذا قام البنك بتقديم قروض لعملائه علي اساس انه عقد دين محدد الفائدة سلفا، وكانت هذه الفائدة هي مقصود البنك الاساسي، ولم يكن المقصود ان ينشئ البنك عقد استثمار، كانت هذه المعاملة ربوية اما اذا كان العقد عقد استثمار وتحويل لخطوط انتاج - مثلا- والعائد او الربح يتم تحديده بعد ظهور ناتج الاعمال، هنا يكون العقد صحيحا؛ لان البنك لم يوزع فائدة محددة سلفا، وانما سيقوم بتوزيع العائد علي اساس الربح والخسارة وناتج الاعمال. وهذا يوضح شيئا مهما هو ان هناك فرقا بين تمويل البنك للمشروعات بعد ان يقوم بعمل دراسة جدوي لها ومتابعتها في كل مراحل التنفيذ، وبين الاقراض الذي يعطيه البنك لعميله بفائدة محددة مسبقا بدون اي متابعة للمشروعات. فالاقراض في صورته الاولي هو عقد استثمار ؛ لان البنك يشارك عميله بدراسات الجدوي وبالمتابعة.. لكن يشترط ان يتم تحديد العائد علي اساس ناتج الاعمال. والاقراض في صورته الثانية هو دين يعطي بفائدة ثابتة لا يمت بصلة للاستثمار وبالتالي ففائدته ربوية. عقد القرض لكن العلاقة بين البنك والمقترض قائمة علي اساس عقد القرض كما يؤكد ذلك رجال القانون؟ - العبرة في العقود بمعانيها ومضمونها وصورتها علي ارض الواقع وليس بألفاظها، والمعاملات في شريعة الاسلام مبنية علي التسامح والتيسير، ورفع الحرج ورعاية مصالح الناس في حدود ما أحله الله.. وكل معاملة خالية من الظلم والغش والربا والخديعة والاستغلال هي معاملة حلال. والاصل في الديون اي عقد القرض البعيد عن الاستثمار ان تدفع لاصحابها بدون زيادة لانها شرعت لمساعدة المحتاجين وتفريج كربهم ومعاونتهم علي تحقيق مطالب حياتهم التي لا يمكن الاستغناء عنها. المتعثرون وما موقف الاسلام من قضية العملاء المتعثرين؟ - كما قلت الاصل في الديون ان تدفع لاصحابها بدون زيادة ؛ لانها شرعت في تحقيق مطالب المحتاجين الضرورية التي لا غني عنها وشريعة الاسلام امرت بالحرص علي رد الديون لاصحابها بدون مماطلة او تسويف.. وفي نفس الوقت امرت البنك او الدائن عموما بان يكون رفيقا بالمدين، ولا يضغط عليه ، اذا كان تعثره لاسباب خارجة عن ارادته، فالله يقول: "وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلي ميسرة وأن تصدقوا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون" [البقرة: 280]. ومن هنا يجب ان يعامل المتعثر غير المماطل باسلوب يختلف عن المتعثر الذي يريد اكل اموال الناس بالباطل. عائد السندات وماذا عن عائد السندات المحدد مقدمًا؟ - تطبق عليه نفس القواعد السابقة.. اذا كان عقد السند عقد دين بفائدة محددة مقدما ولا صلة له بالاستثمار ففائدته ربوية واذا كان عقد استثمار ، عائده يحدد وفقا لناتج الاعمال ولقاعدة الربح والخسارة فهو عقد حلال.. وكما قلت العبرة في العقود بمعانيها وليس بألفاظها.. فالمال وظيفته الاساسية ان تنشأ به مشروعات ويستخدم في التنمية وفي تحقيق التقدم للامة، وليس من وظيفته علي الاطلاق ان يستخدم كسلعة يعطي لهذا بفائدة ولذاك بفائدة اخري سواء اعلي او اقل.