هي القمة الافريقية السادسة للاتحاد الافريقي وهي في نفس الوقت القمة الثانية والأربعون لمنظمة الوحدة الافريقية التي بدأت قمتها الأولي في القاهرة في مايو 1963. بين أول قمة إفريقية منذ اكثر من اربعة عقود للقمة السادسة للاتحاد الافريقي التي تعقد في الخرطوم هذه الايام جرت احداث ومياه كثيرة في الانهار الافريقية والبحار والمحيطات الملتفة حولها. ورغم ان قمة الخرطوم كانت مخصصة لمناقشة قضايا الثقافة والتعليم والصحة في افريقيا وامكانية قيام يونسكو افريقي لرعاية الثقافة والفنون وتكاملها في دول القارة السمراء وكذلك انشاء شكل من اشكال صندوق افريقي للرعاية الصحية، إلا أنه من الواضح أن قمة الخرطوم التي انعقدت في اليومين السابقين 23 24 يناير لم تستطع أن تتجاهل القضايا والمشكلات الملحة التي تفرضها عليها تطورات الأوضاع خاصة في السودان التي تستضيف القمة الحالية. وجرت بالطبع مناقشة مشروع القرار المقدم إلي مجلس الأمن والخاص باستبدال قوات السلام التابعة لدول الاتحاد لافريقي في دار فور بقوات دولية تابعة للأمم المتحدة، وكان من الطبيعي أن ترفض القمة الافريقية ذلك معتمدة علي ميثاق الأممالمتحدة نفسها والذي يعطي للمنظمات الاقليمية الأولوية في محاولة حل المشكلات التي تواجهها المنطقة وهو قرار يعكس الرغبة القوية لدي الدول الافريقية من أجل اعادة تنشيط وتفعيل دور افريقي ملموس في صياغة مستقبل القارة والمشاركة والمساهمة في صياغة الوضع العالمي نفسه. أكثر من أربعة عقود مضت منذ الطموحات البكر والفتية التي واكبت القمة الافريقية الأولي في بداية الستينيات من القرن العشرين عندما كانت القارة تشهد انتصارا واضحا لحركات التحرر الافريقية والعالمية وتستقل اكثر من ثلاثين دولة افريقية جديدة وتخرج من دائرة السيطرة الاستعمارية وتنطلق الأعلام الجديدة والاناشيد الوطنية والقومية لتعبر عن حلم شعوب القارة في بناء مجتمعات جديدة مزدهرة وغنية متقدمة كان الحلم الافريقي ايامها يقوم علي أسس مادية ومعنوية قوية ويسعي الي تعويض الاستنزاف المكثف لطاقات وقدرات القارة السمراء والتي كان يطلق عليها قارة المستقبل حيث كانت تمتلك امكانات وموارد طبيعة هائلة من ثروات معدنية وغابات وأراض زراعية واسعة ومصادر لا تنضب من مياه البحيرات والأنهار الكثيرة. لكن الاحلام الافريقية الوردية سرعان ما تعرضت للحصار وأحيانا للاجهاض العنيف نتيجة عوامل خارجية وأيضا نتيجة عوامل داخلية كثيرة وتمثلت العوامل الخارجية ومازالت في الدور الذي لعبته ومازالت تلعبه القوي الاستعمارية القديمة والجديدة وشركاتها والتي مازالت والي حد بعيد تسيطر علي مقدرات القارة ومناجمها ومزارعها. أما العوامل الداخلية التي أجهضت الحلم الافريقي في بناء دول عصرية ديمقراطية منتجة قادرة علي توظيف وتعبئة الطاقات البشرية والمادية لإحداث التنمية الشاملة فقد كان علي رأسها تسلط النظم الدكتاتورية الفردية والعسكرية والتي راحت تشكل لنفسها ولبعض الفئات والشرائح الاجتماعية المرتبطة بها اوضاعا خاصة متميزة علي حساب المصالح القومية والجماهيرية وجعلت أمن السلطة فوق أمن المجتمع وهو الأمر الذي سهل إذكاء الصراعات والحروب القبلية والعشائرية والحدودية والدينية التي شملت بلدانا عديدة من القارة.. والسودان نفسه التي تنعقد فوق اراضيه قمة الاتحاد الافريقي يقدم نموذجا لعمليات الاسنزاف المركزة التي تعرضت لها دول افريقية كثيرة حيث تلاقت فيها مصالح قوي الاستغلال والسيطرة الداخلية والخارجية فغرق الاكثر من ثلاثة عقود في حروب أهلية بين الشمال والجنوب استنزفت الكثير من قدراته المادية والبشرية ثم جاء الصراع العرقي في دارفور ليزيد من أوجاع الشعب السوداني نفسه الذي عاني كثيرا من النظم الدكتاتورية والفردية ومن عمليات النهب والاستغلال الاستعماري. ومع ذلك وبالرغم من ذلك فهناك العديد من الشواهد التي توحي بها المؤتمرات الافريقية الأخيرة أن هناك تحولات ايجابية في المشهد الافريقي العام ومحاولة الخروج من التهميش والصراعات العرقية والدينية وتمثل ذلك في قرارات الاتحاد الافريقي لإنشاء المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية للاتحاد مثل البنك المركزي الافريقي والبرلمان الافريقي وعدد آخر من المنظمات الاقليمية لدفع وتأكيد التعاون الاقتصادي والتنسيق السياسي بين دول القارة لتحقيق السوق الافريقية المشتركة وأن يكون لدول الاتحاد الافريقي دور مؤثر في حل مشكلات القارة بل والمشاركة الايجابية في صياغة العالم الجديد. والتقارير الأخيرة عن التجارة والتنمية الصادر عن الأممالمتحدة تشير إلي استمرار ارتفاع معدلات النمو في القارة السمراء طوال السنوات الخمس الماضية لتصل إلي حوالي 5% وهي معدلات تزيد لأول مرة علي معدلات النمو السكاني في القارة. كما أن انضمام جنوب أفريقيا إلي ركب القارة السمراء بعد القضاء علي النظام العنصري الذي كان قائما واستيلاء الأغلبية السمراء علي السلطة لعب دورا ايجابيا في التخفيف من الضغوط التي كانت واقعة علي القارة كما أن المؤشرات الأخيرة للصراعات الحدودية والدينية والعرقية رغم استمرار بعضها قد خفت إلي حد كبير مثلما نري في الكونغو الديمقراطية (زائير سابقا) وفي أنجولا وفي ليبيرا التي تولت الرئاسة فيها وعن طريق انتخابات ديمقراطية أول سيدة إفريقية تحتل هذا المنصب. ن هذا لا يعني انهاء أوجاع القارة السمراء فهناك 13 دولة أفريقية تأتي ضمن العشرين دولة الأشد فقرا في العالم كما أن إفريقيا إلي جانب دول الشرق الأوسط تعتبر من أكثر مناطق العالم استيراداً للسلاح. ايضا فإن نصيب افريقيا من التجارة العالمية لا يتعدي 4% ثم هناك الديون الاجنبية للقارة التي تقدر بأكثر من 350 مليار دولار وتمثل فوائدها ما يساوي أكثر من 60% من الانتاج القومي لعشرين دولة افريقية. ولعل هذا ما يدركه الجيل الجديد من القادة الافارقة خاصة هؤلاء الذين جاءوا من بلدان بدأت تترسخ فيها قواعد الديمقراطية وكانت الموافقة علي إنشاء الاتحاد الافريقي نفسه منذ ست سنوات وإنشاء برلمان مشترك يضم الدول الاعضاء (52 دولة) ومجلسا تنفيذيا كذلك ارتباط الاتحاد الافريقي بمشاريع طموحة وإنشاء بنك مركزي ومحكمة عدل افريقية وآليات لحل النزاعات وسوق افريقية مشتركة خير دليل علي تلك الروح الجديدة. كل ذلك يمثل ولاشك قفزة كبيرة في مفاهيم العمل الافريقي المشترك وتعبيرا عن رغبة الشعوب الافريقية في أن تلعب القارة السمراء دورا فاعلا بعيدا عن دائرة التهميش وبعيدا عن النظم الدكتاتورية والفردية واقترانا من طموحات الانسان الافريقي. دعنا نأمل..