هي القمة التاسعة للاتحاد الافريقي وهي في نفس الوقت القمة الرابعة والأربعون بحساب منظمة الوحدة الافريقية.. لقد بدأت منظمة الوحدة الافريقية قمتها الأولي في القاهرة في مايو 1963 كما بدأت قمة الاتحاد الأفريقي في مدينة دربان بجنوب افريقيا منذ عدة سنوات. وتأتي قمة أكرا للاتحاد الافريقي في أعقاب المؤتمر المشترك الذي عقد في الشهر الماضي في ألمانيا بين مجموعة الدول الصناعية الكبري وبين عدد من الزعماء الافارقة وتوقيع ما سمي بعقد الشراكة من أجل التنمية الذي ينص علي مساهمة الدول الثماني الكبار في حل الصراعات والمشاكل التي تواجه القارة السمراء واعتماد 60 مليار دولار لمساعدة افريقيا والغاء الديون علي الدول الاشد فقرا. كما تأتي هذه القمة والصراعات العرقية والدينية والحدودية مازالت مشتعلة في عدد من البلدان الافريقية مثل الصومال والسودان وساحل العاج والنيجر وإن كانت هذه الصراعات قد خفت إلي حد ما مقارنة بما كانت عليه الأحوال في القمة الماضية. وقمة أكرا وضعت علي أجندتها اضافة الي مشاكل الصراع الساخن في دارفور ومقديشيو موضوعا رئيسيا له طابع استراتيجي في تطوير فكرة وأسس الاتحاد الافريقي وهو انشاء حكومة للاتحاد الافريقي كخطوة تمهيدية وانتقالية للإعلان عن قيام الولاياتالمتحدة الافريقية. ومنذ قمة سرت في ليبيا والبيان المشترك الذي طالب بالاسراع في انشاء المؤسسات السياسية والاقتصادية للاتحاد الافريقي وهناك مشاعر كثيرة مزدحمة ومختلطة تتراوح بين الحرص والحماس والأمل وبين الخوف والفشل وعدم القدرة. وقد تصور البعض أن تشكيل الاتحاد الافريقي كبديل لمنظمة الوحدة الافريقية بأنها مجرد مظاهرة سياسية لا أكثر وغير قابلة للتحقيق العملي وأن الأفكار المطروحة حول البرلمان الافريقي والبنك الافريقي الموحد والسوق الافريقية المشتركة هي مجرد أحلام تراود بعض القادة وليس لها رصيد في الواقع العملي. حقيقة أنشئ البرلمان الافريقي ووضعت بعض الأسس لتشكيل مؤسسات اتحادية مشتركة ولكن الواضح أيضا أن الأحلام السياسية للبعض تسبق بل وتتجاوز أحيانا الواقع العملي وهل يمكن التفكير في إنشاء حكومة للاتحاد الافريقي في حين ان هذا الاتحاد لم يحقق بعد سوقا مشتركة أو حتي مناطق مشتركة للتجارة الحرة. القضية تحتاج إلي تفكير وترو وعدم وضع العربة قبل الحصان وتجربة الاتحاد الأوروبي تقول انه لم يجر تفكير في اقامة مفوضية عليا أو بمعني أدق حكومة للاتحاد الاوروبي قبل اجراءات كثيرة سبقتها مثل انشاء السوق الاوروبية المشتركة والبنك المركزي الاوروبي وتوحيد العملة وفتح الحدود أمام التجارة والبشر. وأحري بالقادة الأفارقة أن يفكروا في وضع أسس حقيقية لايجاد سوق افريقية مشتركة وانشاء مفوضيات لشئون الثقافة والتعليم والبحث العلمي واقامة المناطق الحرة ثم انشاء البنك المركزي الافريقي وبعد ذلك يأتي التفكير في الحكومة ولكن يبدو أن عددا من القادة الافارقة المحكمين لا يدركون بعد أن الوحدة السياسية لايمكن لها أن تسبق الوحدة الاقتصادية. وبين أول قمة افريقية 1963 وقمة أكرا في غانا 2007 مرت أكثر من أربعة عقود حاولت فيها شعوب القارة وضع حد لمعاناتها وتنشيط وتفعيل دور افريقي ملموس في صياغة مستقبل القارة والمشاركة والمساهمة في صياغة الوضع العالمي. أربعة عقود أو تزيد مضت منذ الطموحات البكر والفتية في بداية الستينيات من القرن العشرين عندما كانت القارة تشهد انتصارا واضحا لحركات التحرر الافريقية وتنطلق الإعلام الجديدة والاناشيد الوطنية لأكثر من ثلاثين دولة جديدة وخرجت من السيطرة الاستعمارية وتحلم ببناء مجتمعات عصرية مزدهرة. كان الحلم الافريقي أيامها يقوم علي أسس مادية ومعنوية قوية ويسعي إلي تعويض الاستنزاف المكثف لطاقات وقدرات القارة السمراء التي كان يطلق عليها قارة المستقبل حيث تملك امكانات وموارد طبيعية هائلة من ثروات معدنية وغابات وأراضي زراعية ومصادر لا تنضب من المياه. لكن الاحلام الافريقية الوردية سرعان ما تعرضت للحصار والاجهاض العنيف نتيجة عوامل خارجية وأيضا عوامل داخلية كثيرة كان علي رأسها الدور الذي لعبته ومازالت تلعبه القوي الاستعمارية السابقة واللاحقة وشركاتها التي مازالت تسيطر علي مقدرات القارة ومناجمها ومزارعها. وعلي رأس العوامل الداخلية التي اجهضت الأحلام الافريقية الفشل في اقامة الدولة العصرية الحديثة بآلياتها الديمقراطية القادرة علي توظيف وتعبئة الطاقات البشرية والمادية لإحداث التنمية الشاملة، وعلي رأس هذه العوامل تسلط النظم العسكرية والفردية والدكتاتورية التي راحت تشكل لنفسها ولبعض الفئات والشرائح الاجتماعية المرتبطة بها أوضاعا خاصة متميزة علي حساب المصالح القومية والجماهيرية ومن هذه العوامل أيضا الصراعات والحروب القبلية والعشائرية والحدودية والدينية. ومع ذلك وبالرغم من كل ذلك فهناك العديد من الشواهد أن ثمة تحولات ايجابية في المشهد الافريقي المعاصر تتمثل في محاولة الخروج من دائرة التهميش التي فرضت علي القارة السمراء في العقود الثلاثة الماضية. فتعزيز التنمية في التجارة الافريقية الصادر عن الأممالمتحدة يشير إلي أن هناك زيادة في معدلات النمو في القارة السمراء في السنوات الخمس الأخيرة وتصل إلي ما بين 5 إلي 6% وهي معدلات تزيد لأول مرة علي معدلات النمو السكاني. كما أنه لا يمكن تجاهل عوامل ايجابية طرأت علي الساحة الافريقية مؤخرا ومنها القضاء علي النظام العنصري البغيض في جنوب افريقيا، وأيضا النجاحات الملموسة في الاستقرار السياسي والاقتصادي في عدد من الدول المهمة التي كانت ولفترات طويلة تمثل بؤرا ملتهبة وساحة للصراعات القبلية والاثنية والعرقية والدينية مثل نيجيريا وناميبيا وأوغنذا وغانا وأنجولا وموزمبيق ودول وسط افريقيا، كما أن هناك عددا من الدول تسير علي طريق الاستقرار والديمقراطية والتنمية الحقيقية. وثمة عامل إيجابي آخر هو أن الاتحاد الافريقي قد استطاع تنشيط دوره لاحتواء الكثير من النزاعات والحروب الحدودية في اثيوبيا والسودان وبوروندي والكنجو والصومال واريتريا. كل ذلك يمثل ولا شك قفزة مهمة في مفاهيم الوحدة الافريقية وتغييرا في الرغبة الشعبية لتنشيط وتفعيل تلك الوحدة ورغبة مشروعة في أن تلعب القارة السمراء دورا فاعلا علي الساحة الدولية بعيدا عن دائرة التهميش وبعيدا عن النظم الفردية والدكتاتورية وقريبا من طموحات الإنسان الإفريقي.