التربص بإيران وبملفها النووي ليس بالأمر الجديد، فلقد جري تسليط الضوء عليه وبتحريض من اسرائيل قبل انطلاق عملية غزو العراق، بل ان ديفيد ليفي وزير خارجية اسرائيل الأسبق كشف النقاب عن تشكيل فريق مؤلف من عناصر في وزارتي الدفاع والخارجية والموساد للعمل من أجل مواجهة ما أسماه بالخطر النووي الايراني، ويومها تعهدت اسرائيل بأن تمد أمريكا بكل الوثائق التي تكشف الخطر الذي تمثله إيران علي الدولة العبرية خاصة مع سعي ايران لبناء جيش قوي وتصنيعها لصواريخ بالستية وحصولها علي أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم. إيران وحزب الله؟ بل ان اسرائيل في مرحلة ما أقنعت أمريكا بأن ايران تعتبر وكأنها امتلكت السلاح النووي بالفعل وبالتالي لم تمض أيام علي احتلال العراق إلا وبدأ اللوبي الصهيوني ينشط في واشنطن في حملة جديدة ضد ايران والخطر الذي تمثله في العالم وعلي اسرائيل بصفة خاصة وما من شك في أن استهداف اسرائيل لايران لم ينبع من فراغ فعوضاً عن ملفها النووي هناك الدعم الكبير لحزب الله تمويلا وتسليحا وتدريبا وادعاء اسرائيل أن ضباط الحرس الثوري الايراني يساعدون رجال حزب الله علي اعداد وتنفيذ عمليات ارهابية ويدربونهم علي مئات الصواريخ التي وضعوها في خدمتهم، كما يساعدون عناصر من حماس والجهاد علي تنفيذ العمليات المسلحة داخل اسرائيل! رؤية شيمون بيريز تستمر إسرائيل في تحريض الغرب ضد إيران من منطلق انها تشكل خطراً كبيراً علي العالم فيما لو تمكنت من تصنيع السلاح النووي، ولذا بادر شيمون بيريز وزير خارجية اسرائيل الاسبق فدعا إلي ضرورة مواجهة هذا الخطر في اعقاب اجتياح افغانستان - 7 أكتوبر 2001 وغزو العراق في 20 مارس 2003 - ورسم يومها البديل ممثلا في توجيه تحذير جدي إلي ايران من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبي من أجل وقف الجهود التي تبذلها لانتاج اسلحة الدمار الشامل، كانت اسرائيل تدفع بالأمور لكي يكون هناك موقف موحد يجمع أمريكا والاتحاد الأوروبي في خندق واحد ضد ايران التي لابد من تطويقها، ومن ثم طالب أمريكا والاتحاد الأوروبي بتوجيه تحذير مشترك لايران يكون مدعوماً بالتهديد بفرض عقوبات اقتصادية بوصف هذا أفضل ما يمكن لانقاذ ايران من اخطائها ولتوفير استراتيجية سياسية موحدة وقوية من أجل التخلص من التهديد الايراني المتزايد يوميا. موقف أمريكي أوروبي اليوم تحقق مطلب اسرائيل وتضافرت أمريكا وأوروبا في الدعوة إلي احالة ملف ايران النووي إلي مجلس الأمن بدعوي أن المفاوضات معها قد وصلت إلي طريق مسدود وجاء هذا بعد ان قامت ايران في التاسع من الشهر الحالي بفض الاختام عن ثلاثة مراكز نووية واستئناف تخصيب اليورانيوم رغم ان التخصيب يتم علي نطاق ضيق ويجري تحت اشراف الوكالة الدولية، ورغم ان معاهدة الحظر النووي التي وقعتها ايران تعطيها الحق في تخصيب اليورانيوم وامتلاك التكنولوجيا اللازمة بهذا الخصوص طالما ان التخصيب يظل محصوراً في الاستخدام السلمي وهو ما أكده الرئيس الايراني أحمد نجاد في مؤتمره الصحفي السبت الماضي. من الخاسر..؟ ان أي مراقب للتطورات الجارية في المنطقة لابد ان يدعم إيران في موقعها الحال، فوسط الأحداث الجارية لاسيما بعد اجتياح أمريكا لافغانستان الواقعة علي حدود ايرانالشرقية، والعراق الواقعة علي حدودها الغربية لابد ان تعمد إلي تأمين نفسها وامتلاك الرادع، ومن ثم يتعين عليها بالفعل أن تسعي لامتلاك السلاح الذي يؤمنها ضد أي تهديد لها، ولاشك ان الغرب سيخسر كثيراً فيما اذا لجأت أمريكا إلي استخدام الخيار العسكري بتوجيه ضربات اجهاضية لمفاعلات ايران النووية، إذ يجب علي أمريكا ألا تنسي وجود قواتها في العراق وافغانستان ووجود قوات وقواعد لها في منطقة الخليج والتي يمكن أن تكون عندئذ صيدا سهلا للميليشيات الايرانية، وساعتها ستتكبد المزيد من الخسائر المادية، كما يجب ان تأخذ في الاعتبار ما لدي إيران من صواريخ "شهاب 3" البعيدة المدي والتي يمكن بالفعل أن توجه نحو تجمعات القوات الأمريكية في افغانستان، والعراق ومنطقة الخليج بل وإلي اسرائيل التي تلعب دور المحرض ضد ايران وضد العرب للحيلولة دون امتلاكهم لأي سلاح. منطق الاستثناء..!! خلافاً لما قاله بوش مؤخراً من أن احالة الملف إلي مجلس الأمن هو أمر منطقي فإن الغرب سيكون هو الخاسر الأول فيما اذا تحرش بايران ونفذ تهديداته، فأمر كهذا من شأنه ان يعبيء الشارع الايراني ضد الغرب ويحدو به إلي الالتفاف حول رئيسه أحمدي نجاد لاسيما ان القضية التي يدافع عنها هي قضية تتعلق بالسيادة والكرامة الوطنية. فرض العقوبات علي ايران سيأتي بنتائج سلبية لاسيما وأن تجربة فرض العقوبات في المنطقة لم تكن ناجحة ولا ننسي أن فرض العقوبات سيؤدي إلي ارتفاع أسعار البترول ويثور السؤال لماذا كان المنطق الأمريكي يستدعي احالة الملف الايراني إلي مجلس الأمن بينما تظل اسرائيل هي الاستثناء في المنطقة التي تملك ترسانة نووية تقدر ما بين 200 - 400 رأس نووي وهو ما يشكل تهديداً حقيقياً علي كل دول المنطقة؟! ولماذا لا يسعي المجتمع الدولي إلي تبني مقاربة تستهدف أولا وقبل شيء إحالة ملف اسرائيل النووي إلي مجلس الأمن؟! أليس هذا الملف هو الأولي بالبتر والاستئصال؟