شهدت مدينة برشلونة الاسبانية علي مدي الأيام الماضية القمة الأوروبية المتوسطية التي تضم دول الاتحاد الأوروبي (25 دولة) إضافة لعشر من الدول الواقعة جنوب وشرق المتوسط من بينها مصر والجزائر وسوريا ولبنان وتركيا وإسرائيل. وتجيء أهمية القمة الحالية أنها تعقد في ظروف تشتعل فيها المنطقة ويتأزم كثير من الأمور في العراق وفلسطين وسوريا وإيران، كما أنه تعتبر تقييماً للتعاون اليورومتوسطي بعد مرور عشرة أعوام علي إعلان برشلونة في 28 نوفمبر سنة 1995. وكان من الطبيعي والأمر كذلك أن تشغل هذه القضايا والصراعات المعلقة في الشرق الأوسط بال المتحدثين كما استحوذت قضية الإرهاب والهجرة علي جانب مهم من المناقشات والجلسات هذا إضافة إلي استكمال مناقشة إنشاء المؤسسة الثقافية اليورومتوسطية لإحداث التفاعل والحوار الثقافي ودعم التفاهم المشترك والاحترام المتبادل وتأكيد مناخ الثقة بين الأطراف المشاركة. علي أن قضايا أخري خاصة القضايا الاقتصادية تصدرت المناقشات حيث تم إقرار خطة تمويل الاستثمارات والتمويل والمشاركة اليورومتوسطية وتسهيل الوصول إلي الأسواق في دول الاتحاد، وزيادة المعدلات والحصص التجارية وذلك في ضوء تطلع الاتحاد الأوروبي إلي إنشاء منطقة التجارة الحرة سنة 2010 لتكون وسيلة لدعم التعاون الاقتصادي والتجاري بين الطرفين. وإعلان برشلونة الذي صدر منذ عشرة أعوام كان ومازال يمثل مشروعاً متكاملاً للشراكة له أبعاده الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وقد تضمنت الوثيقة ثلاثة محاور رئيسية هي المشاركة السياسية والأمنية وتتضمن حقوق الإنسان والديموقراطية والاستقرار والأمن وعلاقات حسن الجوار ونزع السلاح، وهناك المشاركة الاقتصادية التي تتضمن في الأساس إنشاء منطقة أوروبية متوسطية للتجارة الحرة، وضمانات لتشجيع الاستثمار الأجنبي والتعاون بين الشركات في المنطقة في مجالات الطاقة والبيئة والزراعة والبحث العلمي.. ثم هناك المحور الثالث الذي يتعلق بالمجال الاجتماعي والثقافي ويتضمن التعاون في مجالات التعليم والتنمية الثقافية والتنمية الاجتماعية ومواجهة الموبقات الاجتماعية مثل الجريمة المنظمة ومكافحة الفساد وتنظيم الهجرة، وفوق ذلك كله مكافحة الإرهاب. انطلقت وثيقة برشلونة من قناعة أوروبية بأن عوامل الجغرافيا والتاريخ، تجعل أوروبا هي الأكثر تؤهلاً للتعاون مع دول البحر المتوسط التي هي بمثابة الفناء الخلفي للأمن الأوروبي، وواقع التشابكات الاقتصادية والسياسية الراهنة بين الطرفين يعكس ذلك بوضوح إذ يبلغ حجم التمويل الأوروبي للمشروعات المتوسطية حالياً أكثر من 30 مليار يورو سنة 2004 وهو ما يوازي ثلاثة أضعاف التمويل الأمريكي في المنطقة. كما أن أوروبا أدركت ومنذ فترة أن مضاعفات الصراع العربي الإسرائيلي ألحقت أضراراً مؤكدة بالمصالح الاقتصادية والأمنية الأوروبية طوال العقود الماضية، الأمر الذي دفع أوروبا إلي اتخاذ مواقف متقدمة وإيجابية من أجل حلول عادلة تضمن للشعب الفلسطيني إقامة دولته المستقلة علي أرضه الوطنية، كما أن دول الاتحاد الأوروبي هي في الواقع أكبر الدول المانحة في تقديم المعونات والمساعدات للسلطة الوطنية الفلسطينية. وقد لعب الاتحاد الأوروبي مؤخراً دوراً محورياً في حل كثير من العقبات التي واجهت السلطة الفلسطينية بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة خاصة فيما يتعلق بفتح معبر رفح الحدودي بين مصر وغزة، كما أكدت الوثائق التي كشف الستار عنها أخيراً عن مواقف متقدمة بالنسبة لشجب الاستيطان الإسرائيلي خاصة في القدس. والعلاقة بين دول الاتحاد الأوروبي والدول العربية المطلة علي المتوسط دائماً ما كانت تحتل بنداً أساسياً لدي الطرفين، وهناك بالفعل عدد من الاتفاقيات التي عقدت بين دول الاتحاد والسوق الأوروبية سابقاً ومن دول مثل مصر والجزائر وتونس والمغرب. وتعتمد دول الاتحاد الأوروبي علي دول البحر المتوسط في الجنوب والشرق في تزويدها بالطاقة التي تصل إلي 27% بالنسبة للبترول، و35% للغاز الطبيعي، كما أن أسواق تلك الدول تعتبر مجالاً مهماً للمنتجات الأوروبية إذ يبلغ حجم التبادل التجاري بين دول الاتحاد الأوروبي ودول المتوسط العربية أكثر من 150 مليار دولار وهو ما يوازي أكثر من 35% من حجم التجارة العربية مع الخارج. كما أن هناك تداخلاً اجتماعياً وسكانياً حيث يتواجد نحو 10 ملايين من أصول عربية جاءوا من سواحل المتوسط الجنوبية والشرقية ويقيمون في بلدان الاتحاد الأوروبي خاصة فرنسا وإنجلترا وبلجيكا وهولندا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا، ويضم هذا العدد عمالاً وكوادر فنية عالية، كما يضم أيضاً عدداً من المستثمرين الذين يلعبون دوراً مهماً في النشاط الاقتصادي لبعض دول الاتحاد.