هل من حق المؤسسة الدينية في مصر ان تمارس العمل السياسي؟ وأن تعلن تأييدها لهذا المرشح أو ذاك في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية هل من حقها ان تدلي بدلوها في الشأن السياسي والاقتصادي العام أم ان دورها يجب ان يقتصر علي الجانب الديني والروحي فقط؟! تساؤلات طرحناها علي عدد من العلماء والمسئولين من وزارة الأوقاف والأزهر والسياسيين فاتفقوا جميعا علي عدم جواز انحياز المؤسسة الدينية لحزب أو لشخص أو لتيار سياسي وطالبوا بضرورة الحرص علي ابعاد المؤسسة الدينية عن العمل السياسي، لأن هذا التوجه سيضر بعلماء الدين وبالمؤسسة الدينية في المقام الأول.. في السطور التالية سنناقش القضية من جوانبها المختلفة. يوضح د. محمد شامة المفكر الاسلامي ومستشار وزير الأوقاف ان المؤسسة الدينية الاسلامية في مصر تشتمل علي أربع هيئات كبري هي: الازهر الشريف وجامعة الازهر ووزارة الاوقاف ودار الافتاء.. وكلها مؤسسات تابعة للدولة من حيث الشكل القانوني.. لكن هذا لا يعني انها يجب أن تكون ملزمة بتأييد توجهات الدولة أو قراراتها.. مشيرا الي ان موقف هذه المؤسسة من جميع القضايا المثارة يجب ان يقوم علي أساس من مبادئ الاسلام والمصلحة العامة ولا يرتبط بهذا التوجه أو ذاك. الحياد والانحياز ويشير د.شامة الي ان موقفه الشخصي يتمثل في ان علماء الدين بشكل عام لا يجب ان يكون لهم أي سلطان علي القرار السياسي للدولة.. وان السلطة الدينية يجب ان تنفصل تماما عن الدولة ويؤكد أن ذلك هو ما يحدث بالفعل منذ سنين طويلة، وبالتالي يقتصر دور المؤسسة الدينية الاسلامية تجاه الانتخابات الرئاسية الأخيرة منذ أيام علي الدعوة للمشاركة السياسية والذهاب لصناديق الانتخابات فقط، وبالتالي لم تصدر عن الهيئات الاسلامية الأربع الكبري أي بيانات تدعو لاختيار هذا المرشح أو ذاك.. ويرفض د. شامة بشدة انحياز المؤسسة الدينية لهذا المرشح أو ذاك، لأن هذا يضر بنزاهة الانتخابات وبالعملية السياسية بشكل عام مؤكدا ان المؤسسة الدينية الاسلامية ليس من دورها ممارسة العمل السياسي، أو توجيه الناخبين لاختيار مرشح بعينه أو اصدار فتاوي تحت الطلب، لصالح هذا أو ذاك.. بل دورها الرئيسي يتمثل في نشر ثقافة الديمقراطية وثقافة المواطنة وحقوق الانسان، من خلال معاهدها العلمية ومساجدها المنتشر في انحاء مصر، ومجامعها العلمية والفقهية. ويوضح شامة ان المطلوب من المؤسسة الدينية الاسلامية ايضا، ان تدلي برأيها في جميع القضايا التي تعرض عليها، والتي تهم الوطن، سواء اكانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وهو ما حدث بالفعل عندما اباحت التعددية الحزبية والسياسية.. ودعت لتداول السلطة وللفصل بين السلطات ورحبت باختيار رئيس الدولة بين أكثر من مرشح، وسمحت للمرأة بأن تتولي رئاسة الدولة، وأباحت التعامل مع البنوك التقليدية والمؤسسات المالية المختلفة مما كان له انعكاس ايجابي علي المناخ الاقتصادي في مصر مشيرا الي تلك الفتوي الشهيرة التي اصدرها مجمع البحوث الاسلامية التي اجازت التعامل مع البنوك التجارية والمتخصصة. كما يشدد ايضا علي دورها المهم في الوقوف ضد نشر ثقافة الارهاب والتطرف والتكفير وتستطيع ان تدعو لاحترام الدستور والقانون واحترام الآخر غير المسلم واحترام التعددية الدينية والسياسية، ويقول: ان كل ذلك سينعكس بشكل ايجابي علي المناخ الاقتصادي في مصر، ويوضح ان هذه المؤسسة نجحت في تخريج شباب متسامح لا يمارس العنف ولا يؤمن بالفكر المتطرف. ضار بالجميع أما الدكتور محمد علي نصار الاستاذ بجامعة الازهر فيطالب بشدة تضرورة الفصل بين السلطة الدينية والدولة مشيرا الي ان الاسلام ليس فيه سلطة دينية تتحكم في الضمائر وتتدخل في القرار السياسي والاقتصادي، وليس فيه طبقة كهنوتية أو مجمع مقدس وبالتالي فممارسة المؤسسة الدينية للعمل السياسي يضر بعلماء الدين في المقام الأول، وبالهيئات الدينية نفسها.. لأن العمل السياسي بطبيعته متغير، فيه مناورات وتوازنات ومصالح لأحزاب وقوي سياسية مختلفة موجودة علي الساحة.. وبالتالي لا يجوز للمؤسسة الدينية ان تنحاز لحزب أو لشخص أو لتيار سياسي، لكن يمكن لهذه المؤسسة ان تدلي بدلوها في مناقشة قضايا الوطن المثارة علي الساحة السياسية والاقتصادية.