نشرت جريدة الأهرام بتاريخ 8 أغسطس 2005 حديثا قيما مع الدكتور فوزي الرفاعي رئيس أكاديمية البحث العلمي تحت عنوان "البحث العلمي في مرحلة إصلاح لانقاذه". ولأهمية هذا الموضوع والبحث العلمي هو قاطرة التقدم الإنتاجي والمكون الاساسي للتقدم ورفع مستوي المعيشة فقد يكون من المناسب تناول بعض جوانب هذا الموضوع. والسؤال الأول هو هل يوجد احتياج للبحث العلمي في مصر حاليا؟ لست أعني الاحتياج الضروري من أجل التقدم ورفع مستوي معيشة الشعب بل أعني هل في نمط تحرك الاقتصاد المصري حاليا احتياج للبحث العلمي. لنري ماذا حدث في نطاق الثلاثين سنة الماضية لعل أوضح سمات هذه الفترة هي التصفية المستمرة بل المتصاعدة للقدرات الإنتاجية للاقتصاد المصري فتحت زعم الخصخصة تمت تصفية بل وتخريب القدرات الصناعية. لنأخذ مثلا النسيج وهي أهم الصناعات التقليدية التي يزيد عمرها علي ثلاثة أرباع القرن فمن خلال تثبيت سعر النسيج المنتج من شركات القطاع العام وتحرير "سعر القطن ظلت هذه الشركات تحقق خسائر ثم سحباً علي المكشوف من البنوك وفي نفس الوقت ايقاف الاستثمار والاحلال والتجديد بل حتي الصيانة إلي أن وصلت لحالة لا يمكن بيعها أو إصلاحها. ترسانة الاسكندرية قصة تدعو للحسرة بعد أن وصلت إلي تصنيع 90% من السفينة وكان لديها مكتب هندسي يعمل به 200 مهندس تم تصفيتها بعد ما يسمي هبة الحرامية 200 مهندس تصميمات عمل ذهني وعلم تطبيقي أليس ذلك هو العمل الذي يتم فيه التعاون مع أقسام الهندسة البحرية في الجامعة للوصول إلي تصميمات متميزة للسفن المصرية؟ في صناعة السيارات كانت شركة النصر تنتج موتور عربات النقل بل وموتور السيارت الملاكي وكانت تصدر الموتور في إنتاج مشترك مع بولندا. في صناعة الاصباغ الكيماوية أقيمت شركة مماثلة في الهند حدث في الهند تعميق للصنيع بحيث لم تعد تستورد المواد الوسيطة ولأن صناعة الاصباغ تحتاج لقدر كبير من العمالة المدربة وهي مكلفة للغاية في أوروبا فقد انتقلت تلك الصناعة إلي الهند والصين ماذا حدث في صناعة الاصباغ في مصر جمود وتآكل وخسائر مستمرة بحيث يتعذر خصخصتها!! أما شركة المراجل فهي قصة تدعو للحزن والحسرة فقبل خصخصتها ظهرت فضائح انفجار الغلايات!! بالاهمال أو التخريب ثم بيعت لشركة عالمية بأقل من سعر الأرض المقامة عليها هذه الشركة العالمية قامت بتصفيتها وبيع المعدات بإعلان في الجرائد. مصر يجب ألا يكون لديها صناعة غلايات وهي من المعدات التي لا يمكن الاستغناء عنها من المستشفي والمصنع حتي محطة توليد الكهرباء ناهيك عن محطات الطاقة الذرية. نمط التصنيع حاليا مما يطلق عليه صناعات التعبئة وربط المفك من أول البويات حتي السيارات وهي صناعات لا تقوم إلا بدور تجهيز المصنوعات الأجنبية للتسويق في السوق المحلي. أما ما يسمي "تحديث الصناعة المصرية" فلا يهتم إلا بالصناعات التي لا تحقق في السوق العالمي إلا أقل الأسعار وهي ما يسمي في الخارج صناعات الشمس الغاربة لا مانع من تنشيط هذه الصناعات مع أزمة البطالة في الصين يطلقون علي برنامج التصنيع السير علي ساقين أي في الوقت الذي يقومون فيه بإنشاء الصناعات ذات المحتوي التكنولوجي العالي يتم أيضا تنشيط الصناعات كثيفة العمالة. إذا أردنا أن نرسم خطة للبحث العلمي فإن ذلك يجب أن يرتبط بخطة تنمية تركز علي عدة محاور . أولا: تعميق التصنيع حتي يمكن إنتاج أغلب مكونات أو مدخلات المنتج النهائي محليا كإنتاج العقاقير الطبية لصناعة الأدوية أو المواد الوسيطة للصناعات الكيمائية واحتياجات صناعة البويات والأغذية وتنشيط صناعات المكونات الهندسية والميكانيكية لتغذية صناعة السيارات والآلات اللازمة للصناعة. ثانيا: إنتاج أكبر قدر من معدات الإنتاج وتوجد هذه الامكانية المهدرة في مصر. ثالثا: الانتقال إلي التكنولوجيا والأسس العلمية الخاصة بالمجالات الحديثة كالهندسة الحيوية وتكنولوجيات الالكترونيات والمواد الجديدة. وفي هذا المجال فإن الامكانيات العلمية البشرية متوافرة كما أن التجهيزات العملية لا تمثل تكلفة عالية ذلك تمكينا من إنتاج عقاقير جديدة كما يمكن الاستفادة من الرصيد البيولوجي والجينات في مصر وتمكينا في مجالات الالكترونيات الدخول في المجالات التي تعمق التصنيع. رابعا: السير علي ساقين للصناعات الصغيرة ذات العمالة الكثيفة.