فتحي الباش* ازدادت اهمية الاستثمار ودوره في عملية التنمية في البلاد النامية بعد التغيرات الكبيرة التي طرأت علي النظام المالي العالمي منذ اوائل الثمانينات من القرن الماضي وقد ادت تلك التغيرات الي انكماش المصادر الاخري للتنمية فقد انكمش كثير دور البنوك التجارية في تمويل الاستثمارات في البلاد النامية بعد ان لعبت دورا بالغ الاهمية خلال السبعينيات.. ولا ينتظر ان تستأنف تلك البنوك عملية الاقراض للبلاد النامية علي المستوي السابق حيث اكتوت بنار المديونيات التي أدت الي ضياع نسبة كبيرة من قروضها علي العكس من ذلك فقد تضاءلت تدفقات القروض الجديدة التي تقدمها تلك البنوك الي الدول النامية واصبحت اقل من حجم مدفوعات الدين والفوائد في الاتجاه المضاد بحيث اصبحت هناك انتقالات صافية سلبية من البلاد النامية المدينة الي البنوك التجارية الدائنة وفي نفس الوقت فان قروض المنظمات الدولية "البنك الدولي - صندوق النقد" اصبحت خاضعة لشروط قاسية. وكثيرا ما تتمثل في اجبار البلاد النامية علي قبول شروط لا تتفق مع ما يريده صانع السياسة في تلك البلاد. المعونات الثانية فان مستقبلها اصبح غير اكيد، فضلا عن انها اصبحت مثل قروض المنظمات الدولية ولها صفة سياسية تفيد حرية الحركة للبلاد المتلقية للمعونة. وقد كان من شأن هذه التغيرات في مصادر التمويل الاخري ان ازدادت اهمية الاستثمارات الخاصة زيادة كبيرة لما تتمتع به من مزايا واضحة حيث انها غير خالقة لمديونية وغير خاضعة لشروط وغير ذات صفة سياسية وزادت اهمية المناخ الاستثماري العام في البلاد النامية علي اثر التغيرات العميقة في الاقتصاد العالمي خلال العقود الثلاثة الاخيرة فقد زادت درجة الاعتماد المتبادل بحيث ارتبطت كل بلاد العالم بعضها ببعض بشبكة كثيفة من العلاقات التجارية والمالية والتكنولوجية مما ادي الي عالمية سوق المال فالاسواق المالية الدولية اصبحت مرتبطة بعضها البعض كما لو كانت سوقا واحدا وفي استطاعة اي مستثمر ان يستثمر في كل منها او عن طريقها او ينتقل من سوق الي اخري كما لو كانت مندمجة في سوق مالية واحدة.. كما يمكن للمستثمر ان يختار بين عشرات الادوات الاستثمارية المتاحة له سواء كانت مباشرة او غير مباشرة. كما تطورت وسائل الاعلام والاتصال وتعددت بحيث اصبح في مقدور المستثمر ان يكون علي علم بكل ما يحدث في سوق المال في اي مكان وزادت البيوت المالية المتخصصة بحيث لم يعد المستثمر في البلاد النامية مضطرا الي الاستثمار في بلد بالذات بل امامه اسواق بكل ادواتها وخبراتها للاستثمار في اي مكان في العالم ومعني ذلك تزايد المنافسة بين كل دول العالم للحصول علي حصة من التدفقات الاستثمارية المتاحة. ولا شك ان التطورات الاخيرة في الاتحاد السوفيتي واوروبا الشرقية ادت الي مزيد من عالمية سوق المال ومزيد من المنافسة بين البلاد التي تود اجتذاب الاستثمارات الخارجية اليها او تريد الاحتفاظ بالاستثمارات والمدخرات الوطنية داخل حدودها "صفة العالمية وصعوبة مصادر التمويل الاخري دفعت البلاد النامية الي تحسين المناخ الاستثماري فيها" ومازالت مصر تعاني من تحسن مناخ الاستثمار علي الرغم من تحررها اقتصاديا عام 1974 من المفاهيم الاشتراكية حيث سبقنا العديد من الدول في اصدار قانون الاستثمار عام 1974 في حين سبقتنا دول اقل بكثير من حجم وامكانيات مصر الي مكانة استثمارية شديدة الجاذبية ويرجع تخلفنا في تحقيق مركز متقدم في اجتذاب حصة من التدفقات الاستثمارية لاسباب نذكر منها: 1- سيطرة القطاع العام علي النشاط الاقتصادي حيث مازلنا نئن من بطء قطار الخصخصة. 2- التضخم وسعر الصرف والفائدة ثلاث عقبات مازالت طاردة للاستثمار علي الرغم من التحسن الطفيف الذي نشهده. 3- قوانين العمل. 4- النظام القضائي البطيء ووجود اجهزة نشأت في ظل النظام السابق تعوق وتخفيف اصحاب الاستثمارات مثل "المدعي العام الاشتراكي". 5- التطرف الديني الذي استفحل في السنوات الاخيرة. 6- الدستور الحالي يتضمن بنودا صريحة تفسد مناخ الاستثمار المطلوب حيث يجيز دستورنا الجمع بين عضوية مجلس الشعب والوظيفة الحكومية. هذا وقد شرعت مصر في التلائم مع المتغيرات في النظام المالي الدولي حيث قامت باصدار العديد من القوانين في مجال الاستثمار لتحسين قدرتها التنافسية الا ان حزمة القوانين التي صدرت والمزمع اصدارها يشوبها الكثير من الثغرات ولم تدرس جيدا مما يؤدي الي الدخول في منازعات قضائية والطعن في عدم دستوريتها. اننا في وضع سييء ولا نحسد عليه وامامنا فرصة تاريخية بنقل مصر نقلة من نظام اقتصادي يشوبه الفساد والتسيب وانعدام الكفاءات الانتاجية واهدار الثروات الي نظام اقتصادي يقوم علي الكفاءة والعدالة الاجتماعية. إن الدول التي سبقتنا في تحسين مناخ الاستثمار وجذب شريحة كبيرة من الاستثمارات المتدفقة لا تزيد عنا كفاءة بل ربما نتفوق عليها بالث