في أول اختبار علي صعيد دولي وتجمع عالمي, بدأت جبهة مجموعة العشرين في الكشف عن التصدعات داخلها والانقسامات التي تتخللها. والتي لم يستطع اعلان قمة بيتسبرج في شهر سبتمبر الماضي ان يطمسها او يلغيها, تحت شعار المنتدي الاول للتعاون الاقتصادي الدولي ذلك هو الواقع الذي كشفته واكدته قمة المناخ التي عقدت مؤخرا في كوبنهاجن عاصمة الدنمارك بعد ثلاثة اشهر من ذلك الاعلان المدوي, كما سبق وانذرت به الجلسات الخاصة التي عقدتها الجمعية العامة للامم المتحدة حول قضية المناخ.. قبل أيام من انعقاد قمة مجموعة العشرين في بيتسبرج في شهر سبتمبر2009. كما اظهرت قمة المناخ دور التحالفات الجانبية داخل مجموعة العشرين في تفتيت جبهة الدول النامية وتبديد حقوق العديد من دولها علي اعتاب مصالح الدول الصناعية المتقدمة, ونظيرتها الصاعدة فعلي الرغم من ان معاهدة كيوتو الراهنة ينتهي العمل بها عام2012 وقد استغرق التوصل اليها مفاوضات شاقة, كما ان دخولها مرحلة التنفيذ الفعلي قد استنفد اعوام من1997 الي2005. إلا ان قمة كوبنهاجن التي تعد الخامسة عشرة في قائمة مؤتمرات الاممالمتحدة حول المناخ, اظهرت البون الشاسع في اختلاف الآراء والجدل الحاد بين الدول الصناعية المتقدمة من ناحية والدول النامية من ناحية أخري. وفي اطار الديالوج المباشر فيما بين الولاياتالمتحدة والصين شعرت العديد من الدول النامية بانعدام الثقة في مؤتمرات الاممالمتحدة حول قضية المناخ والتي انطلقت بدايتها من ريو دي جانيرو في عام1992, وجاء البيان الختامي المعمم والمتضمن اثنتي عشرة فقرة, اقرب الي تدمير اقتصاديات الدول الافريقية والدول الصغيرة, حسب تعبير ممثل مجموعة ال77 للدول النامية. وقد تعمق هذا الشعور في ظل سعي كل من واشنطن و بكين الي ضم كل من الهند والبرازيل وجنوب افريقيا, الي دائرة التفاهمات المتبادلة بين الدول الصناعية المتقدمة ونظيرتها الصاعدة. وفيما يتعلق بقضية المناخ وتوصل قمة كوبنهاجن الي الاتفاق حول الحد من ارتفاع درجة حرارة الارض بواقع درجتين دون وضع تاريخ محدد لذلك, دون وضع حد اقصي للانبعاثات الراهنة, فقد اعتبرته العديد من الدول بمثابة طوق النجاة للخروج من ورطة الفشل والانهيار كما يمكن ان يمهد الارض لخطوات تالية في هذا المضمار. وفيما يتعلق بالدول النامية, فقد كانت معركتها الاساسية هي كيفية التوفيق بين الرغبة في الحد من انبعاث الغازات الضارة من مصادر الطاقة المختلفة, وبين المحافظة علي قوة الدفع لمعدلات التنمية والنمو الاقتصادي بها؟ حيث ان الالتزام بخفض نسب الانبعاث سوف يؤثر علي مساراتها التنموية, كما سيفرض عليها اعباء مالية اضافية خاصة بتكلفة التحول الي مصادر الطاقة النظيفة, ومايستتبعه من استخدام تكنولوجيا انتاجية واجهزة تصنيعية ذات تكلفة عالية. ومن هنا كان شعار الدول النامية ان المتسبب في تغيرات المناخ في الماضي, يتحمل عبء العمل علي مواجهة تغيرات المناخ في المستقبل وتمويل خفض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الدول النامية خلال مواصلتها لعملياتها الانمائية المتسارعة. وتبدو اهمية التمويل في ظل التقديرات المعلنة من جانب البنك الدولي حيث قدرت احتياجات الدول النامية برقم يتراوح بين مائة الي سبعمائة مليار دولار سنويا, ومن هنا كانت الدعوة الي تأسيس صندوق للاستثمار في النشاطات المناخبة, كما تبدو المفارقة في عالم اليوم, باشارة البنك الدولي ان هناك1,6 مليار نسمة في الدول النامية يفتقدون الحصول علي الكهرباء.. وليس من زيادة انبعاث ثاني اكسيد الكربون!! وحتي الآن تبدو اليابان الاكثر سخاء والتزاما بتقديم11 مليار دولار لدعم هذه الانشطة المناخبة في الدول النامية, فعلي الرغم من ضخامة التقديرات الخاصة بحجم المساعدات الي الدول النامية لتوفيق أوضاعها المناخية فإن تعهدات الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي لاتتجاوز نقطة في محيط, من حجم الاعباء المالية المطلوبة. * وإذا انتقلنا الي الزاوية الاقتصادية وبيزنيس المناخ, سوف نجد ان الدول الصناعية المتقدمة من ابرز المستفيدين في هذا النطاق, بعد ان استنفذت اهدافها في مجال التنمية والتقدم منذ الثورة الصناعية. تليها في القائمة محاولات الصين اللحاق بها. هناك التلويحات من جانب الدول الصناعية بربط المساعدات الانمائية الحكومية التي تقدم للدول النامية, بمدي التزامها بتنفيذ سياسات ملائمة في مجال المناخ. يضاف إلي ذلك اعتناق العديد من الدول الصناعية فكرة الضريبة السلبية. التي تفرض علي المنتجات المصدرة من جانب الدول النامية, في حالة عدم فرض دولة المنشأ لضريبة الكوبون, وبما يعادل قيمة الضريبة المفروضة في هذه الدول الصناعية المتقدمة, علي انبعاثات غاز ثاني اكسيد الكربون, داخليا.. هناك تجارة عالمية في مجال انبعاثات غاز ثاني اكسيد الكربون وانعكاساته في الاحتباس الحراري وتغيرات المناخ, وقد اصبحت اطرافها تتجمع في شكل بورصة تتولي العديد من البنوك العالمية عند الصفقات وتحصيل العمولات والسمسرة من ورائها. من خلال بيع تصاريح الانبعاثات من الدول ذات المعدلات المنخفضة الي نظيرتها ذات المعدلات المرتفعة, ولتكون بذلك مصدرا اساسيا من مصادر التحويل للدول والمؤسسات, بصفة اساسية. ارتبط الحديث بقضية المناخ والانبعاثات والتلوث البيئي... الخ, بظاهرة نزوح الاستثمارات والمصانع المولدة للانبعاث من الدول التي تفرض ضريبة مرتفعة علي انبعاث غاز ثاني اكسيد الكربون, الي الدول التي لا تفرض مثل هذه الضريبة وبما يعني تخلص الدول المتقدمة من المصانع والاستثمارات الملوثة.. بينما تعلن الدول النامية اهازيج الفرح والاشادة بتركز هذه الاستثمارات ومصانعها علي اراضيها, وأبرز مثال في هذا الصدد, هو صناعة الاسمنت والحديد. تعد الدول الصناعية المتقدمة بما تملكه من تكنولوجيا وانفاقات بحثية واستثمارات عالية من المصدر الاساسي لانتاج ما يتطلبه عصر الطاقة النظيفة. وبالتالي سوف تكون المستفيد الاول من التحولات التي ستشهدها الدول النامية في مجال التصدي للتغيرات المناخية, ابتداء من السيارات الكهربائية الي الاجهزة الموفرة لاستهلاك الطاقة الي.. السفن والطائرات الي الخ. الاضرار والخسائر المالية التي ستلحق بمنتجي ومصوري النفط والغاز الطبيعي, في اطار سياسات مكافحة التغيرات المناخية, وما يعنيه ذلك من اضرار بحجم ضخم من الاستثمارات, حيث اشارت التقديرات الي ان التوسع في مصادر الطاقة المتجددة والشمسية سيعني انخفاض استهلاك الغاز الطبيعي بنسبة تتراوح بين5 و17% بحلول عام2030, وذلك علي سبيل المثال, لصالح التوسع في بناء محطات الطاقة النووية استثماراتها الضخمة. * التوسع الضخم في الاستثمارات المالية المستندة إلي مواجهة تحديات المناخ والتوسع في البيزنس الاخضر, ومن هنا نجد الكثير من الصناديق الاستعمارية المدارة من جانب البنوك العالمية التي تركز علي هذا البيزنس والتجارة في تصاريح انبعاث الغازات الضارة( ثاني اكسيد الكربون).