من مونتريال كندا عملاء أجهزة المخابرات الأمريكية يستترون في ظلام الكتمان والحماية، بقوة القانون.. وقانون حماية العملاء السريين وقعه الرئيس رونالد ريجان في العام 1982.. ومخالفة هذا القانون جناية فيدرالية تعرض مرتكبها - من اَحاد الناس - لعقوبة السجن بحد أقصي 10 سنوات أو بغرامة تصل إلي 50 ألف دولار أو العقوبتين معا! .. ما بالك إذا كان مرتكب الجريمة هو كارل روف، رئيس الاستراتيجية بالبيت الأبيض.. ورئيس حملة بوش الانتخابية التي حصدت له التجديد الرئاسي لفترة ثانية العام الماضي، خلافا لكل توقع سياسي رشيد؟! .. فضيحة لها رنين يصم الاَذان في العاصمة الأمريكية.. ويدفع السناتور جون كيري، المرشح الديمقراطي الخاسر في انتخابات الرئاسة الماضية إلي التحرش بغلظة وهو يسن أسنان كلماته..: "إن مصداقية البيت الأبيض معروضة الاَن للجدل والنقاش.. وأعتقد أن كارل روف ينبغي فصله من منصبه"! أول ورقة لعب علي مائدة الفضيحة كانت مذكرة مدققة صحيحة، كتبها السفير الأمريكي السابق جو ويلسن بعد أن عاد من مهمته في النيجر للتحقيق في صفقة يورانيوم موهومة تعاقدت عليها مع صدام حسين أواخر أيامه في السلطة.. وكان الرئيس بوش قد كشف سر الصفقة في خطاب "حالة الاتحاد" ضمن تلفيقاته التمهيدية الغزو العراق.. وفي مذكرته نفي ويلسون تماما صحة هذه الصفقة.. وكان نفيه أول صاروخ موجه للأسانيد الصورية التي صاغها بوش تبريرا لحربه في العراق! لم يتوان كارل روف عن الدفاع عن البيت الأبيض وسيده بضربة تحت الحزام أصابت جو ويلسون السفير صاحب التقرير القنبلة.. استدعي ماتيو كوبر مراسل مجلة تايم في البيت الأبيض وكشف له عن سر خطير ومثير.. قال له همساً: "إن فاليري بليم زوجة السفر صاحب التقرير، عميلة سرية للمخابرات المركزية الأمريكية"!.. وكررفعلة البوح الدنيئة مع روبرت نوفاك كاتب العمود بصحيفة النيويورك تايمز.. والأمل عنده والحافز أن تشين مثل هذه الضربة الدنيئة السفير جو ويلسون وتنطح مستقبله السياسي نطحة الموت! .. بينما كان السفير الضحية متمسكا بتقريره النزيه باعتباره عنوانا للحق وقطعة من الحقيقة يحلم بصوت عال يسمعه الجميع: أن يري بأم عينيه رئيس الاستراتيجية كارل روف، وهو يتقافز في أغلاله قفزات ضفدعة ذليلة مغادرا حديقة البيت الأبيض.. إلي الأبد! علي الشاطئ الآخر من نهر البوتوماك تراص الجمهوريون دفاعا عن عرش السلطة وعرينها.. كين ميلمان رئيس اللجنة القومية للحزب انبري يرد علي مطالبة السناتور جون كيري بفصل كارل روف من هيئة موظفي البيت الأبيض واصفا روف بأنه هو الضحية وليس السفير جو ويلسون سألوه: ضحية من؟ أجاب: ضحية هجمات سياسية حزبية صارخة ووقحة (blatant)! سكوت ماكليلان المتحدث باسم البيت الأبيض وصف اتهام روف بكشف سر فاليري بليم زوجة السفير صاحب التقرير بأنه شيء سخيف ومضحك (ridiculous).. سألوه أن يعلق علي تورط روف بأن يكون مصدرا صحفيا رغم حساسية موقعه في إدارة البيت الأبيض.. أعلن ماكليلان افلاسه ولم يعلق! الرئيس بوش نفسه رفض أن يتحدث بكلمة عن كارل روف وموقفه المشين رغم أنه توعد فور انفجار الأزمة بفصل أي مصدر في إدارته تورط في افشاء سر زوجة السفير صاحب التقرير... ووضع بوش الآن حرج وعريان! خسيسة.. لكنها حاسمة! كارل روف كما أعرفه أسطورة سياسية.. ماكر داهية يري فيه الجمهوريون "مصارعا لا يهاب".. بينما يراه الديموقراطيون في صورة متاَمر بالخصوم لا يتردد في أن يضع تحت وسادة خصمه عنكبوتا ساما! للرئيس بوش في هذا السياق مقولة معلنة كلماتها: "إن من يكشف مصادر قوة أجهزة مخابراتنا هو أكثر الخونة غدرا - (mostresidious of traitors)! وكارل روف رئيس استراتيجيته كشف اسم فاليري بليم ضابطة المخابرات بجهاز ال(CIA) وعرض الأمن القومي الأمريكي للخطر في زمن الحرب.. أن اعتبرنا الحرب ضد العراق وأفغانستان حربا لها ظل من الشرعية! وفي لجان الاستماع أمام هيئة المحلفين أنكر روف أنه يعرف اسم ضابطة المخابرات فاليري بليم.. وأنه ذكرها باسم زوجها: "زوجة السفير جو ويلسون".. وهي مراوغة بارعة في الكذب تفوق مراوغة كلينتون في فضيحته الشهيرة مع مونيكا لوينسكي! وإذا سلمنا بأن روف له أساليبه - خسيسة.. لكنها حاسمة! - في القضاء علي أعداء الرئاسة الأمريكية وشخص الجالس علي المكتب البيضاوي، فإن السفير ويلسون ليس عدواً.. بل إنه سفير ناجح له انجازاته الدبلوماسية التي يفاخر بها رؤساء أمريكا السابقين ديموقراطيين وجمهوريين.. وقد شهد له جورج بوش الأب سنة 1991 ووصفه بأنه "ديبلوماسي بطل". ذلك للخدمات الجليلة التي قدمها لحرب تحرير الكويت أثناء عمله كقائم بالأعمال في السفارة الأمريكية ببغداد!.