مشروعان ثم تنفيذ الأول كما طرح الثاني للبحث وتمت الموافقة عليه في الاسابيع القليلة الماضية. المشروع الأول - والذي تم تنفيذه وأجريت مراسم الاحتفال بافتتاحه هو الخط الاستراتيجي العملاق الذي يحمل البترول من سواحل البحر الأسود في باكو إلي ميناء جيهان التركي علي البحر المتوسط وذلك لتزويد الأسواق الأوروبية مباشرة دون المرور بالأراضي الروسية. أما المشروع الثاني فهو الذي طرح ونوقش في مؤتمر دافوس الاستثنائي الأخير الذي عقد في عمان بالأردن في الشهر الماضي وتمت الموافقة عليه، وهو ربط خليج العقبة بالبحر الميت عبر قناة وهناك مرحلة ثانية من المشروع لم تطرح بعد وهو ربط البحر الميت بالبحر الأبيض بقناة تصب عند ميناء أشدود بإسرائيل. ويلاحظ أن المشروعين ارتبطا ببحور مغلفة (قزوين - والميت) وبمباركة ومبادرة أمريكية كما أنهما يقدمان من الناحية العملية بدائل لمشروعات وآليات قائمة بالفعل، فقد كانت كل خطوط وأنابيب البترول في منطقة بحر قزوين تمر عبر الأراضي الروسية إلي شرق ووسط أوروبا، كما أن قناة السويس قدمت منذ حوالي 150 عاما شريانا حيويا يصل البحر الأبيض بالأحمر ويلعب دوره الكبير في الحركة التجارية العالمية والبترول بشكل خاص لحلقة الوصل بين الاسواق الأوروبية الآسيوية والأفريقية. المشروع الأول الخاص بخط أنابيب بحر قزوين اتفقت عليه أربع دول في المنطقة وبمباركة ومساهمة الولاياتالمتحدة وبريطانيا وحضر حفل افتتاح الضخ في الأنبوب الرئيسي الرئيس التركي أحمد سيزار، ورئيس اذربيجان الهام عالييف بحضور المسئول الأول عن الطاقة في الولاياتالمتحدة والمهندس الحقيقي للمشروع صامويل بدمان اضافة إلي رئيس جورجيا ميخائيل شالسفيل كذلك رئيس شركة bp البريطانية والتي تساهم بحوالي 30% من تكاليف المشروع، هذا المشروع العملاق الذي يمتد بطول 6770 كيلو مترا ويمتد من باكو علي شواطيء قزوين مرورا بتبليس وحتي ميناء جيهان التركي وتكلف 4 مليارات دولار. المتحمسون للمشروع يقولون إنه سيوفر لأوروبا ولأول مرة كميات كبيرة من البترول خارج السيطرة الروسية وأيضا خارج سيطرة وتحكم منظمة الأوبك أي أنهم لا يخفون أن المشروع في جانب منه يمس المصالح الروسية ومصالح دول الأوبك وذلك هو الذي دفع وزير الطاقة الروسي يوري يوسفوف إلي الاعتذار عن حضور حفل الافتتاح لآخر لحظة تحت دعوي المرض. وبينما يعتبره وزير الطاقة الأمريكي خطا استراتيجيا حيويا يدعم الاقتصاد والاستقرار في المنطقة ويحقق رخاء للجميع، يذهب المحللون الأتراك إلي القول بأن هذا المشروع العملاق الذي يربط القوقاز ووسط آسيا بتركيا اقتصاديا يدعم الموقف الاستراتيجي التركي من ناحية خاصة في الحوار الدائر للانضمام إلي الاتحاد الأوروبي كما أنه ينقل بالفعل ميزان القوة ويغير من مراكز الثقل والنفوذ في الجغرافيا السياسية للمنطقة بأكملها. وبغض النظر عما يقوله الأتراك والأمريكيون فإنها حقيقة واضحة لا مراء فيها إن هذا المشروع الذي يخدم المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة يحرم روسيا ليس فقط من عائد اقتصادي كبير بل إنه يغير من الناحية السياسية والاستراتيجية استمرارا السياسة الأمريكية الرامية إلي محاصرة النفوذ الروسي في مناطقه الآمنة أو التي كانت آمنة وتعتبر امتدادا له خاصة في البحر الأسود الذي كان يعتبر وحتي وقت قريب بحيرة روسية تنفرد بالسياحة فيه الأساطيل الروسية والمصالح الروسية. من ناحية أخري فإن خط أنابيب البترول الجديد الممتد من بحر قزوين والذي لن ينقل في بداياته سوي مليون برميل يوميا وهو رقم متواضع بالنسبة لإنتاج أوبك، إلا أنه لا شك يفتح نافذة جانبية بعيدة عن بنيان منظمة أوبك لأبوابها وآلياتها بل ويقدم شكلا من أشكال البديل، الأمر الذي يمكن أن يؤدي علي مدي ليس ببعيد إلي محاصرة أوبك ونفوذها وقدرتها علي تحرير الأسعار والتحكم في سياسة الطاقة العالمية. أما المشروع الثاني والخاص بالقناة الممتدة من خليج العقبة إلي البحر الميت فقد طرح علي مؤتمر دافوس الذي عقد دورة خاصة في عمان بالأردن منذ أسابيع وهو مشروع اشتركت في تقديمه دراسات الجدوي له مؤسسات وشركات أمريكية وأردنية وإسرائيلية ويستهدف في المشروع مثلما أعلن في مراحله الأولي حتي الآن انقاذ البحر الميت من الجفاف، حيث تؤكد الدراسات أنه بصدد التلامشي حيث ينقص منسوب المياه في البحيرة بشكل كبير وقلت المياه الجوفية كما زادت نسبة الملوحة ولم يعد صالحا حتي للأسماك والكائنات الحية. ويرتبط المشروع أيضا باقامة عدد من المشروعات السياحية والاقتصادية والمنتجعات الخاصة، مثل نوادي الجولف وقد رأي البعض في المشروع احياء لمشروع أكبر أشار إليه شيمون بيريز رئيس وزراء إسرائيل السابق ورئيس حزب العمل السابق في كتابه (نحو شرق أوسط جديد) كما أشارت إليه بعض المشروعات الاسرائيلية الطموحة التي قدمت في مؤتمرات الشرق أوسطية التي عقدت في السنوات الماضية في المغرب ومصر والأردن وقطر وهو بناء قناة تربط بين البحر الأحمر من خليج العقبة بجوار ايلات والبحر الأبيض المتوسط عند ميناء أشدود الاسرائيلي والتي أطلق عليها مشروع قناة اشدود. يظل المشروع حاضرا في المخططات الاسرائيلية علي أساس ضرب احتكار مصر لقناة السويس - الشريان الرئيسي البحري والحيوي والذي يمثل خط الابحار للسفن التجارية وغير الجارية الآتية من الشمال الأوروبي وحتي الجنوب الآسيوي والافريقي وبالعكس. كذلك فالمشروع الجديد يقدم في إطار خطة أوروبية أمريكية لانعاش المنطقة اقتصاديا وايجاد ما يطلق عله بالبنولوكس الشرق أوسطي لتكون بؤرة جذب للقوي العاملة العربية القادمة من المجتمعات المجاورة الطاردة للعمالة لأنها حائط صد لوقف الهجرات المتزايدة من دول المنطقة وجنوب المتوسط إلي أوروبا. وفي كل الأحوال فنحن أمام مشروعات تمس الأمن الاقتصادي العربي.