مناضلون يساريون رسائل إليهم (2) وأنتم جميعا تعرفون أنه كان بإمكاني، وربما كانت هذه خطتي الأولي، أن اكتفي بالبحث في تاريخ الحركة بموجاتها المتتالية فإذا بها تجتاحني وتستدرجني إلي هديرها في تدافع لا يهدأ ولا يتوقف، موجات لا تعرف التردد. بل تمضي لترهق الباحث وتفرض عليه أن يمضي معها، يلهث مع أحداثها وتدافعاتها، ليسجل إنجازاتها، وانتصاراتها أو انكساراتها. وأيضا وهذا هو الأخطر .. انقساماتها. .. ولعلي أنحني بالكتابة لأسجل هنا أن خطر الانقسامية كان وباء ولم يزل، ولعل التقسيم لم يكن بذاته كفعل، خطيرا، وإنما الأخطر هو اللجاجة في الخصومة، ونسيان العدو نظاما وحكما وأمنا ، والتركيز في الخصومة والهجوم من بعض اليساريين ضد يساريين آخرين لتلتهب مشاعر من المفترض أن توجه التهابها إلي العدو، ولينشغل البعض بالبعص بدلا من الانشغال بالآخر ويتجلي في الأفق قول شاعر ربما عاني من ذات المأساة. إحذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة فلربما انقلب الصديق فكان أعلم بالمضره .. لكنني لا أدعو إلي الحذر من الصديق حتي ذلك الذي انقلب إلي مناكف أو مكايد أو مهاجم فلا مخرج أمام اليساريين سوي توحدهم رغم اختلافاتهم ورغم تناقضاتهم . إذ يتعين عليهم أن يدربوا أنفسهم علي تقبل الآخر اليساري، وتقبل التعامل معه والتعاون والعمل المشترك معا، دون نسيان أسباب الخلاف فأنا ازعم أن أسباب الاختلاف مهما تراكمت سوف تزول أو تتناقص مع العمل المشترك وعبره. إذ نتواجه معا ضد الذي يناهضنا أو يعادينا، أي يناهض ويعادي افكارنا المشتركة. أما الخصوم وهم كثيرون ويتغيرون بتغير الزمان فهم دوما موجودون. وأكثرهم بغاة ظالمون يتصيدون أي خطأ وأي قول من صديق مفترض نسي الصداقة والالتزام الفكري وتطاول بما لا يليق. لكن الخصوم يبقون خصوما حتي دون إيعاز من أحد، فدعاة الظلم الاجتماعي تتولد فيهم بذرة العداء لنا في لحظة مولد الانتماء إلي معسكر اعداء الشعب وناهبي ثرواته واستنزاف دماء فقرائه. وكذلك دعاة الظلامية يولدون وهم في عداء لما نقول به من استنارة وعقلانية. فهم يعرفون تماما خطر ما ندعو إليه علي ما يدعون هم إليه ونحن نتقبل ذلك مدركين أن هذه طبائع الأمور، فلو لم يهاجمونا أو ينكرونا أو يقوموا بالتعتيم علي ما نفعل أو ما نقول، لكان ثمة خلل في أدائنا إستمتع به خصومنا. نعرف ذلك ونتقبله ونصبر عليه. اصبر علي غيظ الحسود فإن صبرك قاتله كالنار تأكل بعضها أن لم تجد ما تأكله نصبر عليه مدركين أنهم بمناصبتنا العداء إنما يؤكدون لنا صحة ما نخوضه من صراع وصدق ما نتجه اليه من خطي. ولقد يتقلب البعض معنا ثم ضدنا حسب إتجاهات الريح، وحسب الحاجة إلي مزيد من تملق الخصوم حكاما كانوا أوخصوما سياسيين فإذ نعتاد علي بعض ابتسامات باهتة من البعض وخاصة الإعلاميين منهم، فإنها لا تلبث مع أول إتجاه نحو تقلب الموج أن تنقلب ضدنا بضراوة تحاول أن تمحو آثار ابتسامة سابقة، فالبعض من مثقفي زماننا يمتلكون حاسة شديدة الحساسية فيسبقون هجوم السادة بهجوم منهم. ونحن نعرف ذلك ونتوقعه حتي وهم في أوج محاولة التقرب منا. وندرك أن شيمة البعض أن ينقلب ويتقلب وفق الهوي والمصلحة. لا تأسفن علي غدر اللئام فطالما رقصت علي جثث الأسود كلاب لكنهم ومهما فعلوا بنا ومهما قالوا عنا لن يستطيعوا إيقاف هذا الريح الذي يهدأ أحيانا ويعصف أحيانا أخري، فنحن نصمم وهم يعرفون تماما أننا سنصمم علي مواصلة نضالنا أبدا، جيلا بعد جيل سنواصل موجة بعدم موجة سنأتي إلي ساحة الوطن.. ونعرف وهم يعرفون أننا سننتصر حتما سننتصر.