الهروب إلي الحرب سواء صحت الادعاءات التي ساقتها الحكومة السودانية، بأنها تمكنت من استرداد منطقة «هجليج» الحدودية عبر نصر عسكري، أو مزاعم حكومة الجنوب من إنها انسحبت منها، فإن النتيجة واحدة، وهي أن العداء والتوتر بين البلدين اللذين كانا عبر مائتي عام دولة واحدة، حتي عام مضي، قد أصبح عنوانا للعلاقة بين الطرفين، وأن المواجهة بينهما مرشحة للاستمرار والتنامي وربما الانفلات إلي حرب شاملة، لاسيما وأن القضايا الخلافية التي تتمثل في الحدود ورسوم نقل النفط عبر الشمال والديون والجنسية، وتوفيق أوضاع الجنوبيين في الشمال الذين أخذت حكومة الإنقاذ في ترحيل أعداد كبيرة منهم. بعد أن انتهت مدة اقامتهم في التاسع من الشهر الجاري. هذا فضلا عن أن قادة حكومة الإنقاذ، لايزالون يعلنون أن المعركة سوف تستمر لحين إزالة الحركة الشعبية التي تحكم جنوب السودان،- بعد استقلاله في يوليو الماضي- من الوجود. المعارك الحربية توقفت بين الجانبين، في أعقاب الرفض الدولي والأممي لاستمرارها، وللإدانة الدولية الواسعة لدولة الجنوب لبدئها الهجوم علي «هجليج» الغنية بالنفظ، والتي تنتج نحو 55 مليون برميل يوميا، وتمد حكومة الانقاذ بنصف إنتاجها منه. أسباب عدة دفعت هذا النزاع الحدودي إلي ساحات القتال، فدولة جنوب السودان برئاسة «سلفا كير» تزعم أن المناطق الحدودية المتنازع عليها هي سبع مناطق بينها هجليج التي وضعها التحكم الدولي في لاهاي ضمن مناطق الشمال، فيما تقول الحكومة السودانية إن تلك المناطق أربع بينها منطقة أبيي. وربما ينطوي التصعيد العسكري الأخير علي رغبة من حكومة الجنوب علي مساومة الحكومة السودانية علي هجليج في مقابل رفع يدها عن منطقة أبيي. لكن الدوافع السياسية الداخلية لكل طرف للذهاب إلي الحرب، تبقي أقوي من الاتفاق في أديس أبابا في فبراير الماضي علي وقف العدائيات بينهما وحل الخلافات العالقة بينهما بالتفاوض وعدم اللجوء إلي العنف لحسم النزاعات ا لحدودية. فذلوة الجنوب الناشئة التي تحتفل في يوليو القادم بالعيد الثاني لمولدها، لاتزال تفتقد إلي مقومات الدولة، ويتزايد الصراع علي السلطة فيها بين الفصائل القبلية المسلحة، كما أن قرار وقف تصدير النفظ عبر خطوط الشمال قد أضر بميزانيتها تماما، كما أضر بحكومة الخرطوم. أما النظام السوداني، فقد استثمر العدوان علي «هجليج» لتغيير الموضوع، وتحويل الأنظار عن المطالبات الشعبية الواسعة في الساحة السياسية السودانية بالإصلاح الديمقراطي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وعقد المؤتمر القومي الدستوري ووضع دستور جديد، ينهي احتكار حزب المؤتمر الوطني الحاكم للسلطة، بإجراء انتخابات حرة، يتم عبرها التداول السلمي لها. استغلت حكومة الإنقاذ الإسلامية المشاعر الوطنية للشعب السوداني، تجاه قواته المسلحة، فاستخدمت خطابا تعبويا يتم بالعنصريةويمتلئ بالغطرسة والاكاذيب، ويستخدم الشعارات الدينية لتجييش مشاعر السودانيين ضد الجنوبيين للايحاء بشعبية تتوهمها، ولإظهار قوة لا تمتلكها، بالإعلان عن عزمها احتلال جوبا لإسقاط الحركة الشعبية، واتهام معارضي الحرب ودعاة التفاوض مع الجنوب لحل الخلافات القائمة سواء في الحزب الشيوعي السوداني أو حزب المؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي بنسج المؤامرات مع العدو الإسرائيلي، لإسقاط النظام، ووصمهم بالخيانة ووصفهم بالطابور الخامس، رغم الإدانة التي وجهها الحزبان لاحتلال هجليج. يغض نظام الإنقاذ الذي يزعم أنه يحكم وفقا لرؤية إسلامية الطرف عن الحروب الأهلية المسلحة الشمالية الشمالية في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور، ويهرب من استحقاقات معالجة الازمات الاقتصادية والسياسية والأمنية بتوجيه الأنظار «للعدو الخارجي» وقرع طبول الحرب، التي لن يقبل باستمرارها المجتمع الدولي، وليس أمام نظام الإنقاذ سوي العودة لموائد الحوار والتفاوض لحل المشاكل بين الدولتين، وقبول الوساطة من مصر والاتحاد الإفريقي للتوصل إلي ذلك والاستجابة لأشواق الشعب السوداني ، يعقد المؤتمر القومي الدستوري، كمنبر للحوار بين كل القوي السياسية ينتهي بالتوصل إلي حلول لتحويل السودان إلي دولة ديمقراطية لكل الشعب السوداني، وليست عزبة تحكمها عصابة ترفع رايات الإسلام.