الحكومة ملزمة أمام المجتمع الدولي بحد أدني للأجور شرعية قانونية وضرورة حياتية كانتا السند الذي استند إليه المطالبون برفع الحد الأدني للأجور، وهي المطالبة التي خرجت من القاعات المغلقة والمحاكم إلي الشارع في التظاهرة التي جرت أمام مجلس الوزراء في وسط القاهرة السبت الماضي. ومع ذلك فإن هذه الشرعية وتلك الضرورة ليستا كافيتين لإقناع السلطة التنفيذية، بتحقيق هذا المطلب العادل لسبب بسيط هو أن المستفيدين من هذه الزيادة في الأجور خارج نطاق أعين وسياسات الحكومة. فبعد نضال قانوني أصدر القضاء الإداري حكما تاريخيا ألزم الحكومة، ممثلة في رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء، بوضع حد أدني لأجور العاملين بالدولة، يتناسب مع نفقات المعيشة والزيادة الكبيرة في الأسعار. ولم يكن هذا الحكم هو مصدر الشرعية القانونية الوحيد للجموع المطالبة بزيادة الحد الأدني للأجور ولكن هناك منظمة العمل الدولة التي طالبت هي الأخري الحكومة بتعديل الحد الأدني لأجور العمال، لتمكينهم من الحياة الكريمة. ونقلت الصحف تصريحات خبيرة التشغيل في مكتب منظمة العمل الدولية لشمال أفريقيا بالقاهرة الدكتورة دوروثيا شميدت أن الحكومة المصرية ملزمة أمام المنظمة الدولية والمجتمع الدولي بتعديل الحد الأدني للأجور. هذا عن الشرعية القانونية أما الضرورة الحياتية التي تقضي بألا يقل الحد الأدني للأجور عن 1200 جنيه فهي تتمثل في معادلة بسيطة نضع فيها الأسعار الملتهبة للسلع الأساسية والتي تقفز باستمرار ونطرحها من متوسط دخل الموظف حديث التخرج الذي يبدأ من رقم زوجي أقل من مائة جنيه ويقف هذا الدخل لسنوات طويلة من العمل عند رقم ثلاثي لا يتخطاه الي رقم رباعي يعبر عن الآلاف إلا قرب المعاش، إذا أمد الله في عمره.. والمحصلة النهائية تكون دائما بالسالب وهو ما يعني ان هناك في مصر المحروسة فعلا من (يبيت من غير عشاء) او يستدين ليوفر الطعام لأولاده.. او في مواجهة العجز عن مواجهة الديانة يقوم بالانتحار لأنه لا يستطيع إسكات بكاء أطفاله المطالبين بالطعام والأدلة كثيرة علي ذلك ويكفي مراجعة صفحات الحوادث خلال السنوات الماضية. أما عجز الحكومة فيبدو واضحا في ثلاثة توجهات اقتصادية تتمثل في عجزها عن مواجهة موجات التضخم المتواصلة والمستمرة، والثاني فشل الحلول الجزئية لرفع دخول بعض الفئات مثل المعلمين والأطباء عن طريق الكادر الخاص.. وأخيرا أولويات سياساتها التي تتمثل في إرضاء وإغناء رجال الأعمال وتجاهل زيادة الفقر والفقراء في مصر.. ففيما يتصل بالتضخم الذي يمتص كل زيادة في الدخل والذي قفز الي 23.6 % في أغسطس 2008 ، ما زال يدور الآن حول مستوي يزيد علي عشرة %، حيث سجل معدل التضخم لشهر فبراير الماضي 12.8 % ، مقارنة بنحو 13.6 % في الشهر السابق له، ولنعلم مدي ارتفاع هذا التضخم نقارنه بمتوسط التضخم العالمي الذي لم يتجاوز ال 5 بالمائة بالرغم من الأزمة العالمية. ولا تفلح التدابير الاقتصادية وحدها رغم اهميتها في مواجهة التضخم، فمع الاعتراف بضرورة رفع الإنتاجية وزيادة كفاءة الاقتصاد هناك حاجة ماسة لتوفر الديمقراطية لتحقيق مواجهة التضخم وزيادة الدخل، ونضرب هنا مثالين؛ يوضحان كيف تؤتي الإدارة الديمقراطية مردودا اقتصاديا الأول من زيمبابوي والثاني -للأسف- في إسرائيل التي ارتفع متوسط دخل الفرد فيها إلي 35 ألف دولار سنويا لتتفوق علي اسبانيا وبعض الولاياتالأمريكية، وتقترب من سويسرا. فزيمبابوي التي ظل بطل الاستقلال روبرت موجابي يحكمها منذ عام 1980 وتحول من محرر الي ديكتاتور تخلي عن الديمقراطية وكمم الإعلام والحريات وهو ما أدي الي ازمات اقتصادية مما ادي في عام 2008 الي أن يصل معدل التضخم إلي 80 مليار جنيه وكانت الأسعار تتضاعف كل 24 ساعة تقريبا.. فماذا حدث في زيمبابوي.. بعد انتخابات ديمقراطية دار حول نتائجها نزاع تم التوصل بعده الي اتفاق تقاسم السلطة مع زعيم حركة التغيير الديمقراطي وئيس الوزراء الحالي مورجان تسفانجيراي. ورغم صراعه مع موجابي الذي سرق منه نصره الحقيقي باستمراره رئيسا للبلاد، إلا فإن تسفانجيراي نجح في مواجهة التضخم خلال سنة واحدة فوفقا للمكتب المركزي للإحصاء في زيمبابوي تم تسجيل نسبة تضخم منخفضة بلغت 7ر7 %. ثاني مجال أوضح عجز الحكومة، هو فشل التجارب الجزئية لرفع الحد الأدني لأجور بعض الفئات وهي التجربة التي عرفت باسم الكادر الخاص، سواء المعلمون الذين خاضوا امتحانات وواجهوا مشاكل وفي النهاية لم يشعروا بفارق حقيقي في الدخل يمكنهم من مواجهة التضخم المتوحش، ثم الاطباء خاصة بعد الجمعيتين العموميتين العادية والطارئة لنقابة الأطباء التي انتقدت تأخر الحكومة فيما يتعلق بالكادر الخاص بهم،وصرف المرحلة الثانية من الأجور والحوافز التي تعهدت بها الحكومة قبل عامين. اما ثالث محاولات عجز الحكومة فهو سياساتها التي تزيد الفقراء وتحابي الأغنياء ففي اطار مؤشر الفساد صنفت مؤسسة الشفافية الدولية مصر في المركز 111 من 180 دولة علي مستوي العالم في مؤشر الفساد لعام 2009 حيث تصنف الدولة الحاصلة علي المركز الاول بانها الاقل فسادا. ودعت المؤسسة في مارس الي تشديد القيود التي تحكم تولي رجال أعمال لمناصب عامة. ونجحت الحكومة في زيادة الفقراء في مصر الذين ارتفعت نسبتهم وفقا لتقرير البنك الدولي إلي 4ر23% عام 2008/2009 من إجمالي السكان مقابل 20% عام 2007. وفي النهاية هناك تجارب دولية كثيرة طبقت الحد الأدني للأجور وتراجعه باستمرار خاصة في الدول الرأسمالية كالولاياتالمتحدة التي بدات تطبيقه منذ ثلاثينيات القرن العشرين ولكن يبقي أي تغيير حقيقي للدخل ومستوي معيشة المواطن في مصر رهنا بمواجهة عجز السياسات الحكومية ايا كانت شرعية مطالب التغيير او ضرورته لمواصلة الحياة.