مناضلون يساريون محمد رشدي خليل إن رشدي لم يمت. سجنوه أمرضوه اعدموه في الليمان ثم عادوا وجدوه يحتوي كل مكان ان رشدي لم يمت. فهو في صدري وصدرك هو في قلبي وقلبك (من قصيدة رثاء كتبها أحد رفاقه في السجن) البداية كانت علي يد شقيقه د. فتحي خليل. وفيما كان فتحي في معتقل هايكستب (1948-1949) كان رشدي طالبا في المدرسة الثانوية. وكان قد بدأ نضالا واسعا وسط زملائه الطلاب في شبرا. وفي عام 1952 التحق بكلية الهندسة جامعة عين شمس. وهناك التقينا. كنت أنا طالبا في حقوق عين شمس في الدور الثاني من ذات المبني وكنت مسئولا عن رابطة الطلبة الشيوعيين (حدتو) في الكليتين. وأتاني جمال عبد الحميد وكان طالبا في الهندسة ليبلغني أن طالبا بالهندسة من تنظيم طليعة العمال يريد مقابلتي. والتقينا. قال في بساطة جميلة أعرف أن قيادتك سترفض، وأن قيادتي سترفض أن نعمل معا عملا مشتركا، لكنني معجب بنشاطكم في كلية الحقوق واقترح أن نعمل معا. وعملنا معاً. وفي هذه الفترة التهب المبني حقوق وهندسة بأعمال ثورية شاركنا فيها الوفديون ومصر الفتاة وتشكلت الجبهة الوطنية الديمقراطية لطلاب حقوق وهندسة عين شمس. أنا اعتقلت في أواخر 1953 وهو اعتقل في 1954 عقب الاعتصام الشهير لطلاب الكليتين مطالبين بالديمقراطية وعودة الجيش إلي ثكناته. ويفرج عنه بعد فترة ليواصل دراسته ويواصل معها نضاله. وتألق رشدي خلال فترة العدوان الثلاثي (1956) فقد أصبح أحد قادة حركة المقاومة الشعبية في شبرا ثم في القاهرة، وأسهم في تأسيس «الجبهة الوطنية المعادية للاستعمار». وفي 1958 وعندما اتحدت كل المنظمات الشيوعية في حزب واحد لعب دورا قياديا في تثبيت هذه الوحدة. وأصبح أحد قادة منظمة الحزب في القاهرة. ثم كانت حملة القبض الشرسة في أول يناير 1959 وأفلت رشدي ليواصل معركة تجميع الرفاق وإعادة تنظيمهم لمواجهة هذه الهجمة الشرسة. حتي قبض عليه ليرسل إلي معتقل العزب بالفيوم. ومن الفيوم إلي أسوأ سجون التعذيب الناصري في أسوأ فترات وحشيته. الضرب مستمر في الجبل حيث يقوم المعتقلون بتكسير البازلت تحت وطأة العصي ثم الضرب عند استلام الطعام ثم الضرب في الزنزانة.. ونستمع إلي شهادة أحد المعتقلين «كان رشدي صلبا في الجبل مثل البازلت الذي يقوم بتكسيره لكنه لم ينكسر وكان صلبا في الزنزانة فما أن يغلق الباب حتي يبدأ في إدارة حوارات حول المستقبل، وحول أهمية صيانة الوحدة» وذات يوم خطر ببال الضابط حسن منير وسيلة منحطة لإذلال السجناء. اختار عشرين منهم وأوقفهم صفين كل صف عشرة وطلب من أفراد الصف الخلفي أن يضرب كل منهم زميله الذي يقف أمامه. وفيما الجميع يرفضون صامتين صاح رشدي بأعلي صوت «لا يمكن أن اضرب زميلي» وأنهال حسن منير عليه ضرباً ثم ساق العشرين ليحشرهم في زنزانة واحدة. ويقول زميل هذه الزنزانة محمد سعده «كانت الزنزانة مترين في متر ونصف ولا تكفي لنا ونحن مرصوصين وقوفا. واقترح رشدي أن يجلس اثنان ليرتاحا بينما يقف الباقون، وكان يختار الاكبر سنا والأقل احتمالا ليعطيه أولوية الجلوس أما هو فلم يجلس محاولا أن يحتمل من أجل راحة الرفاق الأكبر سنا أو المتعبين. زملاؤه في هذه الزنزانة النازية يتحدثون. نجاتي عبد الحميد يقول : «كان رشدي خليل متماسكا يدعو الجميع للتماسك ويحشر نفسه علي الحائط ليفسح سنتيمترات لزميل متعب». ومحمد سعده يقول «كانت الزنزانة رهيبة وبشعة واستمر رشدي واقفا أربعة أيام.. التبرز كان مشكلة مستعصية ورائحة البول تملأ الزنزانة». اكرام محارب «قال عندما فتحوا باب الزنزانة خرج رشدي مثني القامة ولم يفرد ظهره بعدها». وبعدها اشتد المرض برشدي، لكن الطبيب النازي هو ايضا واسمه أحمد كمال كتب تأشيرة تقول أنه متمارض يتظاهر بالمرض فعوقب بالضرب وهو مريض وعندما ارتفعت درجة حرارته إلي ما يقرب من 39 درجة نقلوه إلي زنزانة الملاحظة. ومرة أخري يقرر الطبيب أحمد كمال أنه مصاب بالانفلونزا والعلاج نوفالجين، ولكن الحالة ازدادت سوءاً. وبالمصادفة مر علي زنزانة الملاحظة طبيب آخر هو الدكتور أدمون فشخص الحالة بأنها تيفود وكتب له علاجا. لكن أحمد كمال عاد ليلغي علاج التيفود ويكتفي بالنوفالجين. وكأنه مصمم علي تنفيذ أوامر بالحكم عليه بالإعدام. ويستمر الحال ثلاثة أيام حتي انهار الجسد الشاب والفتي، وارتفعت حرارته إلي 40. ومع صراخ المسجونين حضرت يوم الجمعة سيارة بيك آب من سيارات الشرطة لتنقله إلي المستشفي. ألقوا به ممدا علي أرضية السيارة زاعمين أنهم سيرسلونه إلي المستشفي. ويحكي نبيل زكي أنه أفلت من الطابور ودخل عليه زنزانة الملاحظة ليودعه لكن رشدي وحتي وطأه الحمي قال له «أرجوك يا نبيل شوف الرفاق لو عايزين يبلغوا أي شيء للخارج يبلغوني وأنا سأبذل جهدي لايصال الرسالة. وحملت سيارة البوكس الفتي الشجاع ممدا علي أرضية من الحديد. وأسرعت. والطريق من أبو زعبل ملئ بالمطبات ومع كل مطب يرتفع رأس الفتي ليعود فيرتطم بالحديد، مرة، مرات، عشرات المرات، وربما مئات المرات.. والسيارة لم تذهب إلي المستشفي ربما خوفا من تقرير طبي يصف الحالة، ولهذا ذهبوا به إلي سجن مصر. وألقوا به في زنزانة وليس حتي في مستشفي السجن. اغلقوا باب الزنزانة وتركوه هكذا حتي فارق الحياة. وهنا فقط عرضت الجثة علي الطب الشرعي. ويقول تقرير الطبيب الشرعي الدكتور محمد نجيب فهمي والمؤرخ في 24-7-1960 «السجين محمد رشدي خليل توفي بسبب هبوط في القلب سبقته حمي تيفوئيدية وكسر بعظام الجمجمة ونزيف علي سطح المخ». وفي أعلي التقرير تأشيرة تقول «تخطر النيابة» بما يعني الوفاة جنائية. لكن النيابة لم تخطر. ويصل نبأ الاستشهاد إلي رفاقه في السجن ويقف أحد الرفاق ليرثيه.. أن رشدي لم يمت هو في كل الملايين التي حولي وحولك في المصانع في المزارع في الشوارع الملايين التي تزحف قدما لا تنثني.. لا تتوقف هي كالأمواج .. صف بعد صف كلما ماتت علي الصخرة موجة عاجلتها الف موجة نحن لن نبكي الشهيد ليت من يبكي عليه ويواسي النائحين.. مد للحزب يديه.. لنبيد الغاصبين