دستور 54 يحاگم رئيس الجمهورية ويمنع المحاگمات العسگرية دستور 71 الأسوأ علي الإطلاق وسلطات الرئيس تجعله «إلهاً يمنع ويمنح» دستور 23 يقر حرية الاعتقاد المطلقة ويگفل الحرية الشخصية «هي بس ناقصها كام واحد من الأزهر علي كام واحد من الكنيسة علي كام واحد عمال علي كام واحد ليبرالي وكام واحد يساري علي كام واحد «محترم» علي كام رجل قانون وأستاذة جامعية وطنية علي كام خبير عسكري حيادي علي كام شاب من قيادات مختلفة.. بس بسيطة يعني مش فيها الكتاتني خلاص». ما سبق كانت تعليقات الشباب علي تأسيسية الدستور التي صدمت الكثيرين وجاءت معها الكثير من الاعتراضات حول النوايا السيئة لوضع الدستور بهذا الشكل. التاريخ «الدستور» ذلك العقد المبرم ما بين السلطة والمجتمع ووفقا له تسير القواعد والقوانين وتنظم السلطات، الجميع يتطلع إلي دستور يلبي احتياجات وتطلعات ثورة يناير المجيدة، ولأن التاريخ هو المفتاح السحري لرؤية الغد وجهنا سعينا لمعرفة كيفية صناعة الدساتير السابقة في مصر منذ البداية ورغم أننا وجدنا الجميع يتحدث عن فترة تاريخية حديثة من تاريخ بدأ فيه التفكير في وضع دستور إلا أننا نعتقد وبشدة في وجود دستور قبل ذلك بآلاف السنين، قامت من خلاله حضارة مصرية عريقة يتحدث عنها الجميع فمن يدري ماذا كان يحمل الماضي البعيد؟ تؤكد الوثائق أن مصر عرفت منذ بدايات القرن التاسع عشر لوائح ونظم وقوانين تحت مسميات مختلفة منها «السياستنامة والقانونتامة» وغيرها لإدارة الدواوين والمجالس والبلاد والعباد، لكنها لم ترق لشكل الدساتير الحديثة التي تنظم السلطات وتقيم أركان الدولة ومؤسساتها، وتمثل عقدا اجتماعيا بين الحكام والمحكومين وربما كانت أول مرة سمع فيها المصريون عن كلمة دستور عندما ترجم لهم رفاعة الطهطاوي الدستور الفرنسي الذي سماه «الشرطة» وهي ترجمة لكلمة "la chaarteس أو الميثاق في كتابه «تخليص الإبريز» المطبوع عام 1834 سجل طهطاوي في هذا الكتاب وقائع ثورة 1830 التي شهدتها فرنسا وأنتجت بعدها دستورا جديدا هو دستور 1830. العبرة لمن اعتبر ترجم رفاعة الدستور الجديد وشرح معانيه وأوضح أهدافه السياسية قائلا «لنكشف الغطاء عن تدبير الفرنساوية ونستوفي غالب أحكامهم وليكون في تدبيرهم العجيب عبرة لمن اعتبر» وشرح للقراء وقتها معني كلمة «شرطة» التي سماها القانون ولقد عرف فيما بعد المصريون أثناء كفاحهم الطويل لاسترداد حريتهم ألوانا من الدساتير أو مشروعات الدساتير أو الإعلانات الدستورية صدرت تحت مسميات مختلفة في شكل «أوامر كريمة من الجناب الخديو» أو «لائحة أساسية صدر بها أمر عال» أو تحت مسمي «القانون النظامي المصري» الذي صدر في عهد الاحتلال البريطاني لكنها لم تكن دساتير مكتملة بالمعني الحرفي والذي صدر به دستور 1923 وبعد ذلك عرفت مصر دساتير طبقت لفترات محدودة كما مرت بفترات انقلب فيها أصحاب السلطة علي «الدستور» كما أكد د. أحمد زكريا الشلق في مقدمة كتابه «الدساتير المصرية نصوص ووثائق 1866 - 2011» وربط الشلق بين ثوراتنا الوطنية والدستور وارتباط المطلب الدستوري بالكفاح ضد المستعمرين والغزاة. الدستور يا أفندينا ودلل علي ذلك بدستور «اللائحة الأساسية» الذي صدر خلال أحداث الثورة العرابية في فبراير 1882 والذي سمي بدستور الثورة «العرابية» ودستور 1923 الذي صدر في أعقاب ثورة 1919 واستعادة هذا الدستور بسبب انتفاضة الشباب عام 1935 ومشروع دستور 1954 الذي تم إعداده في أعقاب ثورة يوليو 1952 ويذكرنا الشلق بهتاف المظاهرات في مطلع القرن العشرين تطلب من الخديو عباس الثاني «الدستور يا أفندينا» وبعدما أدركوا أنه ليس منحة من الولي تمكسوا بدستور 1923 ويري الشلق أننا لا ينبغي نزع الدساتير من سياقها التاريخي المرتبط بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ونبه إلي خطرين يهددان الحياة الدستورية أولهما عدم معرفة عامة الناس بمعني الدستور وأهميته في صون حقوقهم وتعريفهم بواجباتهم ومن ثم ضرورة احترامه والالتزام الأخلاقي بالقوانين المستمدة منه وثانيهما طغيان الحكام ورأرباب السلطة من الملوك والرؤساء وأدواتهم من أصحاب المناصب التنفيذية العليا. انتفاضات وفي مصدر آخر هو كتاب «قصة الدستور المصري.. معارك ووثائق ونصوص» لمحمد حماد أكد خلاله أن الدستور دائما حالة نضال شعبي في التاريخ المصري الحديث، وجاء بنصوص من الدساتير المصرية لم تنشر من قبل ترجمت من اللغة التركية والتي وضعت في عهد محمد علي إضافة إلي دستور 1882 الذي ألغاه الإنجليز وجاء بالكتاب أن تجارب الماضي تبرز تناحر القوي السياسية مع السلطة بشكل دائم أثناء وضع الدستور وأن كل مرحلة سبقها قهر وظلم وانتفاضات وثورات متتالية هي مراحل التفكير في وضع دستور جديد أيضا تحدث عن دستور 23 والذي تزامن مع وجود مطلببين أساسيين للشعب وقتها الأول متعلق بزوال الاحتلال الإنجليزي من مصر وهو المطلب الذي طالب به حزب الوفد وقتها والآخر وضع دستور وطالب به حزب الأحرار الدستوريين وقد شكل الملك فؤاد وقتها لجنة من 30 عضوا ورئيسا ونائبا لصياغته وهو الأمر الذي لاقي رفضا من الأحزاب الكبري الثلاثة وقتها وهي «الوفد، الأحرار الدستوريين، الوطني» ولكن الرقابة الشعبية علي اللجنة وضعته بما لا يوافق هوي الملك وطموحه السلطوي فاحتوي قدرا كبيرا من «الحريات» ولكنه خلا من إقرار الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للطبقات الفقيرة وتمثل في اللجنة يهود، مسيحيون، مسلمون وطفل ورئيس جامعة لكنها خلت من تمثيل للمرأة والعمال أو الفلاحين. وأبرز المواد في دستور 23: «حرية الاعتقاد مطلقة في المادة 12، والمادة 5 تقول: لا يجوز القبض علي أي إنسان ولا حبسه إلا وفق أحكام القانون كما يكفل الحرية الشخصية في مادة بمفردها». دستور 54 والقمامة أما دستور ما بعد ثورة يوليو 1952 فأحدهما دستور 1954 والذي كتب عنه المؤرخ والكاتب صلاح عيسي «دستور في صندوق القمامة» تناول خلاله مشروع دستور54 الذي بدأ يثار بعد ثورة يوليو وألقاه مجلس قيادة الثورة في صناديق القمامة لأنه أكثر ليبرالية مما تحمله الظروف وجاءت الطبعة الجديدة من كتاب عيسي بعد ثورة يناير لتضمن فصلين ليتناسب مع الأحداث الجارية وإمكانية وضعنا علي نقطة جيدة لرؤية مختلفة الفصل الأول ضم إشكالية حركة الإصلاح السياسي في مصر خلال السنوات العشر الأخيرة والثاني إشكالية المسافة الثانية من الدستور بين الجماعات الدينية والليبرالية الأهم أن عيسي يدعو في كتابه لاتخاذ مشروع دستور 1954 والذي يقوم علي الجمهورية البرلمانية كأساس للدستور الجديد والذي سيكون الثاني عشر في تاريخ مصر ويقدم عيسي رؤية تحليلية بعمق معتاد منه لدستور 1954 والذي لم يدخل حيز التطبيق «ينص علي أن يكون للدولة برلمان من مجلس النواب وآخر للشيوخ ويكون الفصل في صحة عضوية أعضاء المجلس من اختصاص المحكمة الدستورية حتي لا يكون المجلس سيد قراره أما مجلس الوزراء فمسئول أمام البرلمان وللبرلمان حق المساءلة وسحب الثقة من الوزارة كما ينص دستور 54 علي محاكمة رئيس الجمهورية إذا ارتكب خطأ بقرار أحد المجلسين بالأغلبية وتتم المحاكمة أمام المحكمة الدستورية العليا وحظر الدستور محاكمة أحد أمام المحاكم الخاصة أو الاستثنائية وكذلك حظر محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية وحرم دخول «البوليس» المنازل ليلا إلا بإذن السلطة القضائية كما جاء به نص انفرد به عن كل الدساتير المصرية وهو «من حكم عليه بحكم نهائي خاطئ يطلب تعويضا من الدولة». دستور تفصيل إلا أن مجلس قيادة الثورة وجد دستور 1954 لا يتوافق مع سياسة المرحلة «فألقاه في القمامة» ووضع دستورا آخر في يونيو 1956 حتي جاء دستور 1971 والذي جاءت نصوصه لتحجم المجتمع وفاعليته وتضع قيود «مباشرة» علي المواطن وحقوقه السياسية وحرياته العامة والخاصة، مما حول الدولة لمستبدة ومهيمنة وركز دستور 1971 علي الدور المركزي لرئيس الجمهورية الذي كان هو أنور السادات في نظام الحكم وتفرده بالسلطة ليعطيه الدستور كامل الصلاحيات ويمنحه حق المشاركة والتشريع بشكل واسع. يؤكد د. محمد نور فرحات أستاذ فلسفة القانون بكلية الحقوق بجامعة الزقازيق في كتابة «التاريخ الدستوري المصري.. قراءة من منظور ثورة يناير» أن الشعب المصري قد يخرج عن النص الدستوري إذا لم يقتنع به ولا يعتبره ملزما له وأن المد الثوري مستمر في مواجهة الاستبداد. سؤال المواطنة وتؤكد الوثائق والمراجع التاريخية أن غالبية دساتير النظم الديمقراطية تخضع لانتخاب جمعية تأسيسية يكون اختيارها عن طريق الشعب أو البرلمان والبرلمان لا يشترك في اللجنة كما حدث في مهزلة دستور 2012 في مصر. يقول د. عصام دسوقي أستاذ التاريخ إن فكرة الدستور تزامنت مع سؤال «المواطنة» عندما قامت الثورة الفرنسية علي شعار الحرية والإخاء والمساواة وساعد علي التطور الفكري وقتها «جان جاك روستو» بكتابه «العقد الاجتماعي» والذي أوجب خلاله تجريد الحاكم من الأمور الدينية، وأضاف دسوقي أن الدستور قائم علي فكرة المرونة. فيما اعتبر د. علي ليلة أستاذ علم الاجتماع الاستبداد حاضرا في كل الدساتير المصرية وأن كثرة أعداد الدساتير في مصر تشي بعدم الاستقرار الاجتماعي.