فتوي بتحريم لعبة كرة القدم، سبقتها طعون عديدة في روايات نجيب محفوظ وأسلوبه وموهبته واتهامات عديدة له عيب أن أكررها وأن سمعتها بأذني ورأيت صاحبها د. عبدالمنعم الشحات يكررها بإصرار في برنامج «الحقيقة» علي دريم الذي يقدمه وائل الإبراشي، وقبل أيام كان «عادل إمام» هو الهدف الثاني، كاسم وتاريخ، من خلال قضايا عديدة حول ما قدمه من أفلام مثل «الإرهابي» للكاتب لينين الرملي، و«طيور الظلام» للكاتب وحيد حامد، ولقد قدمت هذه الأفلام منذ عقدين من الزمان ورفعت ضدها - في حينها - قضايا حسبة عديدة في أماكن متعددة من مصر، لكن عودة القضايا بأثر رجعي مع إعادة الهجوم علي محفوظ «الذي تعرض للقتل فعلا ونجاه الله منه» هو مؤشر غير جيد علي ما يواجهنا في المستقبل القريب جدا في مجالات الفن والإبداع، وبالطبع كل ما يدخل في إطار الثقافة، فمن يرفض الرواية اليوم سوف يرفض القصيدة غدا، وسوف يعيد فحص وبحث آلاف القصائد والدواوين الشعرية ويدخل تحت جلد الكلمات ليقدم تفسيرا جديدا يدخل في باب التحريم والرقابة، وغير الروايات والأشعار، فلدينا قوائم طويلة من الأفلام، وأيضا المسلسلات، التي تناولت كل الأفكار والظواهر التي حدثت في المجتمع المصري علي مدي سنوات طويلة، ومنها صعود التطرف والإرهاب وأحداث قتل السائحين وبعض الشخصيات المصرية العامة، والهجوم علي كل الفصائل الأخري التي تمثل كل الأفكار التي يؤمن بها أغلب المصريين، ولم يكن هذا حلما وإنما حقائق عشناها في مصر ومكتوبة في تاريخنا، فإذا جاء البعض الآن من بيننا ليكفر البعض الاخر فإن علينا أن نستعد لأوقات عصيبة قادمة تفتح فيها ملفات الفن والثقافة بأثر رجعي، وهو ما يعني دخول طابور طويل من المبدعين والمبدعات في «قوائم تطهير» جديدة، فأغلب الكتاب والمخرجين قدموا أعمالا تناقش التطرف والمتطرفين، وكثير من الأفلام والمسلسلات تناولت شخصية المتطرف، وكانت الرقابة تعترض عليها كثيرا، ربما من أيام مسلسل «ليالي الحلمية» وكان تناول التطرف علي الشاشة المصرية صعبا إلي أن أجبرت الأحداث نظام الحكم السابق علي الموافقة علي مسلسل «العائلة» الذي فتح باب مناقشة هذه القضية من أوسع الأبواب، وأيضا جاء فيلم «الإرهابي» ليناقش الفكر الذي يرفض الآخر ويكفره، ولكنه - أي بطل الفيلم الذي قام ببطولته عادل إمام - يكتشف أن الناس «الآخرين» من الجيران، المسلمون والمسيحيون، هم ناس غير مختلفين، محبون للحياة وللوطن ويتفاعلون بنفس الدرجة مع «ماتش كورة» يلعب فيه الفريق القومي ضد فريق آخر.. الأعمال التي لا «تعجب» كثيرة والمبدعون والمبدعات أكثر ولكن السؤال الآن.. هل نحن بصدد فتح ملفات للماضي ومحاكمة الأفكار والأفلام والصور والرسوم أم فتح ملفات المستقبل وإزالة القيود علي الإبداع ومنها قيود الإنتاج التي تحجب إبداعات أجيال من الكتاب والشعراء والمخرجين والعاملين بكل المهن الفنية؟ وهل هناك ما يمنع لأصحاب أي فكر الآن من إنتاج أعمال فنية معبرة عن أفكارهم، خاصة هؤلاء الذين يريدون محاكمة الأعمال التي أنتجت في الماضي؟ لقد أحسنت جماعة الإخوان المسلمين حين فكرت بالرد علي مسلسل «الجماعة» بمسلسل آخر ترون فيه القصة من وجهة نظر مختلفة عما رواه الكاتب وحيد حامد، وعلي كل من يرفض روايات محفوظ وأفلام عادل إمام وغيره أن يقدم روايات وأفلاما أخري، بدلا من المحاكمات، فالأفكار لا تقابل إلا بالأفكار، والأفلام لا يفلها إلا الأفلام.