الثورة المصرية ان للأزهر الشريف وفضيلة الإمام الأكبر مكانة عالية حيث عاصر وتمشي مع كل المتغيرات، وليؤكد ان الأزهر انما يمثل الدين الإسلامي الوسطي المعتدل ولايعرف التطرف جملة وتفصيلاً . وتأكد ذلك من وثيقة الأزهر لإستكمال أهداف الثورة واستعادة روحها مرة اخري وأفضل احتفال بها هو تحقيق أهدافها، كما أعلن الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، خلال المؤتمر الصحفي عقب لقائه مع التيارات الفكرية والدينية، بمشيخة الأزهر، للنقاش حول وثيقة الحريات "حرية العقيدة" و"حرية الرأي والتعبير" و"حرية البحث العلمي" وحرية الفن والإبداع الأدبي" . الوثيقة خلقت حالة من الانتعاش السياسي والجدل الفكري تتعرض لها «الأهالي» في هذا التحقيق. المفكر كمال زاخر، منسق التيار العلماني المسيحي يطالب بضرورة أن نقرأ وثيقة الأزهر في ضوء الظرف التاريخي، فهي تأتي بعد شيوع الرسائل الملغومة من التيارات السياسية الإسلامية التي اقتربت وفق النتائج الاولية للإنتخابات البرلمانية من تحقيق أغلبية داخل البرلمان، وما استتبع ذلك من تصريحات تهدد الاندماج الوطني بشكل لافت، والدخول في مناورات سياسية فجة تشير الي سعي لاختطاف الدولة. مضيفاً : ان من هنا تأتي أهمية الوثيقة لأنها تعيد الاعتبار الي الصوت الاسلامي الوسطي الذي يمثله الازهر، وهو هنا يعلي من قيمة العمل المدني ولم يفرض رؤيته بل طرحها للتوافق المجتمعي والسياسي، ولا يمكن النظر اليها علي انها عمل سياسي بل هو في المقام الأول عمل وطني، وضع من خلالها توافقات بين ما هو حداثي وما هو تراثي، وبين ما هو مجتمعي وما هو ديني، بل وبين ما هو إسلامي وما هو مسيحي من خلال طرح المشترك القيمي بينهما، وكان لحضور قداسة البابا للأزهر واستقبال الازهر له إعادة للقبول المشترك بينهما بعد انقطاع دام عشرات السنين. وصدور الوثيقة عن مؤسسة الازهر برمزيتها وثقلها التاريخي يقطع الطريق علي من اغتصبوا دوره منذ السبعينيات وقدموا صورة قاتمة عن الإسلام لم تكن سائدة حين كان الازهر المصدر الرئيسي للفتوي والتفسير، لذلك فالوثيقة تأتي في سياق شيوع الخلفيات الدينية في الشارع وتأتي من هنا أهميتها. وثيقة إسترشادية ووصف زاخر أنها وثيقة إسترشادية وليست إلزامية ولعل هذا سر نجاحها في تحقيق الإجماع عليها من كل الاطياف الفاعلة في المشهد المصري، قال كمال زاخر: إن تحويل الوثيقة الي فعل يتطلب توفر الارادة السياسية لدي القوي الحاكمة والبرلمان ومن ثم لجنة وضع الدستور والتي يجب أن تمثل كل القوي والتيارات وليست الاغلبية البرلمانية وحدها، وتجنب تحويلها من فعل وطني الي صراع سياسي حزبي. تحفظات بينما يري بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان, ان الوثيقة تتضمن موقفا إيجابيا إلا ان هناك بعض العبارات والتحفظات التي يجب ان يقوم الازهر بمواجهاتها، مثل ربط مسألة حرية ممارسة الشعائر الدينية بعدم إهانة مشاعر الآخرين مما يعتبر نموذجا للتعبيرات غير المنضبطة. ويري ايضا الدكتور القس إكرام لمعي أستاذ الدين المقارن بكلية اللاهوت الإنجيلية، ان الوثيقة بمثابة خطوة رائعة لمواجهة التطرف الذي ظهر مؤخرا في مصر، إلا انه اشار ان هناك تحفظا واحدا حول بند "حرية الابداع بما لايمس المشاعر الدينية" حيث هناك فرصة لإتهام شخص لآخر بإثارة مشاعره الدينية، ومن ثم لابد من تقنين هذا البند فالإبداع عملية نسبية، والفن والعلوم والأدب لا يقيدوا إطلاقاً، وهنا اشار بهي الدين حسن إلي ان هناك قدسية واحدة فقط في القرأن الكريم لشخص الرسول وحده، انما إضفاء القداسة علي اي شئ اخر بما فيها مشاعر الأخرين فيعتبر من النقاط غير المنضبطة. اما المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية و أحد الموقعين علي الوثيقة، قالت ان هناك فرقا بين "الحظر" بسبب ديني وبين "عدم إيذاء" المشاعر الدينية، مؤكدة انها كلمة دقيقة جدا وتساوي مدلولها ولا يمكن ان تمثل تقييد علي الإبداع. واكدت الجبالي ان الازهر أحد المسارات المتعددة التي تشكل قيمة وجدانية عالية، وبما للأزهر من مكانة كأحد أليات الدولة الوطنية المصرية. بينما يري إكرام لمعي ان من حق الازهر ان يصدر وثيقة إلا انه لايستطيع ان يقول انها ملزمة فهو مثله مثل الكنيسة لا يجوز لها اصدار قوانين ملزمة علي الشعب فليس من إختصاصاتها، انما هي وثيقة كأحد الحلول المقترحة من عدة جهات يسترشد بها فقط. وهذا ما اكده ايضا بهي الدين حسن فالملزم هو الدستور والقوانين فقط. السياسة والإبداع هناك فرق بين السياسة والإبداع والفن لا يسيس ولا يدين، فالسياسة لها قيود وحدود علي عكس الإبداع، علي حد قول الفنان "عمرو واكد"، حيث يقاس نجاح الابداع بمدي حريته وفي النهاية من حق القارئ او المشاهد الإبتعاد عن ما يراه غير مناسب له، والفنان لا يفرض نفسه علي المتلقي، فقد نتفق او نختلف مع المبدع، إنما نقيد حدود تفكيره فهو أمر مرفوض تماماً. وطالب واكد من فقهاء الدين ان يعطوا الفنانين والمبدعين مساحتهم في التعبير عن أرائهم، ولا يحاسبونا علي أعمالنا إلا اذا تدخلنا في الامور الدينية التي هي من إختصاصهم، فمن حق رجال الدين إبداء الرأي ولا يحق لهم منح حرية "منقوصة" في أمور ليست من شأنهم. علي الجانب الاخر اشار واكد ان من حق الأزهر إصدار وثيقة طالما ليست إلزامية، ولا خلاف علي ان الازهر هو "عاصمة الدين الإسلامي" في مصر ولا يصح المزايدة علي موقفه من قبل التيارات الاسلامية الاخري التي كانت ومازالت تحارب الازهر _ علي حد قوله_ ولا أعتقد انه لا يوجد هناك فنان سيدخل في صدام صريح مع الدين وإلا فهو المتحمل النتيجة. وأوضح الشاعر محمود الشامي المنسق العام لحركة "نحن هنا الأدبية" أن ما يتعلق بحرية الفكر والإبداع، طُرح كبند مكمل فيأتي في أقل من سطر مما يجعلنا في تخوف من انه عرضة لعبث العابثين، وكانت التصريحات خلال الاشهر المنقضية خير دليل. علي حين ان إصدار وثيقة توطد للحريات في أصلها كان لزاما أن تكون واضحة ودقيقة ومتفاعلة مع وجدان الأمة وذوقها وهويتها الثقافية والفكرية والذي تجسده وترويه تجربتها في عموم الآداب والفنون .. واضاف الشامي أن الوثيقة لا تكفي لاقامة الدولة التي ننشدها ولم تتناول كل الأسس ولو كانت بداية جيدة تفتح افاقا لتأسيس الدستور الجديد. ووصفت حركة "نحن هنا الأدبية" وثيقة الأزهر المتضمنة مبادئ الحريات العامة، بالخطوة الواسعة والمباركة والمقرونة بإسمه، مسترداً بها مكانته التي تزعزعت لعقود. إستهداف الإبداع وأكد قاسم مسعد عليوة مقرر عام الحركة، أن هناك تحفظات علي موضوع التعبير والإبداع في مجالي الفن والأدب كان موضوعاً دائماً لعبث النظام السابق، فقد أراد تدجينه وتطويعه وإدخاله خظيره النظام، وهو أيضاً الذي ينظر إليه السلفيون ودعاة الإسلام المسيس شذراً، ولا أبالغ إن قلت إن الأولوية الأولي للأنشطة المستهدفة بسيوف وسهام ورماح التشدد ستكون من نصيب الفن والأدب لا السياحة، ومن هنا أتفهم أن تحصر وثيقة صادرة عن مؤسسة دينية الفن والأدب في إطار منظومة قيمنا الحضارية الثابتة. واعتقد أن هذا الربط هو أخف ربط يمكن أن يصدر عن مؤسسة أو اتجاه ديني؛ وعلي كل حال فحرية الإبداع الفني والأدبي تنبو عن كل ربط كل إطار وقيد. الوثيقة والسلفيون وكان عماد عبد الغفور رئيس حزب النور السلفي قد صرح بأن الوثيقة جمعت جميع المبادئ الأساسية التي تتوافق حولها كل القوي، ولكنها لم تتطرق للمبادئ الفرعية وتفاصيل الأمور. حيث تضمنت المبادئ الأساسية لحرية الفكر وحرية التعبير، ولكن تلك المبادئ يجب أن تتوافق مع الشريعة الإسلامية وأحكامها ومع المادة الثانية من الدستور! فهل السلفيون هم أدري بما يتوافق ولا يتوافق مع الشريعة الإسلامية أكثر من مؤسسة الأزهر منبر إلاسلام الوسطي؟