الدولة البوليسية مجددا أثبتت الحملة الأخيرة علي منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان أن الدولة البوليسية في مصر لم تسقط، بل لعلها تكون قد ازدادت قوة وجاهزية بحكم انضمام المجلس العسكري إليها وممارساته الكاشفة عن هذه الحقيقة، رغم ما قيل عن حل بعض أجهزة الأمن. وأخيرا سوف تنتبه كل القوي السياسية والديمقراطية من أحزاب ونقابات ومنظمات مجتمع مدني إلي حقيقة أنها منذ ثورة 25 يناير قبل عام انخرطت في العاجل من السياسات، وكافحت من أجل الدستور أولا ومن أجل قانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية، ومعايير تشكيل لجنة كتابة الدستور في حين أرجأت معركة أخري لا تقل أهمية ولا راهنية وهي ترسانة القوانين المقيدة للحريات التي تراكمت عبر ستين عاما ولاتزال تمثل سيفا مصلتا ضد الحريات العامة والحقوق الديمقراطية لابد من مواصلة العمل لإسقاطها دون هوادة. وها هي منظمات المجتمع المدني تكتشف أن المجلس العسكري في محاولته للتغطية علي إخفاقاته الكبري في إدارة المرحلة الانتقالية وانحيازه الصارخ لتيار الإسلام السياسي - أن هذا المجلس قد أخذ يكشف عن وجهه وهو ينكل بالكيانات السياسية والنشطاء السياسيين والحقوقيين الذين تجاسروا علي انتقاد سياساته، وفضحوا الانتهاكات المزرية التي جرت في ظل إدارته من المحاكمات العسكرية للمدنيين، إلي كشوف العذرية لفتيات مشاركات في الثورة وهو ما يشكل إهانة للنساء وللمجتمع، كما أنه إجراء منحط وغير مسبوق في تاريخنا، إلي إطلاق الرصاص الحي علي المتظاهرين، وتهديد الإعلاميين وأخيرا وليس آخرا الهجوم علي مقار منظمات المجتمع المدني التي كانت قد نجحت في بعض الحالات في إحالة انتهاكات العسكر إلي القضاء. كما نجحت في الوصول لأحكام قضائية باته حول عدد من القضايا المهمة، وجر المجلس العسكري نفسه إلي وضع لا يحسد عليه حين أعلن أنه تراجع عن فعلته بعد أن طلبت الإدارة الأمريكية إليه أن يكف يده عن منظمات المجتمع المدني، وصولا إلي التهديد بإعادة النظر في المعونات التي تقدمها أمريكا لمصر، وهذه المعونات هي بالمناسبة شكل من أشكال التمويل الأجنبي للحكومة نفسها ولبعض أهم مؤسساتها. ولعل هذه الهجمة الأخيرة المرتبطة وثيقا بمخطط لقصقصة أجنحة الثورة وتشويه نشطائها ومؤيديها تعيد إلي أجندة العمل الوطني قضية إلغاء كل القوانين المقيدة للحريات بما فيها القانون 84 لسنة 2002 الخاص بالجمعيات الأهلية والاسترشاد في هذا الصدد بتجارب الدول الديمقراطية في تنظيم العمل الأهلي وإتاحة مساحة واسعة من الحريات له حتي يسهم بدوره كضلع مهم في عملية التنمية والتطور الديمقراطي للبلاد، بدلا من وضع رقبته تحت المقصلة كما هو الحال الآن إن بالقانون أو بحملات التشهير المبتذلة التي شارك فيها للأسف صحفيون وإعلاميون سبق أن دربت بعضهم هذه المنظمات علي كيفية تقصي الحقائق والوصول إلي المعلومات في ظل الحصار الحكومي، وساعدتهم علي الارتقاء بأدواتهم المهنية حتي يكونوا موضوعيين وعادلين. ولم يقتصر هذا الموقف الذي أقل ما يوصف به أنه انتهازي وغير أخلاقي علي بعض الصحفيين والإعلاميين الذين آثر بعضهم أن يلعب نفس اللعبة القديمة ويصبح بوقا للحكم القائم كما فعل سابقا، وإنما هو يمتد أيضا لجماعة الإخوان المسلمين التي كانت منظمات حقوق الإنسان والتي رغم اختلافها معها فقد ساندتها ضد المحاكمات العسكرية وضد الاعتقال المتكرر، إذ أعلن «رشاد البيومي» نائب مرشدها العام تأييده لإجراءات المجلس العسكري ضد المنظمات الحقوقية وهو الموقف الذي وصفه نجاد البرعي مدير المجموعة المتحدة.. محامون واستشاريون قانونيون وهي إحدي الجماعات التي طالها الهجوم - وصفه بأنه «نذالة سياسية مش غريبة علي تيار انتهازيته واضحة للوصول إلي الحكم». كل القوي الديمقراطية مطالبة الآن بتوحيد جهودها والعمل دون كلل ضد الدولة البوليسية بقوانينها وممارساتها.