مصادر حكومية: سوف يؤدي إلي تراجع الاستثمارات الأجنبية والعربية وزير التنمية الاقتصادية: الرقم يؤگد حقيقة العجز «المنضبط» عندما طلب رئيس الوزراء د. أحمد نظيف من وزراء المجموعة الاقتصادية خلال تحديد ميزانية كل وزارة من إيرادات متوقعة ومصروفات. كان العامل الرئيسي الوحيد والمشترك في هذه المطالبة ضرورة تحجيم المصروفات في محاولة للسيطرة علي نسبة العجز المتوقع خلال الموازنة العامة الجديدة 2010 -2011، وفي الحقيقة فقد شهدت عملية إعداد الموازنة علي مدار الشهرين الماضيين ما يشبهه «البناء والهدم» وحتي الوصول لعمليات ترميم لما تم هدمه. ومنذ التفكير الأول في إعداد مشروع الموازنة العامة للدولة من خلال الاجتماعات التي عقدها رئيس الوزراء مع كل الوزارات سواء الاقتصادية وحتي الخدمية. كانت الحكومة تعتقد أن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية لاتزال مستمرة، وأن تداعياتها قد تمتد لتطول موازنة العام المالي الجديد 2010-2011 ولذا كان هناك اتجاه لدي الحكومة بعدم الالتزام بالسياسة التي وصفتها قبل الأزمة المالية والاقتصادية والتي تقضي بخفض العجز السنوي في الموازنات العامة بنسبة 1% سنويا0 وقد وضح ذلك في حوار رئيس الوزراء د. أحمد نظيف مع أعضاء مؤتمر المائدة المستديرة الايكونوميست عندما قال إن الحكومة ستعاود هذا البرنامج ويقصد به خفض عجز الموازنة العامة بنقطة مئوية سنويا اعتبارا من العام المالي 2012-002013 أي أن هناك نية لتأجيل البرنامج. لكن عقب هذا الحوار بأيام - خرجت تقارير دولية من عدد كبير من المؤسسات الدولية والمالية العالمية تؤكد حدوث انتعاشة في العديد من الاقتصاديات العالمية التي عانت في ظل الأزمة. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد. بل فوجئت جميع الاقتصاديات النامية بصدور تقرير من صندوق النقد الدولي نتيجة لحالة الانتعاش المتوقع يطالب فيه الدول جميعها بما في ذلك الدول النامية بضرورة السيطرة علي عجز الموازنات العامة في هذه الدول لأن ذلك من شأنه تعطيل «الانتعاش المتوقع» وقد يكون سببا من أسباب استمرار تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. لذلك لم يكن غريبا أن تعاود الحكومة مرة أخري عمليات هدم واعادة بناء في مشروع الموازنة العامة المقترح، بعد أن اعلنت من جديد اعادة العمل ببرنامج خفض العجز في الموازنة العامة للدولة أو علي الأقل الالتزام بنسبة العجز الحالية علي أقل تقدير. ومن جديد ايضا طلب رئيس الوزراء من المجموعة الاقتصادية «الالتزام بأقل نسبة عجز ممكنة في المشروع الجديد». كما عاودت سياسة الاجتماعات مع كل قطاع سواء خدميا أو تنمويا أو صناعيا أو استثماريا، وفي كل هذه الاجتماعات كان القاسم المشترك هذه المرة كلا من د. يوسف بطرس غالي وزير المالية بصفته المشرف التنفيذي علي بنود الموازنة العامة وكذلك بنودها الحكومية، وكذلك د. عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية والذي يحدد المؤشرات الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقد وضح ذلك عندما قال عقب اعتماد مشروع الموازنة العامة الجديدة أن د. يوسف بطرس يستطيع تنفيذ الموازنة العامة فيما يتعلق بالاستثمارات الحكومية بمفرده، في حين أن وزارته مع الحكومة جميعها مسئولة عن مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي الحقيقة فإن مؤشرات الأداء الاقتصادي خلال الربعين الأول والثاني من الموازنة العامة المعمول بها حاليا والتي تنتهي في نهاية يونيه القادم، والتي وصل فيها معدل النمو 9ر4% و1ر5% قد اقنعت الحكومة بما اعلنته المؤسسات الدولية من حدوث بوادر انتعاش ، وضرورة أن تبذل الدول قصاري جهدها لخفض نسب العجز في الموازنات العامة، هذه التقارير دفعت د. عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية إلي القول إن الاقتصاد المصري لم يعد يتعامل مع أزمة لكن مع مؤشرات نمو وفي الوقت الذي كنا نعاني فيه من انخفاض معدل النمو سيجئ وقت نعاني فيه من مشكلات وتداعيات النمو الاقتصادي. لكن بعيدا عن ملابسات وضع الموازنة العامة الجديدة لابد من القول إن الحكومة في إعلان مؤشراتها العامة التزمت فيها بالمتطلبات الدولية المدونة باسم «سيكولوجية الموازنة» حتي تستطيع الترويج غير المباشر لجذب الاستثمارات الأجنبية. تلك السيكولوجية تعتمد أساسا علي ضرورة طمأنة الشركات الاستثمارية العالمية والمستثمرين العرب والأجانب بأن مصر تتبع سياسات مالية تتسم بالدقة، عندما تؤكد أن مدخلات ومخارج الموازنة، وبالتحديد الايرادات والمصروفات محسوبة ومتوازنة وسوف تؤدي إلي عجز متوقع ربما لن يزيد علي 9ر7% بدليل أن الحكومة مثلا - لم تقل أن نسبة العجز قد تكون 1ر8%. وكما قال وزير التنمية الاقتصادية هناك فارق بين العجز المنفلت و«المدروس» وفي الوقت الذي لم يوضح فيه الفارق فإن مصادر حكومية قالت إن الفترة القادمة طبقا لتقارير المؤسسات الدولية ما بعد الانتعاش سوف تتركز أساسا علي جذب الاستثمارات وبالتالي هناك فارق في الواقع السيكولوجي بإعلان العجز المتوقع علي حركة الاستثمارات.. مشيرا إلي أن الفترة القادمة بعد اعلان المؤشرات الرئيسية للموازنة سوف توضح مدي تأثير اعلان أن العجز المتوقع 9ر7% بدلا من أن تقول 8%. وفي الحقيقة فإن الحكومة الآن لا يهمها الايرادات والمصروفات بقدر اهتمامها بجذب رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية والعربية وحتي استثمارات القطاع الخاص المصري، زيادة الاستثمارات تعني ارتفاع معدلا النمو وخلق فرص عمل، لذلك لم يكن غريبا أن تتضمن الموازنة العامة الجديدة 256 مليار جنيه بنسبة زيادة 19% منها 163 مليار جنيه استثمارات القطاع الخاص والباقي استثمارات حكومية تصل إلي 36 مليار جنيه بنسبة زيادة 12% ويتبقي دور الاستثمارات الأجنبية، ورغم أن الحكومة كانت تستهدف 8 إلي 10 مليارات دولار فإن وزارة التنمية الاقتصادية تعتبر أن بلوغ الاستثمارات الأجنبية 5ر7 مليار دولار تعد معقولة خلال الفترة المقبلة. لكن في نفس الوقت تعتبر الحكومة أن الفترة المقبلة ايضا لابد من زيادة معدلات الانتاج والاستهلاك، ففي خلال العام المالي الماضي 2008-2009 لعب الاستهلاك دورا كبيرا في معدلات النمو التي بلغت 7ر4% كان نصيب الاستهلاك منها 1ر4% في حين أن الاستثمارات قد تراجع دورها في ظل الأزمة المالية والاقتصادية. وتشير الاحصاءات أن الاستهلاك العائلي. يمثل 7ر75% من الناتج المحلي مقابل 1ر11% من الانفاق الحكومي. في حين أن نسبة مساهمة الاستثمار المحلي لا تزيد علي 18%. وتبقي القضية في النهاية ايرادات تصل إلي 5ر280 مليار جنيه ومصروفات قد تزيد علي 398 مليار جنيه وما بينهما عجز نقدي يصل إلي 117 مليار جنيه، والسؤال هل سيقف عجز الموازنة عند حد 9ر7%؟!