اقتصادية «قناة السويس» تبحث تفعيل الاتفاقات مع «أكوا باور» و«إيتوشو» اليابانية    وزير الثقافة يعلن محاور وأهداف مؤتمر «الإبداع في زمن الذكاء الاصطناعي»    البورصة المصرية تخسر 4.6 مليار جنيه في ختام تعاملات الخميس    الإحصاء: 5.9 مليار دولار التبادل التجاري بين مصر والسعودية خلال النصف الأول من 2025    باريس: الضربات الروسية على أوكرانيا تظهر عدم وجود إرادة لإجراء محادثات سلام    الرئيس اللبناني: نعول على دعم بريطانيا من أجل التمديد لليونيفيل    ريبيرو يفاضل بين ثنائي الأهلي للعب بجوار أشرف داري أمام المحلة    نجم كريستال بالاس يرفض توتنهام.. حقق حلم طفولته    نجم برشلونة يدخل دائرة اهتمام مارسيليا    كشف ملابسات تعدي شخص على سيدة تحمل طفل بمنشأة ناصر    حادث تصادم سيارة نقل ثقيلة بعدد 9 سيارات ملاكي و2 ميكروباص بمطروح    الأرصاد: أجواء مستقرة الآن على كل الأنحاء    تشييع جنازة ضحايا انهيار عقار شارع مولد النبي في الشرقية    انتشال قطع أثرية غارقة من خليج أبو قير بالإسكندرية خلال احتفالية التراث المغمور    أحمد سعد يتألق في مهرجان الشواطئ بالمغرب ويحتفل بعيد ميلاده مع الجمهور    نقيب الصحفيين: تقديم بلاغ ضد «ڤيتو» مؤشر يجب التوقف أمامه في ظل غياب آليات واضحة لتداول المعلومات    مواجهات مرتقبة في إفتتاح دوري المحترفين    محافظ المنوفية: النزول بدرجات القبول ببعض مدارس التعليم الفني للتدريب والتعليم المزدوج    وزير الأوقاف يدين الهجوم على مسجد في نيجيريا ويدعو "للتصدي لفكر التطرف والإرهاب"    «نتنياهو» يصعّد هجومه ضد رئيس وزراء أستراليا    وسائل إعلام إسرائيلية: أنباء أولية عن عملية عند حاجز عسكري قرب مدينة الخليل    تصادم مروع على طريق الإسكندرية – مطروح يسفر عن اشتعال وتفحم 4 سيارات و20 إصابة    خلافات أسرية تنتهي بجريمة مروعة.. مصرع سيدة وإصابة ابنتها طعنًا بالدقهلية    القبض على البرلماني السابق رجب حميدة بشأن أحكام قضائية في كفر الشيخ (تفاصيل)    محافظ الجيزة يكلف مديرية الطرق بإعداد خطة متكاملة لرصف ورفع كفاءة وإنارة جميع الأنفاق    وزيرة التنمية المحلية تتابع مع محافظ أسوان مشروعات الخطة الاستثمارية    بسمة داوود صحفية في مسلسل «ما تراه ليس كما يبدو» (صور)    سهرة ل أوركسترا القاهرة السيمفوني بمهرجان القلعة 2025    «التلواني»: «الرعاية الصحية» تضاعف الإنجاز وتستعد لتشغيل محافظات المرحلة الثانية    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفى رأس الحكمة ويوجه بسرعة تشكيل فرق عمل لرفع كفاءتها    ندوة حول التأمين الصحي الشامل وتطوير الخدمات للمواطنين في بورسعيد    تحرير 126 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    رفضه لجائزة ملتقى الرواية 2003 أظهر انقسامًا حادًا بين المثقفين والكتَّاب |السنوات الأولى فى حياة الأورفيلى المحتج    دار الإفتاء: سب الصحابة حرام ومن كبائر الذنوب وأفحش المحرمات    من حريق الأقصى إلى مواقع غزة.. التراث الفلسطيني تحت نيران الاحتلال    ريبيرو يمنح لاعبي الأهلي راحة سلبية ويستكشف المحلة    «الكنيسة القبطية الأرثوذكسية»: الأعياد مناسبة لمراجعة النفس والتقرب إلى الله    خلال 24 ساعة.. ضبط (385) قضية مخدرات وتنفيذ (84) ألف حكم قضائي    رئيس الوزراء يصدر قرارًا بإسقاط الجنسية المصرية عن شخصين    هل يوجد زكاة على القرض من البنك؟.. أمين الفتوى يجيب    هندسة بنها تحصد المركز الأول على مستوى الجمهورية في مسابقة "صنع في مصر"    إجازة المولد النبوى .. 3 أيام متتالية للموظفين    3 وكلاء جدد بكلية الزراعة جامعة عين شمس    المصرية للاتصالات : الانتهاء من ربط مصر والأردن من خلال الكابل البحري للاتصالات عالي السعة "كورال بريدج"    تشمل 21 مستشفى.. تعرف على خطة "الصحة" للتوسع في خدمات زراعة الأسنان    هل يجوز سؤال الوالدين عن رضاهم عنا؟.. أمين الفتوى يجيب    القاهرة الإخبارية: مصر ترسل قافلة المساعدات الإنسانية العشرين إلى قطاع غزة    وصول قيادات الجامعات لافتتاح معرض التعليم العالي بمكتبة الإسكندرية |صور    كامل الوزير يتفقد المجمع المتكامل لإدارة المخلفات بالعاشر من رمضان    دعاء الفجر| اللهم اجعل هذا الفجر فرجًا لكل صابر وشفاءً لكل مريض    أذكار الصباح اليوم الخميس.. حصن يومك بالذكر والدعاء    نجم الأهلي السابق: عمر الساعي كان «ضحية» كولر.. وأتمنى انضمامه للمنتخب    توقعات الأبراج حظك اليوم الخميس 21-8-2025.. «الثور» أمام أرباح تتجاوز التوقعات    الإسماعيلي يتقدم باحتجاج رسمى ضد طاقم تحكيم لقاء الاتحاد السكندرى    الجنائية الدولية: العقوبات الأمريكية هجوم صارخ على استقلالنا    "تجارة أعضاء وتشريح جثة وأدلة طبية".. القصة الكاملة وآخر مستجدات قضية اللاعب إبراهيم شيكا    بعد التحقيق معها.. "المهن التمثيلية" تحيل بدرية طلبة لمجلس تأديب    بعد معاناة مع السرطان.. وفاة القاضي الأمريكي "الرحيم" فرانك كابريو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاحتجاجات المسماة بالفئوية هي جزء لا يتجزأ من الثورة لبناء الديمقراطية من أسفل
نشر في الأهالي يوم 02 - 11 - 2011

يعرف الجميع أن حكامنا الحاليين وحلفاءهم الجدد (أي منذ الثورة) قد اخترعوا للتظاهر والاعتصام والإضراب التي هي حقوق دستورية للمواطنين تسمية جديدة هي "الاحتجاجات الفئوية" وذلك عندما تجري ممارسة هذه الوسائل النضالية في مواقع العمل (في مصنع أو شركة مثلا)، أو في فرع من فروع الإنتاج أو الخدمات، أو في مهنة من المهن لكل المهنة أو جزء منها أو موقع من مواقعها (المعلمون، المهندسون، الأطباء، المحامون، إلخ.)، أو في موقع أو مواقع إعلامية، أو في كلية أو جامعة، إلخ...
وكان اختراع التسمية مصحوبًا بتجريمها بقانون من قوانين المجلس الأعلي ينص علي عقوبات مشددة لم يسبق لها مثيل. وترافق مع التسمية والتجريم سيل متواصل من الدعاية المحمومة ضد ممارسة هذه الحقوق التي اعتبروها جرائم. وفي جوقة واحدة قام بالترويج للقانون وعقوباته، وبالهجوم الضاري علي كل من تسوِّل له نفسه ممارسة هذه الحقوق الدستورية، ليس المجلس العسكري فقط، وليس حكومته "العسكرية" فقط، بل كل أركان النظام الذي ثار الشعب ضده. وما هي أركان النظام؟ هي بالطبع الطبقة الرأسمالية الكبيرة بكل رجال أعمالها وشركاتها وبكل ممثليها السياسيين أي المجلس العسكري وأحزاب الإسلام السياسي الكبيرة والأحزاب الليبرالية الكبيرة وبالطبع "أحزاب" الحزب الوطني ولكنْ أيضا رجال الحزب الوطني الذين يسيطرون علي مفاتيح الإدارة والاقتصاد وبالتالي السياسة في البلاد. ولهذا ظلوا يتسابقون جميعا علي إدانة الاحتجاجات والتظاهرات والاعتصامات والإضرابات المسماة جميعا بالاحتجاجات الفئوية. ولم يكن الإسلام السياسي الإخواني أو السلفي أقل ترويجا لهذه الدعاية السوداء، ضد هذه الاحتجاجات السلمية ضد رأس المال وضد الإدارة وضد القيادات النقابية وضد قيادات المؤسسات الإعلامية والتعليمية والجامعية.
تحالف طبقي
ومن المنطقي بطبيعة الحال أن يقابل رجال وأحزاب وأركان الطبقة المالكة هذه الاحتجاجات المسماة بالفئوية بكل هذا العداء والكراهية وحملات التشويه والافتراء لأسباب عديدة أولها: التركيز المطلوب لتصفية الثورة بإسكات مطالب الشعب بالوعود للتفرُّغ للمؤامرة الكبري التي خطط لها وينفذها المجلس وأحزاب الطبقة المالكة تلك التي في الحكم وتلك التي في المعارضة. وبالطبع فإن تحقيق المطالب المتعلقة بالأجور وتحسين شروط العمل والرعاية الصحية وإصلاح التعليم وتطهير مختلف المؤسسات من الفساد والمفسدين ومن الاستبداد والمستبدين إنما سيكون خصمًا علي أرباح وسرقات هذه الشركات وحدًّا من فسادها فلا عجب أن تقوم قيامة رجالها وأحزابها ضد كل تظاهر أو اعتصام أو إضراب أو أي احتجاج من أي نوع في مواقع الإنتاج وغيرها. وبالطبع فإن هذه الوسائل النضالية تعطِّل الإنتاج وبالتالي تهدِّد بانخفاض أرباح ودخول شركات القطاعين الخاص والعام فمن المنطقي أن تُحاربها هذه الأحزاب لأنها جميعا أحزاب تمثل الطبقة المالكة بمختلف قطاعاتها فشركات الطبقة المالكة إنما يملكها رجال أعمال من الحزب الوطني والإخوان المسلمين والسلفيين والليبراليين اليمينيين بأحزابهم القديمة والجديدة كما يملكها أيضا عسكريون.
الجوع بكل صوره
ورغم اختصاص هذه النضالات بلقب الفئوية فإن الحجة المستخدمة ضدها هي نفس الحجة المستخدمة ضد تظاهرات واعتصامات وإضرابات وكل احتجاجات الميادين والساحات والشوارع والهواء الطلق وهي حجة تعطيل الحياة الطبيعية والإنتاج في وقت يعاني فيه اقتصاد البلاد من العواقب الوخيمة المزعومة للثورة مع أنها أوضاع اقتصادية مزمنة من الناحية الأساسية. وهذا القلب الفظيع الوقح للحقائق يخْفِي واقع أن حكامنا أمس في عهد مبارك واليوم في عهد المجلس العسكري هم الذين يعطلون الإنتاج والحياة الطبيعية وكل شيء وذلك لسبب بسيط للغاية: انفجر الشعب في ثورة لأن الحياة غير الطبيعية السابقة لم تكن قابلة للاستمرار وبالتالي كانت للشعب مطالب لا مناص من تحقيقها في سبيل حياة كريمة وكان لا مناص بالتالي من مواجهة تاريخية للفساد والاستبداد. فهل يعقل إنسان أن الثورة كانت ستظل تعطل الحياة الطبيعية والإنتاج لو تحققت مطالب الثورة الأكثر أساسية والأكثر إلحاحا؟ بالعكس كانت قوي الثورة ستتجه إلي إعادة بناء البلاد والاقتصاد والإنتاج كما لم يحدث من قبل بدلا من الاضطرار إلي تعطيلها.
والحقيقة أن النظام السابق هو الذي عطل الحياة الطبيعية والإنتاج وكل تقدم للبلاد عندما قام ليس فقط بحراسة تصفية الحياة السياسية بل قام كذلك بتجريف الاقتصاد، بالجشع المدمر واللصوصية الفاحشة بحيث امتصَّتْ الثروات الضخمة التي تراكمت بوسائل اللصوصية والفساد كل مقدرات البلاد تاركة الطبقات الشعبية في المدينة والريف محرومة من وسائل العيش تعاني الحرمان علي كل المستويات فتعيش في المقابر والعشوائيات والعشش والخيام وتحت مستوي الفقر فاقدة كل أساس للحياة الكريمة، تفتك بها آفات الفقر والجهل والمرض؛ تفتك بها الأوبئة الواسعة الانتشار (مثلا، وباء فيروسات الكبد) في سياق لامبالاة مفزعة من جانب الدولة؛ ويفتك بعقلها نظام تعليمي فاسد من الألف إلي الياء، ويفتك بها الجوع إلي الطعام، والجوع إلي السكن وحتي إلي أبسط مأوي، والجوع إلي الأرض وحتي إلي قراريط لتأمين لقمة العيش، والجوع إلي الأمن في بلد تضخمت فيه قوي الأمن عددا وعدة لتصل إلي أرقام مطلقة مفزعة وإلي نسبة مفزعة من إجمالي عدد السكان بحساب أفرادها مع أُسَرهم، والجوع بالتالي إلي الكرامة الإنسانية حتي في أبسط صورها.
وقد انفجر الشعب في ثورة سياسية شاملة لتغيير هذه الحياة هنا والآن، فخرج حاملا الرأس علي الكف، وحاملا الكفن رمزا أو فعلا كما حدث في بعض الحالات (لا ينبغي أن ننسي السويس). وعندما واجه النظام الحاكم الثورة بانقلاب عسكري قاده المجلس الأعلي للقوات المسلحة المصرية، وهو انقلاب قصر، أي من داخل النظام لحمايته وليس لحماية الثورة أو الشعب رغم الدعاوي العريضة، وجدت طبقات الشعب وفئاته جميعا أن حياتهم لم تتغير ولم تتحسَّن بل بقيت كما كانت وربما أسوأ مما كانت لم يكن أمامها سوي النضال بكل الوسائل المشروعة التي يقرِّها الدستور الذي قام المجلس بتعطيله ليكون هو نفسه مناط مرجعية التشريع والتنفيذ والقضاء من خلال المحاكم العسكرية. فمن الذي يعطل الحياة الطبيعية والإنتاج: مبارك الذي أوصل الشعب إلي الانفجار الثوري بعد تجريف كل أساس اقتصادي لحياته، والمجلس العسكري الذي لا يعرف حلا لأي مشكلة سوي الحل الأمني في شكله العسكري المباشر دون أن يصغي لمطالب الطبقات الشعبية الفقيرة، أم الشعب الموبوء بحكامه أمس واليوم، حكامه القدامي والجدد الذين هم رجال القدامي، هذا الشعب الذي لم يعُدْ يستطيع صبرا علي بؤسه المقيم؟ أجيبونا بالله عليكم: مَنْ الذي يعطل الإنتاج والحياة الطبيعية بدلا من تحريك عجلتهما عن طريق تحقيق مطالب لا سبيل إلي تأجيلها؟!
الإفلات من العقاب
ولكن جعبتهم مليئة بالسِّهام والحجج والذرائع! سيقولون بل يقولون بالفعل إن مطالب الشعب بكل فئاته قد تكون مشروعة وعادلة؛ ولكنْ من أين نأتي بتمويل كل هذه المطالب في وقت يشهد خسائر اقتصادية بسبب الثورة وخسائرها (ولاحظوا أن مطالب الشعب سابقة علي الثورة بزمن طويل ولم يستجيبوا لها قبل كارثة الخسائر المزعومة للثورة!)؟ وهي حجة قوية بالفعل إذا سلَّمنا بإصرارهم علي استمرار مبدأ أقصي الربح لشركاتهم علي حساب العاملين فيها، وإذا تغافلنا عن الهوة الرهيبة بين دخول الحد الأقصي ودخول الحد الأدني حتي في الحكومة، وإذا نسينا أنهم تركوا لصوص النظام من مبارك فنازلا يهرِّبون أموالهم ويرتبون أوضاعهم ويفرمون وثائق تكشفهم وتُدينهم فأخرجوا من البلاد أموالا كانت يمكن أن تفي بكل المطالب، وإذا نسينا أنهم وقفوا موقف اللامبالاة إزاء استرداد أموال هؤلاء اللصوص في الخارج (في سويسرا وغير سويسرا) وكانت هناك وسائل لاستخلاص تلك الأموال بإجبار هؤلاء اللصوص علي سحب أموالهم النقدية والعقارية وغيرها من الخارج والداخل "بأنفسهم" لحساب خزانة الدولة. ويمكن أن يقولوا: إذنْ حدث ما حدث و"احنا ولاد النهارده" ولم تَعُدْ لدينا قدرة علي تمويل كل هذه المطالب، فلنقلْ لهم: إذنْ اذهبوا إلي الجحيم، ارحلوا، وسنري ماذا يمكن أن نفعل بأنفسنا بدونكم! ولنلاحظْ أنهم لا يمتنعون عن الاستجابة للمطالبة التي تحتاج إلي أموال فقط بل عن كل مطالب الشعب التي لا تكلفهم أي مال مثل توسيع نطاق المحاسبة والمحاكمة ليشمل كل الفاسدين والمفسدين واللصوص وقتلة الشعب، أو عزل كوادر الحزب الوطني علي نطاق أوسع من النطاق الهزلي الذي يجري الحديث عنه الآن، أو الإفراج عن آلاف المعتقلين من الثوار، كما يمتنعون عن اتخاذ قرارات والقيام بإجراءات تجلب للدولة أموالا طائلة عن طريق استرداد الدولة لممتلكاتها التي جري نهبها "بتراب الفلوس". فالأساس هو اتخاذ موقف صارم ضد الثورة وضد جرّ الشعب إلي مصيدة الانتخابات البرلمانية والرئاسية، بل محاصرة الثورة بالهجوم المتواصل عليها وعلي مبادراتها وأنشطتها ونضالاتها وتظاهراتها واعتصاماتها وإضراباتها واحتجاجاتها المسماة بالفئوية، وتسليط أسلحة الأمن والجيش والبلطجية والفتنة الطائفية والإعلام والدعاية العدوانية المنسَّقة وغير ذلك عليها.
تمهيدا للثورة
علي أن رفض "الاحتجاجات الفئوية"، المؤثَّمة قانونًا بوصفها تخريبا، لم يقتصر علي رجال الطبقة الحاكمة ونظامها وأحزابها، بل امتد إلي بعض قوي الثورة المخلصة وتيارات وحركات شباب الثورة، باعتقاد أن هذه المبادرات النضالية الفئوية تأتي خَصْمًا علي التجمُّع الأوسع في ميادين التحرير للتظاهر والاعتصام والإضراب والاحتجاج، بمعني أن الناس سيذهبون إلي احتجاجات المواقع من مصانع أو غيرها بدلا من الذهاب إلي الميدان. والحقيقة أن هذه الأشكال النضالية لا تستبعد بعضها البعض، وأولئك الذين يقومون بهذه الاحتجاجات المدموغة بالفئوية اليوم هم الذين كانوا جاهزين للانطلاق إلي كل ميادين التحرير في مصر بالأمس، وهم جاهزون كلما دعت الضرورة لنفس الشيء، وهل كانت مظاهرات واعتصامات 8 يوليو البالغة الأهمية خالية من أولئك الذين يشاركون في "الاحتجاجات الفئوية"؟ وهل كانت مظاهرات 9/9 البالغة الأهمية أيضا من حيث الاستقلال الوطني خالية منهم؟ وهل يجوز أن ننسي دور "الاحتجاجات الفئوية" في التمهيد لثورة 25 يناير ككل خلال الأعوام السابقة؟
متحضرون .. نعم
وهناك نقطة مهمة لا مناص من الوقوف عندها لصلتها الشديدة بهذه الاحتجاجات الملقبة بالفئوية. ففي محاولة مفهومة تماما لاستبعاد فكرة أن تكون الثورة المصرية السياسية الشعبية الكبري ثورة جوعي ولتأكيد أنها ثورة حضارية لشعب متحضر تكنس مكان مظاهراتها واعتصاماتها، كان هناك تصوُّر للثورة يجعل منها ثورة "رومانسية" خالصة تدور حول محاور الحرية والديمقراطية والشفافية ورفض الاستبداد وكل ما أشبه ذلك. وصحيح أن الثورة كانت من جانب الشعب حضارية بامتياز، وكانت الثورة المضادة من جانب النظام بربرية بصورة مطلقة تلجأ إلي القتل بالجملة وترويع السكان وإطلاق يد البلطجية وتنظيم موقعة الجمل والتغاضي عن الاعتداء علي المسيحيين ودور عبادتهم ومؤخرا مذبحة ماسپيرو التي استشهد وجُرح فيها عدد هائل من المسيحيين. غير أن السكوت علي المظالم المادية والمطالب المعيشية وعدم الثورة من أجلها والاستكانة لضغوطها الساحقة بلا احتجاج ليست من الحضارة في شيء بل هي أحوال من البؤس المستكين. وكان شعبنا في ثورته بريئا من هذا البؤس المستكين بل كانت ثورته صرخة مدوية ضد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية. ومن السذاجة أن ندمج دوافع مختلف القوي الشعبية المشاركة في مجموعة من الدوافع المعادية للاستبداد والمطالبة بالحرية. وربما كانت هذه الأشياء في المحل الأول دوافع الشباب والمثقفين وأقسام من النخب السياسية الذين مثلت حركتهم شرارة الثورة وليس الثورة ذاتها، وبالطبع مع دوافع ومطالب وشعارات تتعلق بالأوضاع الاقتصادية المتردية للشعب من بطالة واسعة وغلاء فاحش وأجور بالغة التدني وغير ذلك. غير أن احتجاجات25 يناير التي فجرت الثورة لم تتحوَّل إلي ثورة شعبية كبري إلا بنزول عشرات الملايين من أبناء الشعب المصري أي كل السكان تقريبا باعتبار "التناوب" في المظاهرات وباعتبار أن مَنْ كانوا في المنازل كانوا بمعظمهم من أسر أولئك الذين كانوا في الميدان.
اليمقراطية من أسفل
ومن السذاجة أن نعتبر أن التطلع إلي الحرية والديمقراطية وما إلي ذلك كان الدافع الأقوي لدي شعب غير مُسيس. ولا يمكن أن ينكر أحد أن الشعب المصري يعاني الفقر المدقع الذي يتجسَّد في الجوع المركَّب إلي الطعام والكساء والمأوي والرعاية الصحية والحياة الكريمة ولهذا فلا مجال للتظاهر بنفي أن هذه الدوافع جميعا كانت حاضرة في الثورة بكل مراحلها. وكانت تتخذ شكل التظاهر في الميادين أحيانا وفي التظاهر والاعتصام والإضراب في المواقع "الفئوية" أحيانا أخري. ولأن الثورة هي مجموع أشكالها ومبادراتها فإن كل جزء منها من صميم الثورة. وإذا اتفقنا علي أن الدوافع والأهداف والتطلعات المتعلقة بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية كانت حاضرة في الثورة وكانت من صميم الثورة كما أنها لم تتحقق فلا مناص من أن نستنتج أن الأشكال الإضرابية لهذه الاحتجاجات الموصوفة بالفئوية هي الثورة إلي جانب كل شكل آخر، وأن مستويات معيشة لائقة بالبشر لن تتحقق لطبقاتنا الشعبية إلا بالثورة في هذا الشكل الموصوم زورا وبهتانا بالفئوية. أيها السادة: الثورة هي مجموع المبادرات الكبيرة والصغيرة، في مواقع العمل ومجال المهنة كما في الميادين، في تجمُّعات كل الفئات والطبقات الشعبية بمختلف القطاعات الاقتصادية في الميادين العامة في احتجاجات تتناول كل ما هو مشترك بين كل "فئات الشعب" من مطالب وأهداف عامة تتناول الدولة والنظام والحريات والمساواة والعدالة ومستويات المعيشة، وكذلك في مختلف المواقع التي تتوزع عليها طبقات الشعب في سبيل تحقيق المطالب الرئيسية لهذه الفئة أو تلك أو في هذا المصنع أو ذاك. وباختصار فإن الإضراب في مصنع أو فرع من فروع الصناعة، في كلية أو جامعة، ثورة تماما مثل ثورات الميادين. ومن المهم جدا أن ننتبه إلي أن الثورة "الفئوية" هذه لن تهدأ بل من المتوقع أن يتسع نطاقها لأنها في كل الأحوال سلاح تطوير مستويات المعيشة جنبا إلي جنب مع تطور الديمقراطية من أسفل التي ستناضل من أجل حمايتها وتطويرها بصورة متواصلة، هذه الديمقراطية من أسفل التي ستتخذ أشكال النقابات العمالية والمهنية والأحزاب السياسية والصحافة الحرة والقضاء المستقل واتحادات المستهلكين وغير ذلك. ولأن كل أركان النظام تعمل علي تصفية الثورة فقد وقفت قوي الثورة المضادة صفًّا واحدا لكسر الإضراب عند كل مبادرة كما فعل الإخوان والسلفيون وغيرهم ضمن هذه القوي وليس المجلس العسكري وحده، لأنها جميعا تمثل مصالح اقتصادية وسياسية للطبقة المالكة والتي لا يمكن أن توصف بالطبقة الحاكمة إلا في سياق حكم الشخص وأسرته والحلقة الضيقة من رجاله المقربين. ويبقي النضال في الميدان والمصنع، في التجمعات الشعبية العامة الكبري وكذلك في سياق الاحتجاجات المسماة بالفئوية، طريقنا الشاق إلي ديمقراطية من أسفل تفرض معادلة جديدة لإدارة الدولة والاقتصاد ولحرية المجتمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.