خصم شعوب أرض الإسلام والعالم، وعدو حقوق الإنسان ومبدأ أردوغان الحكيم : " ضرورة مصالحة الإسلام مع الحرية، الديمقراطية والعلمانية " ( أنظر رسالتي إلي أوردغان : قُدْ مشروع مصالحة الإسلام والعلمانية )، هو اليوم أقصي اليمين الإسلامي الحاكم في إيران والسودان والذي يتأهب للحكم في تونس ومصر وليبيا ... فما العمل ؟ وصيتي السياسية هي: دعوه يحكم طالما أن غالبية الجماهير ، التي عبأها البؤس وغسلت البروباغندا الدينية أدمغتها، تريد ذلك، وطالما أن النخب عجزت عن إصلاح الإسلام بفصل الدين عن الدولة، وإلغاء تدريس الشريعة والعمل بها، وإلغاء تدريس الجهاد وثقافة الاستشهاد والكراهية، وفي المقابل، دراسة الإسلام وتدريسه بعلوم الأديان. هكذا، فابتزاز الإسلاميين المتطرفين للجماهير، باسم الدفاع عن حقوق الله علي حساب حقوق الإنسان ، يجد اليوم آذانا صاغية. إذن يبدو أن التاريخ حكم علينا بألا نتجاوز أقصي اليمين الإسلامي إلا بعد تجربته في اللحم الحي، لننتقل بعدها إلي النموذج التركي : " مصالحة الإسلام مع الحرية والديمقراطية والعلمانية ". وكما قال هيغل : " لا ولادة عظيمة دون ألم ". علّمنا التاريخ إلي الآن أنه بإمكان الإرادوية volontarisme إبطاء اتجاه تاريخي جارف، ولكنها لا تستطيع القضاء عليه. استطاعت إرادوية قادة الثورة الروسية في سنة 1917 إبطاء الاتجاه التاريخي إلي تنمية رأسمالية حديثة في روسيا. استولي الحزب الشيوعي علي الحكم لبناء الاشتراكية في روسيا بما هي الحلقة الأضعف في الرأسمالية العالمية ،وتاليا فكسرها سهل لتكون منارة للثورة الاشتراكية العالمية، لكن الاتجاه التاريخي في هذا البلد كان إلي تنمية رأسمالية حديثة وليس إلي ثورة اشتراكية. كبحت إرادويتهم هذا الاتجاه إلي الرأسمالية 7عقود لكنه انتصر أخيرا في سنة 1990. بالمثل أرادت السلطوية في إيران والعالم العربي، الموعودين بالحكومة الدينية علي أنقاض حكومة العلمانية الإسلامية، قطع الطريق علي الدولة الدينية، لكن الاتجاه إلي الدولة الدينية ما لبث أن انتصر في إيران سنة 1979.وقد استطاعت ثورة 1952 في مصر و 7 نوفمبر 1987 في تونس كبت الاتجاه إلي الحكومة الدينية في مصر 6 عقود وفي تونس 23 عاما ، لكن ها هو التاريخ يتأهب لاستئناف مساره في البلدين باتجاه عودة المكبوت. لماذا ؟ لأن الإرادوية بما هي ادعاء مزدوج : ادعاء معرفة المستقبل وادعاء القدرة علي تحقيقه حتي بالقوة ، تقف عاجزة أمام اتجاهات التاريخ وقوانينه التي لا تُصد ولا تُرد. لكن لا شك أن أقصي اليمين الإسلامي السياسي تضرر من تأخير ظهوره في موعده في مصر وتونس، مما جعله يصل إلي إمكانية حكم هذين البلدين في شروط تاريخية معادية داخليا وخارجيا. داخليا : الاتجاه الحداثي ( = الليبرالي، الديمقراطي والعلماني ) المضاد لاتجاه أقصي اليمين الإسلامي ترسَّخ وتغلغلت قيمه بسرعة في قطاع عريض من السكان، مازال ليس سائدا ولكنه موعود، في دينامية تطور الحداثة العالمية ، بالسيادة .عوامل متضافرة تناضل لصالح هذا التيار : ثورة الاتصالات التي جعلت كل شيء يري وكل شيء يسمع لحظة حدوثه؛ التغلغل المتسارع لقيم الحداثة العالمية ونمط حياتها في رؤوس الشباب خاصة المتعلم، ووعي الأقليات القومية بضرورة المطالبة الملحة بالديمقراطية ، ووعي الأقليات الدينية بضرورة المطالبة بالعلمانية، ووعي قطاع عريض من النساء بضرورة المطالبة بالمساواة في جميع حقوق المواطنة الكاملة بين الرجل والمرأة بما في ذلك المساواة بينهما في الشهادة والإرث ، وفي الشراكة في رئاسة العائلة، علي حساب قوامية الرجال علي النساء- هذه الشراكة التي أصبحت أمراً واقعاً في تونس بقانون 1993- وفي الشراكة في إدارة مؤسسات الدولة من أدني الهرم إلي قمته : رئاسة الدولة. وهكذا غدت العلمانية هي مفتاح العلاقة الرشيدة للدولة مع مجتمعها ، وأيضا مع المجتمع الدولي. خارجيا : عولمت العولمة المشاكل الكبري وعولمت امكانية حلولها. وهكذا فرضت علي الجميع التعاون الدولي لمواجهة التحديات المشتركة، التي تتحدي البشرية تحدي البقاء أو الفناء ، مثل الكارثة الإيكولوجية المتوقعة، والكارثة المالية والاقتصادية التي تدق علي الباب ، وكوارث الأوبئة والحروب الأهلية والإقليمية المحتملة. والحال أن عقيدة أقصي اليمين السياسي الإسلامي الدينية - السياسية التي تقسم العالم إلي دار الإسلام ودار الحرب جاعلة التعاون الدولي الحتمي أحد نواقض الإيمان، وأخيرا وحدت العولمة الاقتصاديات القومية في اقتصاد عالمي واحد، وكل اقتصاد ينعزل يختنق : كوريا الشمالية وإيران نموذجا؛ ظهور النموذج الإسلامي التركي في 2002 الذي لخصه الناطق باسمه ، رجب طيب أوردغان ، في ندائه لأقصي اليمين الإسلامي المصري والتونسي إلي " ضرورة مصالحة الإسلام مع الحرية والديمقراطية والعلمانية " ؛ النموذج الإسلامي التركي الانفتاحي يتطلب الاندماج في العالم الذي نعيش فيه، ضدا علي نموذج أقصي اليمين الإسلامي الشيعي والسني المنغلق الذي ينادي بالقطيعة مع العالم الذي نعيش فيه. بدأ النموذج التركي ينافس النموذج الإيراني منتزعا منه شباب الحركات الإسلامية؛ وها هو بعد زيارة أوردغان إلي مصر وتونس وليبيا يسري سريان النار في الهشيم بين شباب أقصي اليمين الإسلامي التونسي والمصري والليبي ... وسط الإسلام النموذج التركي المنفتح هو نموذج وسط الإسلام المنادي بضرورة الدولة العلمانية في أرض الإسلام. فهو إذن متناغم مع اتجاه التاريخ. في عصر العولمة : فقط حكومتان قابلتان للحياة في العالم الذي نعيش فيه : حكومة وسط اليمين وحكومة وسط اليسار اللتان تتداولان علي الحكم فيه وتصنعان قرارهما بمؤسسات ديمقراطية شفافة.إذن بلا مفاجآت غير سارة للدبلوماسية الدولية، إذ أنها تستطيع الاطلاع أولا بأول علي مسار صناعته في الشفافية؛ فضلا عن أن صناعة القرار بالكمبيوتر جعلت برامج أحزاب وسط اليمين ووسط اليسار متشابهة، مما جعل التداول بينها علي الحكم عملية روتينية لا تتطلب تزوير الانتخابات ولا العنف السياسي ، كما هو الحال في البلدان القليلة التي مازالت فيها الأحزاب السياسية مختلفة جدا عن بعضها في الأهداف والبرامج ، لأنها إما في أقصي اليمين أو في أقصي اليسار الهاذيين غالبا، كما ستواجه حكومات أقصي اليمين الإسلامي القمعية رأيا عاما عالميا حساسا جدا بانتهاك حقوق الإنسان، ودبلوماسية دولية كثيرا ما تتجاوب مع اتجاهات رأيها العام بفرض سلسلة من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية علي الحكومات المنتهكة لدين حقوق الإنسان العلماني الكوني قد تصل أحياناً إلي التدخل العسكري؛ الأزمة المالية الاقتصادية العالمية ، الحبلي بشتي المخاطر، عادت الآن جاعلة من إمكانية عودة النمو الاقتصادي إلي البلدان العربية المنكوبة ، مثل مصر وتونس وليبيا في المدي المنظور، مستبعدة. إذن سيواجه أقصي اليمين السياسي الإسلامي الاحتجاجات الشعبية المتوقعة بالقمع الدموي كعادته، مما يعني عزلته في الداخل والخارج وقد يسرِّع سقوطه. وهذا سبب إضافي يجعل مشاركة الأحزاب الحداثية والوسطية الإسلامية لأقصي اليمين السياسي الإسلامي في الحكم تواطؤاً معه علي جرائمه ضد الفقراء والنساء والشباب والمثقفين النقديين. من الحكمة إذن ترك أقصي اليمين الإسلامي يحكم. لكن بشرط أن يحكم وحده مع حلفائه وعملائه الذين اشتراهم بالبترودولارات التي تتدفق عليه بسخاء. أما أحزاب الكتلة التاريخية الحداثية ، والوسطية الإسلامية والشخصيات المستقلة حقاً، فعليها إذن أن لا تتورط في مشاركته في تحمل مسئولية فشله المرجح. في هذه الأزمان الحاسمة، السؤال الذي علي كل تونسي ومصري وليبي... أن يطرحه علي نفسه قبل اتخاذ قرار مشاركة أقصي اليمين الإسلامي في حكومة ائتلافية يرأسها أو يستطيع شلَّ قرارها إذا كان أقلية فيها : أي بلد سأتركه بعدي لمن أحبهم أكثر من كل شيء : أطفالي ؟