من الذي يركب العفريت.. ومن الذي يركبه العفريت، وما هو يا تري ثمن فك الاشتباك بين العفريت ومن ركبه.. يقولون إن الإنسان إذا اعترف بنفسه وأقر بذنبه أراح ضميره وسقط عنه الإحساس بوطأة الذنب.. لو كان الأمر كذلك لسهلت عملية فك الاشتباك بين العفاريت ومن ركبتهم العفاريت.. لكن يبدو أن المشكلة تكمن في أن الاعتراف يتطلب حتما أن يسبقه إدراك!! ظهر المدير التنفيذي لأكبر شركات السمسرة وإدارة صناديق الأوراق المالية علي شاشة التليفزيون في محاولة لإثبات أمور عدة ربما يأتي علي رأسها.. 1- أن حصة جمال مبارك في الشركة كانت ضئيلة وبلا أي تأثير. 2- أن تأسيس الشركات في الملاذات الآمنة ليس عيبا، المهم الشخص. 3- أنه كان طالبا نابغا. أستأذن القارئ الكريم في أن أعكس الترتيب احتراما للعفريت، فمع أن أحدا لم يشكك في أي من مؤهلات تبرر صعوده وتربعه علي عرش مالي مهول، أصر علي أن يرص مؤهلاته مكتفيا بسرد المؤهلات الدراسية مغفلا كل ماعدا ذلك، وهو كذلك، ليس لنا أن نشكك في أن الحصول علي 95% في الثانوية العامة كان شيئا نادرا في عام حصوله عليها، كما أننا لن نشكك في أن حصوله علي درجة الامتياز في تسع مواد كان شيئا غير مسبوق في كليته وأنه عمل كمعيد في الكلية لمدة عامين وانتقل بعدها للعمل في بنك دولي ذي شأن، قد يكون هذا الكلام مبهرا إذا ألقي علي جمهور أجنبي أما جماهير المصريين الذين خرجوا إلي الشوارع يصرخون «عيش، حرية، كرامة إنسانية» فبينهم ألوف سددوا كل خانات الامتياز ومع ذلك لم يجدوا أي فرصة عمل تكفل لهم الحد الأدني من العيش اللازم بكرامة الإنسان، وقد كرر الإشارة إلي الصورة التي التقطت له فيما قيل إنه طابور الداخلين إلي ميدان التحرير فكرر البرنامج عرضها أثناء حديثه فهل قصد الأستاذ حسن هيكل أن هذا الظهور في الميدان كفيل بإلغاء كل الفروق بينه وبين الثوار خاصة منهم من تخرجوا بامتياز وإن كانوا بلا عمل، أم أن صورته التي قُصد ربطها بالميدان هي جزء من سيناريو تبديل الأدوار ولقد حرص علي أن يظهر في البرنامج أن له آراء في الاقتصاد، لكنه للأسف نطق بما يؤكد الصورة الأصلية، صورة رجل المال الذي لم يسمع عن قيمة العمل في حياة الأفراد والشعوب، لذلك ركز علي أهمية توفير إعانة البطالة وكأن الثورة قامت في بلادنا كما في بلاد الغرب من أجل الحق في إعانة وليس الحق في العمل. أشار المذيع إلي أن الشركة المالية العملاقة أسست off shore يعني خارج البلاد، فرد الأستاذ حسن هيكل بأن هذا ليس فيه أي شيء، «ألم يؤسس نجيب ساويرس ONTV في ال off shore، مش مهم ال off shore المهم الشخص» وسكت المذيع عن التعليق، لكننا لا نستطيع السكوت عن طرح السؤال: هل بهذه البساطة يمكن إسقاط العلاقة المباشرة بين الملاذات الآمنة وبين تراجع ما تنفقه الحكومات علي مشروعات الخدمة العامة من تعليم إلي صحة إلي إسكان إلي مشروعات إنتاجية تكفي لتشغيل كل العاطلين، وهل لنا أن نغفل النمو الشيطاني للملاذات الآمنة، تلك التي يقطع المتخصصون في دراستها بأن الدول النامية تفقد سنويا مئات ألوف المليارات من الدولارات تكفي لسداد كل ديونها وتشغيل جميع أبنائها إذا توقف حكامها وكبار الرأسماليين فيها عن الاستثمار off shore حيث لا ضرائب، وهل يمكن أن نفترض أن القناة التليفزيونية كانت تدرك كل ذلك حين قدمت ثلاث حلقات في تحليل الفساد المالي لجمال مبارك ثم خصصت حلقة كاملة للسيد حسن هيكل يمسح شريط الذاكرة ويؤكد أن الاستثمار في ال off shore ليس عليه غبار. قد يصعب علينا - الآن علي الأقل - أن نحصل علي قائمة بأسماء كل من لهم استثمارات في الملاذات التي تخفيهم عن عيون الضرائب لكن أليس التشابك في مصالحهم هو الذي أدخلهم سوق الاستثمار في القنوات الفضائية والإصدارات الصحفية، ذلك لأنها الكفيلة بتبديل الأقنعة والأدوار، ويبدو أنها في بلادنا يحذون حذو أقرانهم الأمريكان والذين أشرت إليهم في مقال سابق هؤلاء الذين أنفقوا أربعة مليارات من الدولارات علي التليفزيون والصحافة للتحكم في نتائج انتخابات 2010!! ضرب السيد حسن هيكل رقما قياسيا في النطق بكلمة «عفوا» واعترف أن المشرف العام للقناة نصحه بأن يخفف من «عفوا» إلا أن عفوا غلبت الاثنين. هناك خبراء مشهود لهم بالتفوق في رسم الصورة وتبديل الأقنعة.. لكن.. ربما يكون الخبراء في صرف العفاريت ناقصين في السوق.