وزير التعليم العالي يترأس اجتماع الاتحاد الرياضي للجامعات بحضور صبحي    دعم الأمن والاستقرار بالمنطقة    حقيقة حظر الاستعانة بالمحالين للمعاش للعمل بالجهاز الإداري للدولة    نموذج لشراكة الدولة والمجتمع المدنى    نقيب العلوم الصحية: خبراء الأشعة المصريون فى ألمانيا «أون لاين»    وزير الري: مياه النيل قضية أمن قومي ولن نفرط في قطرة مياه واحدة    السفارات المصرية في 18 دولة تفتح أبوابها لاستقبال الناخبين في انتخابات مجلس النواب    اليوم| بدء صرف مرتبات العاملين بالدولة لشهر ديسمبر 2025    سعر الدولار اليوم الأربعاء 24 ديسمبر 2025    أسعار الذهب تتجاوز مستوى 4500 دولار لأول مرة    بزيادة 27% عن 2025| تركيا تقرر رفع الحد الأدنى للأجور الشهرية    حصاد 2025، تطور الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وباريس بقيادة السيسي وماكرون    دبابات الاحتلال الإسرائيلي وآلياته تطلق النار بكثافة صوب منطقة المواصي جنوب غزة    «السخيري»: الفوز الافتتاحي كان ضروريًا.. والهدف المئوي يحمل قيمة خاصة    كأس عاصمة مصر، صراع بين فاركو وإنبى للانفراد بقمة مجموعة الأهلي    أملنا كبير    أمم أفريقيا 2025| التشكيل المتوقع للسودان أمام محاربي الصحراء    وزير العمل: صرف 200 ألف جنيه لأسرة المتوفى و20 ألفًا للمصاب بحادث طريق الواحات    التحقيقات تكشف سبب انهيار عقار جزئيًا في الزاوية الحمراء    «السكة الحديد» توضح ضوابط حجز تذاكر الطوارئ بالقطارات المكيفة    طقس الأربعاء 24 ديسمبر 2025.. الأرصاد تحذر من برودة شديدة وشبورة كثيفة صباحًا    وفاة الفنان طارق الأمير بعد صراع مع المرض    رئيس دولة التلاوة    محمد إمام يكشف كواليس مشهد عرضه للخطر في «الكينج»    طريقة عمل شوربة العدس الأحمر بجوز الهند والزنجبيل    حماية بكرامة    بدون أدوية| كيف تقلل مدة نزلات البرد؟    بعد قليل، الجنايات تواصل سماع المرافعات في قضية سارة خليفة و27 متهمين آخرين    كانت بتزور جدتها.. محامي طالبة طب فاقوس بالشرقية ينفي صلتها بخلافات الميراث    محاكمة اللاعب علي غزال بتهمة النصب على رجل أعمال بالتجمع اليوم    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء والقنوات الناقلة    أسعار الأسمنت اليوم الأربعاء في محافظة الغربية    تايلاند تحدد شروطا قبل بدء محادثات الأمانة العامة للجنة الحدود مع كمبوديا اليوم    وزير الخارجية يتسلم وثائق ومستندات وخرائط تاريخية بعد ترميمها بالهيئة العامة لدار الكتب    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 24ديسمبر 2025 فى المنيا....اعرف مواقيت صلاتك بدقه    أسعار الخضروات اليوم الأربعاء 24 ديسمبر في سوق العبور للجملة    بو نجاح: مواجهة السودان صعبة.. ومن الجماهير المطالبة بالتتويج بالكأس    نظر استئناف النيابة على براءة سوزي الأردنية من التعدي على القيم الأسرية    أمريكا وإيران تتبادلان الانتقادات في الأمم المتحدة بشأن المحادثات النووية    زفاف جيجي حديد وبرادلي كوبر في 2026    8.46 مليار مشاهدة في أسبوع، رقم قياسي جديد لمسلسل Stranger Things 5    شقيقة ميسي تتعرض لحادث سير خطير في الولايات المتحدة    تفجير جديد يهز العاصمة الروسية موسكو.. وشرطيان فى حالة حرجة    قناة ON تستعد لعرض مسلسل «قسمة العدل»    بوتين يرفض أى خطط لتقسيم سوريا والانتهاكات الإسرائيلية    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأربعاء 24 ديسمبر    فيديو | «ربنا كتبلي عمر جديد».. ناجية من عقار إمبابة المنهار تروي لحظات الرعب    الصحة: نجاح عملية استبدال صمام قلب لمسن فوق 90 عاما بمبرة مصر القديمة    بالصور.. الشباب والرياضة توضح أسباب اجتماع وزير الرياضة مع مجلس إدارة الأهلي برئاسة محمود الخطيب    ارتفاع حصيلة ضحايا عدوان الاحتلال على غزة إلى 70،942 شهيدًا و171،195 مصابًا    فنزويلا: مشروع قانون يجرم مصادرة ناقلات النفط    إغلاق الأسهم الأمريكية عند مستوى قياسي جديد    رئيس شعبة المصورين: ما حدث في جنازة سمية الألفي إساءة إنسانية    فايزر تحقق في حادث خلال تجربة علاج جديد لمرضى سيولة الدم    هل أكل لحم الإبل ينقض الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    ما هو مقام المراقبة؟.. خالد الجندي يشرح طريق السالكين إلى الله    البحوث الفلكية تكشف موعد ميلاد شهر شعبان وأول أيامه فلكيا    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 23ديسمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغيطاني: خائف من دخولنا عصر الميليشيات

من علي الباب؟ أنا! اتفضل ادخل، أنت مين؟ أنا «جمال الغيطاني»! خير يا جمال؟ أريد من حضرتك نشر هذه القصة، أمسك المفكر
الراحل «محمود أمين العالم» - وكان وقتها رئيس مجلس ادارة «أخبار اليوم» - وقرأ سطورها الأولي، وقبل أن يصل إلي نهايتها قال له: يا ابني أنت بتشتغل هنا معانا؟ رد: لا، قال: تحب تشتغل؟ يا خبر أبيض يا أفندم.. ياريت، رد «العالم»: روح هات أوراقك وتعالي بكره، ثم أردف قائلا: يا جمال إنت موهوب.. واللي زيك «مينفعش» يُترك خارج «أخبار اليوم»! البلد محتاجة «المواهب» من أمثالك.
دار الزمن دورته، وأصبح «الغيطاني» أديباً وروائياً لامعاً مصرياً وعربياً، وصحفياً من العيار الثقيل، ولو أنه لم يقدم للصحافة المصرية، إلا أخبار الأدب - التي أثرت في وجداننا الوطني والثقافي - فقط، لكفاه ذلك.
مكتبه في الدور الثامن في «أخبار اليوم» بعد دقائق جلست أمامه، صور متعددة في المكتب، أبرزها، وأجملها، وأكبرها صورة ل «نجيب محفوظ» وعليها عنوان «الخروج إلي النهار» وكلما جاء اتصال تليفوني له أثناء الحوار - وما أكثرها - انظر للراحل العالمي «نجيب محفوظ».. وهو في طريقه «للنهار» كما توحي الصورة، انظر لملامح «الغيطاني» المصرية الأصيلة، ولأوراقه التي علي المكتب، وقلمه، ولبعض الحروف والكلمات أمامه، فأشعر - في ظني - أنه يريد من وراء ذلك كله خروج البلد الي النهار..
والي نص الحوار:
رمضان في طفولتك.. كيف كان يأتي؟
- أول صورة في الذاكرة، مرتبطة بالمكان، حيث كنانسكن في درب الطبلاوي، وهو درب متفرع من شارع «قصر الشوق»، وكان إحدي العلامات المهمة جداً يومها هي «لمة» الأسرة، وكانت «والدتي» رحمة الله عليها تهتم بالأكل جداً، ومتفوقة في إعداد «الكنافة» ورثت شقيقتي طريقتها في اعداد «الكنافة» وكان رمضان مرتبطاً بخرق العادة.
إزاي؟
- مثلاً كان مسموحاً بالسهر حتي منتصف الليل بالنسبة لنا ونحن أطفال.
وهل السهر كان ممنوعاً في غير رمضان؟
- طبعاً.. لأنه كان هناك اعتقاد لدي الناس بأن «العفاريت» تحبس في رمضان، وبما أن العفريت يسلسل فأنت بالتالي تستطيع اللعب والسهر براحتك وكان لكل حارة «عفاريتها».
وحارتكم كان فيها «عفريت»؟
- آه.. كان يظهر في الحارة، ومعروف والناس تخافه وتحذر منه، وكان يرتدي «زي عسكري».
وعفريت حارتكم حقيقة أم خيال؟
- فيه ناس كانت تقول إنها رأته، رؤية العين، ونحن - كأطفال - كنا نخاف الذهاب ناحية «الفرن» لأنه علي الناصية المقابلة كانت «المسافرخانة» وكانت مهجورة في ذلك الوقت، ولها حارس من الآثار، وأول مصري اهتم بها وأعاد لها الحياة هو د. ثروت عكاشة، بمناسبة احتفالية ألفية القاهرة عام 1969 وافتتح هذه الألفية جمال عبد الناصر وأنا حضرتها في جامعة الدول العربية.
1969.. إذن الاحتفالية كانت بعد النكسة؟
- ومن هنا تأتي أهمية الاحتفالية، لأنه كان في ذلك نشاطاً ثقافياً يرد علي هزيمة يونيو، وكانت هذه الأجواء تهدف الي البحث عن الشخصية المصرية، ولماذا حدث هذا في النكسة؟
إذن البناء لم يكن في الجبهة فقط؟
- لا.. البناء كان لكل شيء، فلقد كانت هناك حالة «قلق» روحي، والثقافة هي التي تصدت للهزيمة، بعد «هبة» الشعب المصري في 9 و10 يونيو 67 - إعلان التنحي لعبد الناصر - والتي تشبه «هبة» يناير 2011.
قبل 25 يناير 2011 تعود للطفولة ورمضان وذكرياتك؟
- آه.. لم يكن هناك تليفزيون، وكان الترفيه هو الراديو وكانت لنا جارة عندها راديو - نحن لم يكن لدينا - تقوم برفع صوت الراديو، حتي نسمع مسلسل «ألف ليلة وليلة»، والفوازير، وكان صوت الشيخ محمد رفعت، والذي يعد من الاصوات الانسانية المعجزة.
هل استمعت له مباشرة؟
- والدي استمع مباشرة، وكان يقول - رحمة الله عليه - إن ما تسمعه من صوت الشيخ رفعت، مجرد «خدش» يدل علي معجزة، خلقها الله، فتخيل الأصل كيف يكون؟
كنت تحب صوت الشيخ رفعت؟
- أنا من عشاقه، خاصة صوته في الآذان، هذا الآذان اعتبره من المعجزات الانسانية، لكن للأسف استبدلناه بآذان مزعج مثل «صفارة» الانذار.
ولمن هذا الصوت؟
- لمشايخ الحرم النبوي، التي جاءت لنا، تلك الأصوات التي تخلو من جماليات الصوت المصري في الآذان، والذي نجده في آذان الشيخ رفعت، وبعده بمسافة يأتي الآذان التركي، وكان فيه «عجم» يأتون ب «النقل» من إيران، وفي عاشوراء كان لهم مسيرة في الحسين اسمها زفة العجم، وأنارأيتها ثم بعد ذلك حدث لهم «ذوبان» في المجتمع المصري، لأن من مكونات مصر أنها تهضم أي غريب يأتي إليها.
إذن رمضان في القاهرة القديمة له طقوسه الخاصة؟
- كان له أجواؤه الخاصة، وأنا أعتقد أن الذي لم ير رمضان في القاهرة القديمة «الجمالية والحسين وباب الشعرية» وغيرها فهو لم يعرف رمضان، ونحن كنا نتعجل الصيام، ونصوم صيام الشباب، وكان عمري وقتها 5 سنوات، وكنا ننتظر «المسحراتي» ونسمعه وهو ينادي علي الأهل، لذلك كنت أعادل رمضان - هذه عادة منذ الصغر - كشهر إلي معادل إنساني.
كيف؟
- كنت أعتبره أو أشوفه رجلاً ذقنه كبيرة، ويرتدي أبيض في أبيض ومبتسماً وطيباً، وعندما يأتي العيد، كان ينتابني مشاعر حزن، وكأن هناك ضيفاً عزيزاً في طريقه للغياب، وكان أبي حريصا أن يأخذنا في يده الي مسجد الحسين أنا وشقيقي اسماعيل.
ومن هنا جاء ارتباطك بالحسين؟
- نعم، وهذا ما عبرت عنه في كتابي «التجليات» والذي جاء فيه علاقتي بمولانا وسيدنا الحسين، وهي علاقة مثل علاقة المصريين بأهل البيت.
وما حدود هذه العلاقة؟
- نحن نذوب حباً في أهل البيت، ولكننا لسنا شيعة، هذه هي التركيبة الخاصة جداً بمصر، والتي تتعرض لخلل حالياً.
وما سبب هذا الخلل؟
- عندما تضعف مصر تحدث فيها اختراقات وعندما تضطرب تحدث أيضا اختراقات الي حين، ثم تسترد سيرتها الأولي.
في العصر الحديث ما متي بدأ الضعف يظهر علي مصر؟
- في السبعينيات. عندما خرج المصريون أثناء «هوجة» الانفتاح الكبري لأكل العيش، ناس كثيرة ذهبت الي الخليج وبالتحديد السعودية.
وماذا حدث عندما ذهبوا؟
- ربطوا ما بين الخير الطارئ «الذي هو النفط»، وبين شكل التدين هناك، وهذا ما قاله الشيخ الوهابي اسمه «الخضيري» الذي كان يخطب في امبابة، وأنا أتعجب كيف يُسمح لهذا الشيخ أن يخطب في امبابة؟ في الوقت الذي لا تستطيع أنت أن تخرج شيخاً مصرياً يخطب في السعودية.
وهل هذا شبح سعودي؟
- آه.. واسمه الشيخ «الخضيري» يأتي بانتظام ويختار امبابة بالتحديد.
ولماذا امبابة؟
- لأنه يبشر فيها بالمذهب الوهابي، وكان في امبابة منذ ايام.
وما الفكر الذي يحاول طرحه؟
- يقول «يا مصريين» اتركوا المذهب الذي انتم عليه، و«غطوا» حريمكم وافعلوا مثلما نفعل في السعودية.
يعني لا نجعل السيدات تقود السيارات؟
- آه.. لأن الخير جاء للسعودية عن طريق لجان «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» مع أنه لو قرأ الادب السعودي الذي يكتبه الشباب الآن، سيجد مجتمعاً مرعبا، الذي هو المجتمع «الخفي» بكل تناقضاته ومعاناة الناس فيه وخاصة المرأة، التي مازالت تعامل وكأنها اقل من المستوي الآدمي، وممنوعة من قيادة سيارة.
وهل في ذلك خطورة علي الاسلام؟
- طبعاً.. هذا يحسب عليه، والاسلام ليس كذلك.
وهل تأثر المصريون سواء بالسفر أو بحضور مثل هذه الندوات والخطب؟
- نعم تأثروا.. والحركة السلفية في مصر، حركة قديمة، وكان لهارواد كبار، وتعمل في الخير، هدفها الدعوة، وهم الذين أقاموا مستشفي العجوزة.
لكنها تتحول من حركة دعوية هادئة إلي حركة سياسية؟
- هذه هي المشكلة.. فهي الآن تنتقل إلي حركة لها مخالب وأنياب وطموح سياسي.
هل هذا الطموح من وراءه؟
- بالتأكيد.. هي مدفوعة.. أنا لا أتحدث عن أموال، لكن هناك من يدعمها معنويا، وممكن مادياً، السعودية ليست بعيدة عن ذلك.
وما الفائدة العائدة علي السعودية من ذلك؟
- نظامها ذكي، يعمل بالخبراء، وهم يعرفون تماماً أن الثورة المصرية رياحها ستلحق بهم عاجلاً أم آجلاً، وحتي يتجنبوا ذلك، يحاولوا العمل بالسالب، حتي تظهر «الثورة» أمام الناس بالشكل الذي هي عليه الآن.
إذن نحن مخترقون؟
- من أيام السبعينيات، فترة السادات بدأت مصر تتراجع، وزادت في أيام مبارك حيث تضاءلت مصر معه، وعلينا أن نعرف أن الرئيس في مصر مهم.
بمعني؟
- بمعني أن الذي يجلس فوق كرسي الحكم، يصيغ في مصر بشكله ومشروعه وفكره.
حتي لا أنسي.. أريد العودة إلي «عفريت» حارتكم في رمضان.. كيف كان؟
- كان يخرج مرتدياً زياً عسكرياً، ويلتقي مع الشخص في الشارع ويسأله «الساعة في ايدك كام»؟ فيرد الشخص علي السائل.
اللي هو «العفريت»؟
- آه.. ثم يمشي.. وأثناء ما هو يواصل سيره، يسمع الإنسان صوت خطوات غير عادية.
خطوات إيه؟
- خطوات ماعز.. فينظر فيجد النصف الأسفل «ماعز» والنصف العلوي بني آدم، فتحدث «خضة» لمن رأي العفريت.
هل تعرضت له.. يعني قابلت «عفريت» حارتكم؟
- لا.. سمعت عنه.. لكنني لم أره، ومن السمع - والسمع فقط - تآلفت مع «العفاريت» في الأماكن المظلمة لأنني عشت في أماكن «ضلمة» لا تتخيلها.
وأين كانت هذه الأماكن؟
- في الصحراء وفي المعتقل وفي الجبهة أيام حرب أكتوبر 73 تقدر تقول «مبقتش» أخاف.
قلت إن هناك تشابهاً بين 8 و9 - 1967 - بعد خطاب تنحي عبد الناصر - وبين 25 يناير؟
- الشبه في التحرك.. شوف.. الشعب المصري له قانون خاص في التحرك، وأن أدعو الباحثين لفحصه، وعندما ترجع لتاريخ ثورة 1919، تجد شيئا غريباً جداً، وأذكر مصطفي أمين - وهو تربي في بيت الأمة - قال لي إنه كانت تحدث في البلد أحاديث كبيرة، وكان المفروض أن تنزل الناس الشارع.
لكن الناس لا تنزل؟
- بالضبط كده.. فكان سعد باشا زغلول زعيم ثورة 1919 والمصريين، يقول ألفاظاً قاسية ضد الناس.. ويسأل: الناس هتنزل إمتي؟ وإذا لم تنزل الآن هكذا، وبعدها بيوم يحدث أن «عسكري انجليزي» «يتخانق» مع «فران» في حارة «مراسينا» في السيدة زينب، فتولع مصر من أقصاها إلي أدناها، بسبب هذا الحادث البسيط.
وهل يوم التنحي لعبد الناصر.. كان يشبه ذلك أيضا؟
- ارجع له.. تجده متشابها الي حد كبير 8 و9 كانت «هبة» من المصريين بسبب قراره، طبعاً الناس وقتها لم تكن تعلم حجم المصيبة.
إذن لم يكونوا يعرفون الكارثة.. فكيف خرجوا؟
- المصريون أدركوا أن عبد الناصر الذي كان يعطيهم القوة والاحساس بالنفس «اتهزم» - الفتوة في مأزق - وبالتالي نقف بجواره، فخرج المصريون دون أن يدفعهم لذلك أحد، ونفس الخروج حدث في 18 و 19 يناير 1977 ونفس الشيء في 25 يناير مع اختلاف التفاصيل، في 25 يناير كنت علي مكتبي هذا وكان أمام دار القضاء العالي زميلنا محمد شعير، فقلت له: إيه الأخبار؟ قال: لا.. زي كل مرة.. لا يوجد هنا إلا الدكتور محمد أبو الغار، بعد 20 دقيقة من المحادثة مصر اتغيرت.
كيف؟
- عاود محمد الاتصال بي، وقال يا أستاذ فيه أفواج قادمة من الشوارع لم نرها من قبل، هنا التقطت الخيط، وقلت «خلصت» الشعب كرر ما فعله في ثورة 19 و8 و9 يونيو 67 و18 و19 يناير 77.
وأصبحنا أمام «هبة» شعب؟
- ليس أي شعب، خلي بالك ده الشعب المصري.. تركت المكتب ونزلت أمام أخبار اليوم، فوجدت شبابا من بولاق، وأدركت ان اللحظة التي كنت أتنبأ بها بدأت تهل.. طالما ظهرت «كتل» فمعني ذلك أن المصريين تحركوا هذه الحركة أفهمها جيداً.
وما هي هذه الحركة؟
- هذه الحركة عبر عنها كتاب «الخروج إلي النهار» - هو الكتاب المقدس لمصر القديمة - وهو معروف خطأ باسم «كتاب الموتي» هو ليس كذلك.
اسمه «الخروج إلي النهار».. أليس كذلك؟
- نعم.. لأن المصريين كانت عقيدتهم أنهم يرفضون فكرة الموت، وأن الحياة باقية، ومن هنا جاءت فكرة الآخرة والحساب.
وهل هذا له علاقة بحركة المصريين؟
- آه.. الكل في واحد، في لحظة معينة، يجمع المصريون علي موقف واحد، فيتصرف من في الواحات، مثلما يتصرف من في مصر القديمة، دون أن يلتقوا.
نأتي الي هذه اللحظة.. ونسأل.. هل تغير مبارك - كحاكم - من بداية عهده الي نهايته؟
- بالطبع.. وأسوأ شيء في هذا التغيير هو دخول ابنائه في البزنس، هذه اللحظة حولت الضابط الملتزم المنضبط، وهذ ما حدث في نهاية المرحلة الاولي من حكمه، وعندما تقرأ عن ثورة 1919 وهذا صدر في كتاب للدكتور صابر عرب «الأيام الحمراء» لشيخ كاتب عن التفاصيل اليومية لثورة 1919 تجده وكأنك تقرأ عن ثورة يناير، لذلك أنا اطالب بجمع وتدريس كل هذه «الهبات» الشعبية وتدريسها في المدارس.
ولماذا لا يتم هذا؟
- أنا الحقيقة أطالب بذلك حتي نحافظ علي الذاكرة الوطنية بوعي.. وعموما الشعب المصري لديه آليات للحفاظ علي هذه الذاكرة سواء درست أو لم تدرس، وأنا أري أن الشعب المصر ي عبارة عن «تحويجة» صنعت من عناصر كثيرة جداً، وأنت تستطيع عملها، لكن لا تستطيع «فكها».
وهل الحاكم - أي حاكم - يدرك ويعرف هذه «التحويجة»؟
- للأسف لا.. انظر ل 30 سنة الأخيرة، ستجد كتاب وصحفيين وطنيين وثوريين، كانوا يقولون: إن الشعب لا يتحرك ولن يتحرك، شعب «خنوع» لكن فترة مبارك شهدت حاجةغريبة لم تمر عليه من قبل؟
وما هي؟
- احتقار المصريين، والتعالي علي الشعب، وفقدان الأمل، ووصلت قمة الاحتقار في «غرق العبارة» وارجع لأخبار الأدب يومها كان الغلاف لسيدة جالسة أمام البحر في انتظار زوجها الذي لن يأتي.
هل رد النظام علي غرق العبارة كان فيه احتقار للشعب؟
- كان قمة الاحتقار «1100» بالمناسبة العبارة ليست ملك ممدوح اسماعيل.
ملك زكريا عزمي؟
- لا، ولا جمال.. (يقال....... ثم توقف الأستاذ وقال «خليها بعدين»).
وغرقت العبارة؟
- نعم، ولم نجد من «يجبر» بخاطر الناس ولو بكلمة، وبدلاً من أن «تجبر» بخاطر الأهل، تجد الأمن المركزي ضرب الناس التي ذهبت لتأتي بأشلاء أهاليها بالقنابل المسيلة للدموع.
كان فيه عنف؟
- لا.. كان فيه غلظة في التعامل.. ثم في المساء ذهب مبارك ليشجع منتخب حسن شحاتة.. وهذه في حد ذاتها يجب أن يحاكم مبارك عليها، وموضوع العبارة يجب أن يفتح ملفه، حتي نكشف مناطق أخري للفساد بين ضفتي البحر الأحمر!! أمام هذا.. كيف يرد الشعب المصري علي هذا الاحتقار؟
إزاي يا أستاذ؟
- يعزل الحاكم، في الوقت الذي يعتقد فيه الحاكم أنه هو للأبد، في هذه اللحظة نجد الشعب أعطاه ظهره، ويظل معزولاً ومعلقاً حتي تأتي «هبة» كالتي حدثت في يناير فيسقط لذلك علينا أن نتعلم من خبرة ال 30 سنة.
كيف؟
- إذا ظلت السلطات المطلقة لرئيس الدولة كما هي في الدستور، وإذا لم يلحق عقاب حقيقي للرئيس الذي يحاكم حالياً، فسيأتي لك رئيس أخبث وأكثر ضراوة من مبارك، وسيستفيد من الذي لم يفعله مبارك ويعمله، وعلينا أن نتعامل بشفافية مطلقة مع الشعب، لكننا حتي الآن نحن أمام نظام مبارك او طريقة حكم مبارك. د. عصام شرف هو يتصرف وكأنه مبارك صغير، وانظر لحركة المحافظين تجده ينتج مبارك اخر.
كيف نبني مصر الحديثة؟
- النزول بسن رئيس الجمهورية، أن يتولي واحد من الشباب مثل عبد الناصر وثوار يوليو، ليس من المنطق أن يحكم واحد عمره 75 سنة، اذا حدث ذلك يبقي مبارك أحسن، وانظر لعمرو موسي نجده يفعل نفس الذي كان يفعله جمال مبارك فهو ينزل ليزور الفقراء في امبابة مثلما كان جمال يزورهم في العجوزة، يعني قبلها بمحطة، هذا ابتزاز سياسي لا أحبه ولا يليق بالشعب المصري.
نرجع ل 25 يناير..
- عظمتها أنها كانت بدون قائد أو اطار ومصيبتها أنها كانت بدون قائد أو اطار، الميزة هي العيب.
كيف تري مصر الآن؟
- مصر فيها طاقة بعد 25 يناير تبني قوة عظمي، لكن بنفس هذه الطاقة ممكن البلد يدمر بهدوء.
والحل؟
- توجيه هذه الطاقة، ونهضة مصر دائما تبدأ بالثورات وانظر لما بعد ثورة 1919 تجد نهضة، تحتاج من يوجه الطاقات، وأخطر ما نتعرض له الآن هو غياب الأمن.
والشرطة؟
- عملياً أنت بدون شرطة، ماذا حدث لها؟ ولماذا لا ينزل الأمن المركزي ليقوم بدوريات والتوسع في الشرطة العسكرية.
بعضهم ممكن يكون «مكسورا» نفسيا؟
- يعني إيه «مكسور» طيب الجيش المصري عاد مهزوماً في 67 وبعد اسبوعين كان دخل معركة مع العدو في رأس العش، لذلك أخشي أن تدخل مصر عصر الميليشيات المسلحة مع البلطجة.
لهذه الدرجة؟
- طبعاً.. وممكن الآن تبدأ عمليات تصفية منظمة وراجع حادث «دسوق» وهي من أخطر ما يكون.. رغم أنه كان بلطجية لكن الرد لا يجب أن يكون كما حدث، وهذا يطلق النوازع الوحشية لدي الجماهير.
خائف من شيء ما؟
- أنا خائف أو حريص علي الدولة المصرية - لأني جزء من تراب هذا البلد - ودائما كنت أحذر من انهيار الدولة المصرية، ولو حدث انهيار للدولة، فقل علي البلد السلام وفي التاريخ حدث ذلك وهذا الانهيار كان موجوداً قبل وصول نابليون مصر واستمر فترة الحكم العثماني حوالي 100 سنة، وقتها انخفض تعداد مصر من 8 ملايين في القرن ال 16 الي 2 مليون ونصف.
كل ده راح؟
- آه.. لكن بعد هذا الجو القاسي، جاء محمد علي وفهم طبيعته وأسس قوة عظمي لذلك نحن في حاجة الي بناء مثل محمد علي وجمال عبد الناصر لكن بدون سلبياتهما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.