حقا إن في الحديث شجونا، في يوم ما كنت أتجاذب أطراف الحديث مع أصدقاء لي، حيث قال أحدهم إن أولاده بالمنزل يتساءلون لماذا لا يقوم التليفزيون بدوره بنشر الثقافة الدينية وخاصة إبراز أصحاب الرسول ومواقفهم الجليلة، وقال آخر إن هذا الاتجاه يقع تحت حظر انتشار صور الصحابة بواسطة التمثيل إْذ إنه قد صدرت فتوي من عدة سنوات من مجمع البحوث الإسلامية بمنع المسلسلات التي تظهر الصحابة، ودار الحديث حول الفائدة والضرر. اعتقد المتخوفون من ظهور الصحابة أن الممثل الذي يؤدي دور صحابي يجب أن يشهد له بالخلق القويم ولا يجوز له أن يؤدي دورا خليعا علي شاشة التليفزيون أو في السينما، وبالطبع وافقه المجتمعون، ولكني في الحقيقة لم أوافق علي هذا الرأي، فقلت لهم أولا قبل كل شيء وبعد كل شئ أن فتوي مجمع البحوث الإسلامية لا شك أنها تحرص علي هذا المعني وتحترم الصحابة بغض النظر عن الفائدة التي تعود علي المشاهد وتري أنه من يريد أن يعرف عن الصحابة فعليه أن يتلقي من الغير أو يقرأ الكتب الدينية، ولكني لا أجد حائلا يمنع الثقافة واتفق عليه، ثم أن الفتوي غير ملزمة ، وقد كان للرسول عليه السلام موقف في مثل ذلك الشأن حينما وجه حديثه إلي الصحابي معاذ بن جبل وقال له «يا معاذ إذا ذهبت إلي اليمن فبم تقضي؟ قال بكتاب الله، فقال له الرسول فإن لم تجد قال فبسنة رسوله، قال فإن لم تجد قال اجتهد رأيي ولا آلو، فقال الرسول غير منزعج الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضي الله ورسوله». ومن هذا المنهج نري قيمة حرية الرأي، وأرجو ألا يصادر أحد منكم رأيي حيث إنني أري أن ظهور الصحابة في المسلسلات وغيرها يؤدي إلي خدمة ثقافية تحتل جزءا مما يقدمه التليفزيون من برامج ثقافية وهذا يعود علي النشء بل علي الأسرة بمعرفة مباشرة تيسر لهم فهم الحياة والدين، وهم في منازلهم متابعون، وإذا تعذر أو تعسر هذا التوجه في الوقت الحالي فإنه في السنوات المقبلة قد يتغير الرأي فعلينا أن ننتظر ونصبر علي الأيام، وقد حدث مثل ذلك الأمر في العقد الثالث من القرن العشرين حين أذاعت اذاعة السعودية القرآن الكريم فاعترض الفقهاء علي اذاعة القرآن في الراديو وانصب اعتراضهم علي أنهم في حالة ما إذا اخطأ قارئ القرآن فمن الذي سيقوم برده؟، وكان ذلك هو الرأي السائد وقتها ومع الأيام اذاعت المملكة السعودية القرآن ودون أي معارضة ورغم ذلك لم يقتنع اصدقائي وأصروا إذا كان الأمر يؤدي إلي ظهور الصحابي في التمثيل فإنه علي الممثل أن يختفي ولا يظهر مرة أخري علي شاشة التليفزيون أو السينما في أدوار غير دينية، وهذا هو رأي الشعب فقلت لهم ليست العبرة في الممثل ولكن العبرة في السرد التاريخي للأحداث الذي يعرض بطبيعته علي الجهات الدينية مثل مجمع البحوث الإسلامية للموافقة عليه واعتماده، فقال استاذ جليل وكان موجها للغة العربية ويبلغ من العمر 86 عاما إن الممثل أنتوني كوين الذي قام بتمثيل دور المجاهد الليبي عمر المختار كان رائعا وكان متقنا في ادائه وتذكر آخر، فقال كان هناك أيضا فيلم الرسالة الذي ظهر فيه بعض الصحابة مثل سيدنا حمزة وبلال مؤذن الرسول وعمار بن ياسر وزيد بن حارثة وآخرون ونستهدف من المقال إعادة النظر وامكانية عرض الأمر علي مجمع البحوث الإسلامية لعل وعسي أن يحالفه التوفيق. بيد أنه بالرجوع إلي القرآن وفي سورة الكهف بالتحديد نري مقابلة طريفة بين الخضر وموسي عليهما السلام. إذ قام الخضر بخرق السفينة واحتسبها موسي ضررا شديدا، لأنه رأي متسرع أما الرأي المتحقق فجاء ذكره في الآية القرآنية رقم (79) من سورة الكهف « أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا» وهذا أمر يوحي بالفتوي التي تتفق مع أقل الضررين وهو شرع إسلامي لا ينبغي العدول عنه.