نقابة تتشبث بالقانون 100!! تلقيت منذ أسابيع دعوة من مجلس نقابة الصحفيين للمشاركة في أعمال اللجنة التي ستشرف علي انتخابات نقابة الصحفيين المقرر إجراؤها يوم الجمعة 14 أكتوبر القادم، وهي لجنة مكونة من قدامي النقابيين وشيوخ المهنة أعضاء الجمعية العمومية للنقابة، وتوجهت للنقابة يوم الثلاثاء قبل الماضي لحضور أول اجتماع للجنة مع مجلس النقابة وكلي حماس للمشاركة بأي جهد في أول انتخابات تجري في نقابة الصحفيين بعد سقوط القانون 100 لسنة 1993. والقانون 100 لسنة 1993 والذي حمل اسم «قانون ضمانات ديمقراطية التنظيمات النقابية»! هو أحد القوانين سيئة السمعة التي صدرت في عهد الرئيس السابق «المخلوع» حسني مبارك وسلب من مجالس النقابات المهنية صلاحياتها في الدعوة لعقد الجمعية العمومية للنقابة وإجراء انتخاباتها طبقا لقانون كل نقابة، وأخضعها لهيمنة لجنة إدارية مكونة من مجموعة من القضاة وسماها «اللجنة القضائية المشرفة علي انتخابات النقابات المهنية»، واشترط لصحة انعقادها حضور 50% من الأعضاء فإذ لم يكتمل النصاب تنعقد في المرة الثانية بحضور ما لا يقل عن ثلث الأعضاء فإذا لم يتحقق هذا النصاب تدعي لمرة ثالثة فإذا لم تكتمل بحضور ثلث الأعضاء يعين مجلس مؤقت يضم عناصر قضائية إلي جانب أربعة أعضاء من أقدم المهنيين المقيدين بالنقابة، وقد أدي هذا القانون إلي إخضاع أغلب النقابات المهنية للحراسة القضائية، وإن كانت نقابة الصحفيين قد نجحت في الإفلات من الحراسة رغم أنها أول نقابة مهنية طبق هذا القانون في انتخابات مجلسها ونقيبها عام 1993، ولكنها واجهت عددا من المشاكل في ظل هذا القانون، فالفصل بين الجمعية العمومية العادية للنقابة والتي تناقش تقرير مجلس النقابة والميزانية وتصدق عليها وبالتالي تناقش مشكلات وقضايا الصحفيين والصحافة وفي القلب منها قضية حرية الصحافة وقضايا الحريات عامة، وبين الجمعية العمومية الخاصة بالانتخابات، أدي إلي عدم انعقاد الجمعيات العمومية العادية إلا في حالتين نادرتين، أولهما عند صدور قانون اغتيال حرية الصحافة عام 1995، وثانيهما عام 2006 في معركة منع الحبس في قضايا النشر. وقررت اللجنة الإدارية المسماة اللجنة القضائية إجراء الانتخابات في مقر المؤسسات الصحفية وليس في دار النقابة، وخاض الصحفيون معركة طويلة لتتم الانتخابات في مقر نقابتهم وأن يتم توزيع الصحفيين علي اللجان بالحروف الأبجدية وليس طبقا لمؤسساتهم، ونجحوا في عودة الانتخابات إلي دار النقابة، ولكن اللجنة المشرفة أصرت علي أن يتم توزيع الصحفيين علي لجان الانتخاب علي أساس المؤسسات الصحفية، وكان الهدف واضحا هو محاسبة رؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف القومية علي مدي نجاحهم أو فشلهم في دفع العاملين تحت رئاستهم من الصحفيين للتصويت لمرشحي السلطة والحزب الحاكم. وبإسقاط القانون 100 لسنة 1993 تعود النقابة إلي مجلسها وجمعيتها العمومية وتطبق قانونها ولوائحها التنفيذية، ولكن الدعوة لاجتماع اللجنة التي شكلها مجلس النقابة للإشراف علي الانتخابات تضمنت إشارة إلي أن النقابة «طلبت من مجلس الدولة ترشيح عدد من السادة القضاء والمستشارين للإشراف علي العملية الانتخابية بدءا من فتح باب الترشيح وحتي إعلان النتيجة»، وهو أمر بدا غريبا بالنسبة لي. وخلال أول اجتماع للجنة يوم الثلاثاء قبل الماضي برز اتجاهان رئيسيان، الأول يطالب بأن يتولي القضاة العملية الانتخابية كاملة من البداية إلي النهاية، أي من تلقي طلبات الترشيح وحتي إعلان النتيجة، والثاني يقصر دور القضاة علي يوم الانتخابات فيتولوا رئاسة لجان التصويت والفرز وإعلان النتائج، ولم أكن مع أي من الاتجاهين، فسقوط القانون 100 يعني أن تعود للنقابة ولايتها كاملة علي انتخاباتها، وأن يتولي الصحفيون وحدهم إجراء انتخاباتهم كما فعلوا طوال عقود دون أن تشوبها شائبة، وذكرت الزملاء كيف كانت الانتخابات قبل القانون 100 عرسا ديمقراطيا، ومناسبة يلتقي فيها الصحفيون من كافة الأجيال والمؤسسات والصحف ويتداولوا في شئونهم وشئون وطنهم ويصدرون القرارات التي تتعلق بهم وبحرية الوطن من خلال جمعيتهم العمومية، واقترحت أن يقتصر دور القضاة - ما دام مجلس النقابة قد تورط في دعوتهم للإشراف علي الانتخابات - علي مراقبة عملي التصويت والفرز وإعلان النتائج، ليقدموا بعد ذلك لجموع الصحفيين والرأي العام شهادة علي مدي ديمقراطية وحرية انتخابات النقابة، وإذا لم يوافق القضاة علي هذا الدور الرقابي المقترح فيمكن دعوة مؤسسات المجتمع المدني لتقوم بدور الرقابة ولديها الخبرة والقدرة علي ذلك، وأمام إصرار الأغلبية - خاصة أعضاء مجلس النقابة - علي استدعاء القانون 100 بصورة أو أخري وتولي قضاة إجراء انتخابات النقابة، بما يعنيه ذلك بوضوح من تشكيك في قدرة الجماعة الصحفية علي إدارة الانتخابات بحرية ونزاهة وديمقراطية، لم أجد أمامي سبيلا إلا الانسحاب من الاجتماع ومن عضوية لجنة الإشراف علي انتخابات نقابة الصحفيين، فلا أستطيع المشاركة في إعادة الحياة للقانون 100 من الباب الخلفي بعد أن سقط بحكم القضاء!!