صدق البيان المشترك الصادر عن اجتماع المجلس الأعلي للقوات المسلحة مع المجموعة الوزارية لإدارة الأزمات برئاسة د. عصام شرف عندما وصف من ارتكبوا أعمال العنف والبلطجة والترويع يوم «الجمعة» الماضي بأنهم «ليسوا شرفاء»، اعترف البيان الصادر عن الاجتماع الذي عُقد «السبت» الماضي بأن مصر تتعرض لمحنة حقيقية وأن تصرفات «البعض» تهدد ثورة 25 يناير، غير أن البيان تجاهل توضيح من هم هؤلاء «البعض» الذين يهددون الثورة، هل هم أبناء شعب مصر من الحركات والقوي السياسية الذين تجمعوا في ميدان التحرير يوم «الجمعة» الماضي لتصحيح مسار الثورة الذي بدأ ينحرف ويلتف ليخنق الثورة؟! أم هم عناصر تم إعدادها والدفع بها في ذات «اليوم» لإحداث أكبر قدر من الفوضي والاضطراب والترويع؟! خلط الأوراق واختلاط المواقف وترك الأمور دون تحديد دقيق للمتورطين في ارتكاب أحداث «الجمعة» الدامية يدفع حتما للاعتقاد بحسب «البيان» بأن من قاموا بأعمال العنف والبلطجة واستغلوا المشاعر التلقائية للمواطنين ضد الكيان الصهيوني في الهجوم علي السفارة الإسرائيلية ينتمون للثوار المتظاهرين في ميدان التحرير!! في حين أن كل الوقائع والمشاهدات تشير إلي عدم مشاركة المتظاهرين في التحرير في أعمال العنف والبلطجة، بل محاولاتهم المستميتة لمنع وإيقاف الهجوم علي مقر وزارة الداخلية التي تقع علي مقربة من ميدان التحرير حيث التجمع السلمي الذي يعيد للأذهان أيام الثورة المجيدة. لمصلحة من إذن عدم توضيح الأمور والكشف عن المتورطين الحقيقيين في الأحداث التي أثارت حالة من الفوضي والاضطراب؟! البحث عن المستفيد من خلط الأوراق وترسيخ الاعتقاد الخاطئ بأن المتظاهرين بميدان التحرير وراء تفجر الأوضاع يكشف عن الفاعل الأصلي المحرض علي إثارة الشغب والاعتداءات الذي يقف في الخفاء لتدبير أحداث «الجمعة» الدامية. كوميديا هزلية المحاولات المستمرة لإحباط وإيقاف التجمعات بميدان التحرير فيما يسمي ب «المليونيات» لم تتوقف منذ مليونية (8 يوليو) التي أسفرت عن علانية المحاكمات للرئيس المخلوع ورموز النظام البائد والإفراج عن عدد من النشطاء السياسيين وتخفيف قبضة المحاكمات العسكرية والحد من إحالة المدنيين للقضاء العسكري، أصبحت «تجمعات التحرير» تمثل صداعا وفزعا لأنها الأداة الوحيدة والقوية والفاعلة لثورة يناير التي أبهرت العالم، فقد استطاعت بقوة وارادة الجماهير وطلائع الشعب المصري إجبار الرئيس السابق علي التنحي وسقوط أركان حكمه وإيداعهم خلف القضبان، هذه القوة الكاسحة لتجمعات التحرير تستطيع أيضا إسقاط أي سلطة تنحرف عن مسار الثورة ولا تستجيب لمطالب الثوار، لذا فإنها تمثل صداعا وتثير فزعا يدفع حتما القائمين علي إدارة الأوضاع لمحاولة إيقافها بأي ثمن، وليس ببعيد ما أفصح عنه د. علي السلمي نائب رئيس الوزراء في أحد اللقاءات من ضرورة إيقاف المليونيات لأنها خطر علي الثورة!! كذلك إعلان الإخوان المسلمين والسلفيين والقوي الأخري القريبة من دوائر الحكم عدم المشاركة في «جمعة» تصحيح المسار الأخيرة، فيما يعني عدم رضاء المجلس العسكري عن تكرار تجمعات التحرير ومحاولات التيارات الدينية وبعض القوي السياسية الاقتراب أكثر من المجلس العسكري بإعلان ما يعتقدون أنه يريده. بل إن المجلس العسكري ذات نفسه حذر من التجمعات والوقفات الاحتجاجية والاعتصامات وهدد بتطبيق ترسانة القوانين المقيدة للحق في الإضراب والتظاهر ومنها القانون الأخير الذي أصدره وذلك قبل «جمعة» تصحيح المسار ب 48 ساعة في البيان الصادر عن اجتماعه المشترك مع مجلس الوزراء مساء «الأربعاء» الماضي. كما شملت محاولات إحباط «جمعة» تصحيح المسار عقد مؤتمر الفلاحين باستاد القاهرة يوم «الجمعة» الماضي في ذات توقيت «تجمع التحرير» من أجل التشتيت ولفت الأنظار لتجمعات أخري فيما سمي «بكوميديا عيد الفلاح»، أما اللمسات الأخيرة لضرب تجمعات التحرير كانت بانطلاق مجموعات العنف والشغب يوم «الجمعة» الماضي باتجاه المواقع المستهدفة. تشويه الثورة انطلقت مجموعات العنف والبلطجة بعد ظهر يوم «الجمعة» الماضي من عدة أحياء بالقاهرة، في مصر الجديدة مسيرة تتقدمها سيارة شيروكي سوداء يطل منها أحد الفتوات يردد هتافات بذيئة مملوءة بالشتائم للثورة والثوار يرددها وراءه مجموعة من الصبية أطلقوا عليهم ظلما ألتراس الأهلي والزمالك وكمان الإسماعيلي الذي ليس له أصلا جماهير بالقاهرة، هذه المجموعات السوداء التي تهدف لتلطيخ صورة الثورة وتشويه صورة الثوار إن لم تكن قد انطلقت بترتيب وتدبير علي أعلي مستوي فإن المستويات العليا في أحسن الأحوال تركت هذه الفلول وبقايا الحزب الوطني والرءوس التي مازالت تتحرك لإجهاض الثورة تركتها تعيث فسادا واقتحاما وإحراقا لسيارات الأمن المركزي لإثارة حالة من الترويع والاضطراب، وإلصاق التهمة بثوار التحرير الذين تجمعوا في «جمعة» تصحيح المسار حتي لا يجرؤ أحد علي تكرار هذه التجمعات التي تمثل خطورة علي السلطة القائمة حاليا، الفلول والبقايا قاموا بالهجوم علي مقر وزارة الداخلية وتحطيم شعارها علي الأبواب الخارجية في وقت يسعي فيه أبناء هذا الوطن لاستعادة وزارة الداخلية لدورها في حفظ الأمن وتأمين المواطنين، ثم يحدث حريق غامض بالدور الأول بمصلحة الأدلة الجنائية بشارع منصور الملاصق لمقر «الداخلية»، يستكمل المسلسل بمحاولة اقتحام مقر مديرية أمن الجيزة وإشعال النيران بسيارات الأمن المركزي ورشق قوات الأمن بالحجارة وإطلاق زجاجات المولوتوف، الأدهي أن يقوم «المحتجون» صباح اليوم التالي «السبت» الماضي بقطع شارع مراد الذي يسكنه وزير الداخلية بالقرب من السفارة الإسرائيلية ومنع مرور السيارات وتحطيم بعضها!! هل هؤلاء هم الثوار الذين سطروا أنصع الصفحات في تاريخ مصر أم الغوغاء الذين استعان بهم ذيول النظام البائد لإثارة حالة من الاضطراب والترويع ليستقر في وجدان المواطنين أن الثورة والثوار عمل شائن وكل ده بصمت من النظام القائم. لعبة خطرة أما ما حدث أمام السفارة الإسرائيلية من تحطيم للجدار العازل علي مدي عدة ساعات وتسلق العديد من الأشخاص للعمارات المجاورة للسفارة لانتزاع علم الكيان الصهيوني وبعثرة بعض الأوراق والمستندات «غير مهمة» من أرشيف السفارة الإسرائيلية، كل هذا تم علي مرأي ومسمع من قوات الأمن التي لم تتدخل وتركت حلقات السيناريو تكتمل لتأكيد خطورة أفعال «المتظاهرين» التي قد تؤدي لمواجهة مع إسرائيل ليست مصر علي استعداد لخوضها حاليا، ما يعني تهديد الأمن القومي لمصر، كل ذلك يصب في النهاية لمصلحة من يريدون إيقاف وإلغاء المليونيات التي تهدد وجودهم بالأساس، بحسب ما جاء بالفضائيات فإن التعليمات لقوات الجيش والشرطة كانت تقضي «بعدم التدخل»، لا مانع من إنزال العلم وبعثرة الأوراق وتحطيم الجدار العازل كل هذا مسموح به في إطار إثبات أن أفعال «المتظاهرين» قد تؤدي لأزمات حادة لمصر مما يستعدي الغالبية ضد التجمعات والتظاهرات، أما في حقيقة الأمر فإن القوات الخاصة المصرية قامت بحماية وتأمين عدد من الإسرائيليين العاملين بالسفارة وإخراجهم بأمان فجرا وهو ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لتوجيه الشكر لمصر وتطلعه لعودة السفير الإسرائيلي في أقرب وقت. إنها لعبة خطرة قد تؤدي لإحراق أصابع من يحرك الخيوط.. إثارة حالة من الاضطراب والذعر والترويع داخل المجتمع والوصول إلي حافة الهاوية من أجل تحقيق أهداف معينة تتعلق بخلق احتياج متزايد لتواجد المجلس العسكري وترسيخ وجوده، وفي ذات الوقت شيوع رفض وتنافر من «تجمعات التحرير» التي قد تؤدي بما حدث لخراب البلد، مما يضمن الأمان للسلطة القائمة، لعبة خطرة حقا قد تؤدي للانزلاق في الهاوية وفي أحسن الأحوال تؤدي لاستنساخ النظام السابق خلال الفترة القادمة ما يعني النجاح في إجهاض الثورة.