انطلاق المؤتمر الختامى لنادي المناظرات والسياسات بجامعة أسيوط    رئيس مركز الفرافرة يواصل لقاءاته الدورية مع المواطنين ويبحث مطالبهم    بلينكن: العمليات الإسرائيلية قرب معبر رفح صعبت إدخال المساعدات لغزة    برلماني: مصر تمارس أقصى درجات ضبط النفس مع إسرائيل    إعلام إسرائيلي: صفارات الإنذار تدوي في مستوطنات شمالي الأراضي المحتلة    أشرف صبحي يلتقي مجلس إدارة اتحاد الكيانات الشبابية    الكشف عن ملعب نهائي دوري أبطال أوروبا 2026    طعنه بالصدر فأودى بحياته، مصرع شاب علي يد آخر بالقليوبية    مجلس أمناء جوائز الصحافة المصرية يرشح جلال عارف للجائزة التقديرية    أسباب التعرق الشديد عند الأطفال وطرق التعامل معه    انتبه- 8 أعراض للسكري تظهر على الأظافر    تقارير| بوتشتينو يدخل اهتمامات اتحاد جدة    اتحاد الكرة يكرم حسن وسامي بعد ظهورهما المشرف في كأس الأمم لكرة الصالات    كيليان مبابى يتوج بجائزة هداف الدورى الفرنسى للمرة السادسة توالياً    مراقبة بدرجة أم.. معلمة بكفر الشيخ "تهوي" للطالبات في لجنة الامتحان "فيديو"    وزير الري يشارك في جلسة "نحو نهج عالمي واحد للصحة" بمنتدى المياه.. صور    قيادى بحماس: حملات إسرائيل استهدفت قطر بالأمس القريب واليوم تبدأ على مصر    محمد درويش يكتب : « نقطة فى بحر »    رئيس البريد: لدينا 30 مليون عميل وحسابات التوفير حصيلتها 300 مليار جنيه    سام مرسي يفوز بجائزة أفضل لاعب في دوري القسم الثاني بتصويت الجماهير    وزارة الصحة تقدم نصائح للحماية من سرطان البروستاتا    هلا السعيد تكشف تفاصيل جديدة عن محاوله التحرش بها من سائق «أوبر»    6 يونيو المقبل الحكم بإعدام المتهمة بقتل طفلتيها التوأم بالغردقة    ضبط المتهمين باختطاف شخص بسبب خلاف مع والده فى منطقة المقطم    إقبال متوسط على انتخابات الغرف السياحية.. والقوائم تشعل الخلافات بين أعضاء الجمعية العمومية    موعد وقفة عيد الأضحى وأول أيام العيد 2024    رئيس هيئة تنمية صناعة التكنولوجيا: التصميمات النهائية لأول راوتر مصري نهاية العام    مجلس الوزراء يبدأ اجتماعه الأسبوعي بالعاصمة الإدارية لبحث ملفات مهمة    وزير الصحة يفتتح الجلسة الأولى من تدريب "الكبسولات الإدارية في الإدارة المعاصرة"    السكة الحديد: تخفيض سرعة القطارات على معظم الخطوط بسبب ارتفاع الحرارة    لمواليد برج الجوزاء.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    البنك المركزي يكشف عن وصول قيمة أرصدة الذهب لديه ل448.4 مليار جنيه بنهاية أبريل    مسابقة 18 ألف معلم 2025.. اعرف شروط وخطوات التقديم    فرقة طهطا تقدم "دراما الشحاذين" على مسرح قصر ثقافة أسيوط    العمل تنظم فعاليات "سلامتك تهمنا" بالمنشآت الحكومية في المنيا    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    عاجل..توني كروس أسطورة ريال مدريد يعلن اعتزاله بعد يورو 2024    التصريحات المثيرة للجدل لدونالد ترامب حول "الرايخ الموحد"    أبرزهم بسنت شوقي ومحمد فراج.. قصة حب في زمن الخمسينيات (صور)    افتتاح ورشة "تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية" في شرم الشيخ    تريزيجيه جاهز للمشاركة في نهائي كأس تركيا    «مواني البحر الأحمر»: تصدير 27 ألف طن فوسفات من ميناء سفاجا ووصول 742 سيارة لميناء بورتوفيق    للمرة الأولى منذ "طوفان الأقصى".. بن جفير يقتحم المسجد الأقصى    واشنطن بوست: خطة البنتاجون لتقديم مساعدات لغزة عبر الرصيف العائم تواجه انتكاسات    بإجمالي 37.3 مليار جنيه.. هيئة قناة السويس تكشف ل«خطة النواب» تفاصيل موازنتها الجديدة    الأكبر سنا والمربع السكني.. قرارات هامة من «التعليم» قبل التقديم للصف الأول الابتدائي 2024    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    لأول مرة .. انعقاد مجلس الحديث بمسجد الفتح بالزقازيق    حفظ التحقيقات حول وفاة طفلة إثر سقوطها من علو بأوسيم    تعديلات جديدة على قانون الفصل بسبب تعاطي المخدرات    مصر والأردن    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر يتابع أعمال التطوير بالقطاعين الشرقي والشمالي    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    إنبي: من الصعب الكشف عن أي بنود تخص صفقة انتقال زياد كمال إلى الزمالك    خبير في الشأن الإيراني يوضح أبرز المرشحين لخلافه إبراهيم رئيسي (فيديو)    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قانون الغدر بين الحياة .. والموت
نشر في الأهالي يوم 27 - 07 - 2011


ثورة يوليو والمحاكم الإستثنائية :
حينما قامت ثورة 23 يوليو 1952م - التي كان يطلق عليها حركة الجيش - كانت إحدي عينيها تنظر للخلف وأخري تتطلع للمستقبل ، وفيما يتعلق بالمستقبل لم يكن قد تبلور- في بداية الثورة - بصورة كاملة في ذهن الثوار ؛ فأرادوا أن يتخلصوا أولاً من الماضي ؛ وتحقيقاً لرغبتهم هذه تفتق ذهن القانونيين الذين ساروا في ركب الثورة عن إيجاد منظومات قضائية وقانونية جديدة ... منها محكمة الشعب ، ومحكمة الثورة ومحكمة الغدر لمحاكمة الماضي عن الأفعال والأحداث والوقائع التي حدثت قبل الثورة أو أثنائها.
وهذه المحاكم هي - في جوهرها - محاكم استثنائية لأنها تخرج عن كثير من القواعد القانونية العادية بهدف تأمين الثورة ؛ أي ثورة يوليو 52 .
وكان يغلب علي تشكيل هذه المحاكم الجانب العسكري ؛ الذين كانوا - في الغالب الأعم - يطبقون أفكارهم الثورية مرتدية ثوب القانون .
لذا كثيرا ما كانت هذه المحاكم تتراجع عن الأحكام التي تصدرها ، أو بالأقل لا تنفذها هي هي كما هي .
فعقوبة الإعدام تتحول بقدرة قادر إلي سجن .. ثم إفراج .. ولعل هذا كان واضحا في المحاكمات التي تمت لقادة سلاح الفرسان .. الذين خرجوا علي الثورة .. أو بالأحري كانوا يمثلون ثورة مضادة .
ثورة 25 يناير واستدعاء محكمة الغدر :
والآن بعد ثورة 25 يناير 2011م يريد البعض استدعاء محكمة الغدر للحضورللمشهد السياسي والقضائي والقانوني المصري .. الحالي ..
ولقد تمثل هذا الاستدعاء في عدة صور منها رفع دعوي قضائية لإلزام وزير العدل بإحالة بعض رموز النظام لهذه المحاكم ، ومنها مناداة البعض في وسائل الإعلام ببعث الحياة من جديد في هذه المحاكم .. ومنها مناداة بعض المعتصمين في ميادين مصر المختلفة بهذا المطلب.
ومن وجهة نظري أن محكمة الغدر لا يجوز استدعاؤها الآن وذلك لعدة اعتبارات :
1- لأن هذه المحكمة هي محكمة استثنائية ماتت بالسكتة القلبية مع شقيقتيها محكمة الثورة ومحكمة الشعب ، فهذه المحاكم جميعها جاءت لمواجهة ظروف بعينها ؛ فالقوانين المنظمة لها قوانين مؤقتة بطبيعتها أي تنقضي بمجرد انتهاء الغرض منها .. والغرض منها كان تأمين ثورة يوليو .. ولم يكن المشرع - تحت أي تفسير واسع للنصوص - يحرص علي تأمين ثورات أخري خلاف ثورة يوليو.
قانون استثنائي
2- قد يقول قائل - ولم لا تمتد هذه المحاكم لتأمين ثورة 25 يناير كما فعلت مع ثورة يوليو . والرد علي ذلك سهل يسير ، لأن قانون محكمة الغدر كان قانونا استثنائيا ، فهو يخرج عن مبدأ الشرعية الجنائية القائل : بأن لا جريمة ولاعقوبة بلا نص ؛ وأن القواعد الجنائية الأسوأ للمتهم لا تسري بأثر رجعي.
ورغم ذلك نجد أن قانون الغدر هذا استحدث جريمة لم تكن موجودة من قبل وطبقها بأثر رجعي . إذ تنص المادة الأولي من قانون الغدر رقم 344 لسنة 1952م - المعدل بالقانون رقم 173 لسنة 1953 والمنشور بالوقائع المصرية بتاريخ 9 إبريل 1953 م - علي أنه : (( في تطبيق احكام هذا القانون يعد مرتكبا لجريمة الغدر كل من كان موظفا عاما وزيرا او غيره وكل من كان عضوا في احد مجلسي البرلمان أو احد المجالس البلدية او القروية او مجالس المديريات وعلي العموم كل شخص كان مكلفا بخدمة عامة أو له صفة نيابية عامة وارتكب بعد أول سبتمبر سنة 1939 فعلا من الأفعال الآتية :........ )) .
عدم دستورية
3- فهذا القانون مشكوك في دستوريته لأنه وُلَّد ميتاً ؛ بمخالفته لقاعدة عدم رجعية القوانين الأسوأ للمتهم ؛ ولايصح أن ينسب لثورة 25 يناير البيضاء ما يشوه صورتها لدي العالم ؛ ولا يجوز أن يقال إن هذا القانون كان معيبا بالنسبة للمحاكمات التي تمت في ظل ثورة يوليو 1952م : ولكنه لن يكون معيبا إذا تم تفعيله بالنسبة لمن أفسدوا الحياة السياسية فيما قبل ثورة 25 يناير ؛ لأن العوار الذي لحق هذا القانون منذ ميلاده ؛ لا تصححه الوقائع والأحداث التي أستجدت بعده ؛ علاوة علي أن هذا القانون هو مؤقت بطبيعته وانتهي مفعوله - رغم عيبه الجوهري المتعلق بمخالفته لمبدأ عدم رجعية القوانين الجنائية الأسوأ للمتهم - بما تم من محاكمات في ظل ثورة يوليو 1952 م .
صعوبات التطبيق
4- أضف إلي ذلك أن قانون الغدر من الناحية الشكلية أو الإجرائية يثير صعوبات جمة في تطبيقها ؛ ومن ذلك علي سبيل المثال - لا الحصر - مايلي : -
(أ) أن هذا القانون يسند مهمة تحقيق الدعاوي ورفعها إلي محكمة الغدر ... إلي : ((لجنة مكونة من اثنين يختارهما المؤتمر المنصوص عليه في المادة 11 من الإعلان الدستوري المشار إليه - أي الاعلان الدستوري الصادر سنة 1953 في أعقاب ثورة يوليو - بقرار يصدر باتفاقهما مشتملا علي بيان بالواقعة والمواد المطلوب تطبيقها ، ويكون للجنة في أداء مهمتها أو لأحد عضويها أو لمن تندبه من رجال القضاء أو النيابة العامة جميع السلطات المخولة في قانون الإجراءات الجنائية للنيابة العامة ولقاضي التحقيق بغير القيود الواردة في المواد 51 و52 و 53 و54 و 55 و 57 و91 و97 من القانون المذكور ..)) ( المادة 4 من قانون الغدر ) .
(ب) ويلاحظ علي هذا النص أنه جعل الاختصاص المذكور للجنة مكونة من اثنين ؛ وحصر العدد في اثنين لهو أمر يصعّب مهمة أي لجنة في العالم ؛ إذ من الأفضل أن يكون تشكيل اللجنة من رقم فردي 3 أو 5 - علي سبيل المثال - حتي يمكن أن تصدر قرارات اللجنة بالأغلبية عند غياب الإجماع.
(ج) وجاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 173 لسنة 1953 المعدل لقانون الغدر رقم 344 لسنة 1952 تبريرا لإسناد مهمة التحقيق والإحالة للمحاكمة إلي لجنة سياسية ما نصه : (( ولوحظ أن المؤاخذة التي سيحاكم من أجلها المتهمون الذين سيقدمون إلي محكمة جرائم الغدر، هي جرائم ذات طابع سياسي لأنها متصلة بالحكم واستغلال أدواته مما يقتضي أن يترك تقدير ظروف الاتهام وملابساته إلي هيئة سياسية. وقد راعت بعض الدساتير ذلك الاعتبار فقصرت حق تحريك الدعوي العمومية ضد الوزراء، علي مجلس النواب، كما أسندت محاكمتهم إلي محكمة يتمثل فيها العنصر السياسي إلي حد كبير.
ونزولا علي هذا المقتضي أسند تحريك الدعوي العمومية إلي لجنة مكونة من اثنين من أعضاء المؤتمر المنصوص عليهم في المادة 11 من الدستور المؤقت، وبطبيعة التكوين الثنائي للجنة، لن يقدم من اللجنة من الأحوال ألا ما يتفق في شأنه رأي عضويها .
الإعلان الدستوري
(د) كما أن هذا النص - أي نص المادة الثانية من قانون الغدر - يحيل إلي الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 10 فبراير 1953م من القائد العام للقوات المسلحة وقائد ثورة الجيش ؛ وهذا الاعلان قد مات أيضا بالسكتة القلبية بالدساتير التي صدرت بعد ذلك .
(ر) أما المؤتمر المشار إليه فهو - حسب نص المادة 11 من الإعلان الدستوري المذكور - (يتألف من مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء ) . فأين هذا المؤتمر الآن ؛ وما الجهة التي يمكن أن تحل محله ؟!!!
هذا السؤال في ذاته يثير جدلاً كبيراً ؛ ويفتح الباب أمام أي محامٍ - يدافع عن شخص ما محال لمحكمة الغدر - ليصول ويجول ويدفع ببطلان أي تشكيل للجنة التحقيق المشار إليها.
إستثنائية محكمة الغدر
(ه) ومما يؤكد إستثنائية محكمة الغدر وقانون الغدر ما أشارت إليه المادة (4) المذكور من تحرر جهة التحقيق في جرائم الغدر من القيود الواردة في المواد (51) و(52) و(53) و (54) و( 57) و (91) و(97) من قانون الإجراءات الجنائية . وهذه القيود - في حقيقتها -ضمانات للمتهم أراد المشرع في قانون الغدر أن يحرر المحقق منها تحقيقا لفاعلية الإجراءات . فهو - أي المشرع - أنتصر لفاعلية الإجراءات ؛ أي لسرعة إنجازها ؛ علي حساب ضمانات المتهم . فالمادة (51) من قانون الإجراءات الجنائية تتحدث عن حضور المتهم أو مَنْ ينيبه أو شاهدين أثناء تفتيش منزله ؛ والمادة (52) تتحدث عن عدم جواز فض الأوراق المختومة أو المغلقة بأية طريقة أخري أثناء التفتيش ؛ والمادة ( 53 ) تتطلب وضع الأختام علي الأماكن التي بها آثار أو أشياء تفيد في كشف الحقيقة ؛ والمادة (54) تجيز لحائز العقار أن يتظلم من وضع الأختام علي مكان في حيازته . والمادة (57 ) لا تجيز فض الأختام الموضوعة طبقا للمادتين (53) ، (56) إلا بحضور المتهم أو وكيله ؛ و مَنْ ضبطت عنده الأشياء أو بعد دعوتهم لذلك ؛ والمادة (91) تضع ضوابط تفتيش المنازل وتستلزم صدور أمر قضائي مسبب . أما المادة (97) فتحظر عهي المحقق أن يضبط لدي المدافع عن المتهم أو الخبير الاستشاري الأوراق والمستندات التي سلمها المتهم لهما لأداء المهمة التي عهد إليها بها ؛ ولا المراسلات المتبادلة بينهما في القضية .
استرداد أموال
(و ) ولا شك في أن التحرر من هذه الضمانات المقررة للمتهم من شأنه أن يجعل محاكمته محاكمة إستثنائية ؛ مما يساهم في إغلاق الباب أمام استرداد أموال مصر المنهوبة بالخارج .
(ز) كما أن قانون الغدر يمنع الطعن في الحكم الصادر في الدعوي بأي طريقة من طرق الطعن العادية أو غير العادية ( م 6 من قانون الغدر ) . وهذا استثناء آخر يحرم المتهم من ضمانة جوهرية من ضمانات الدفاع أمام القضاء ؛ مما تتأذي منه العدالة ويتصادم تصادماً صارخاً مع جوهر ثورة 25 يناير التي نادت بالحرية والكرامة والعدل . علاوة علي أن ذلك يؤكد إسثنائية قانون الغدر ؛ ممايترتب عليه عدم اعتراف الدول الأجنبية بما عساه أن يصدر من أحكام ضد المحالين لمحكمة الغدر ؛ ومن ثم يغلق الباب أمام استرداد أموالنا المنهوبة في الخارج .
تشكيل المحكمة
(ح ) وفيما يتعلق بتشكيل محكمة الغدر نجد أن المادة ( 3) من قانون الغدر قد نصت علي أنه : (( يحكم علي كل مَنْ ارتكب فعلا من افعال الغدر من محكمة خاصة تؤلف برياسة مستشار من محكمة النقض وعضوية مستشارين من محكمة استئناف القاهرة يعينهم وزير العدل وأربعة ضباط عظام لا تقل رتبة كل منهم عن الصاغ يعينهم القائد العام للقوات المسلحة.
ويكون مقر هذه المحكمة بمدينة القاهرة ويشمل اختصاصها كل انحاء المملكة المصرية (حالياً جمهورية مصر العربية ) .
وتتولي النيابة العامة مباشرة الدعوي امام المحكمة) .
وجلي من هذا أن إشكالية تشكيل هذه المحكمة ستثير الكثير من الجدل ؛ فهل نبقي علي العنصر العسكري في التشكيل أم لا ؟
وإذا إبقينا عليه : ألا يتصادم ذلك مع ما تنادي به الثورة من ضرورة حصر اختصاص القضاء العسكري في دائرة العسكريين فقط ؟! وإذا قيل إن التشكيل يكون مدنياً صرفاً أي يضم سبعة من قضاة القضاء العادي ؛ والتساؤل الآن لماذا يستأثر القضاء العادي بذلك رغم أن المسئولية المسندة للمتهمين مسئولية سياسية في جوهرها ؛ فلماذا لا يدخل في التشكيل قضاة من مجلس الدولة ؟ .
وفي جميع الأحوال التشكيل الجديد لن يمثل قضاء طبيعي للمتهمين لأنه لم يكن معروفاً سلفاً لهم حال إقترافهم الأعمال التي شكلت الإتهامات التي ستُسند لهم .
(ط) والمثل يقال بالنسبة لإسناد مهمة تمثيل المجتمع أمام محكمة الغدر فالنص يخص النيابة العامة بمباشرة الدعوي أمام المحكمة ( م 3 من قانون الغدر ) . وهو نص يثير الجدل طالما أتفقنا - حسب المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 173 لسنة 1953 م - علي جرائم الغدر هي جرائم ذات طابع سياسي ، فلماذا لا تشارك النيابة الإدارية شقيقتها النيابة العامة في تمثيل المجتمع ؟!!
عقوبات
(خامساً) أما من الناحية الموضوعية فإن قانون الغدر يؤخذ عليه مايلي :
(1) رقة العقوبات التي يدخرها للمدان بالجرائم المنصوص عليها في هذا القانون ؛ إذ جاء نص المادة (2) منه علي النحو التالي :
(( مع عدم الاخلال بالعقوبات الجنائية او التأديبية يجازي علي الغدر بالجزاءات الاتية :
( أ ) العزل من الوظائف العامة.
(ب) سقوط العضوية في مجلسي البرلمان او المجالس البلدية او القروية او مجالس المديريات .
(ج) الحرمان من حق الانتخاب او الترشيح لاي مجلس من المجالس سالفة الذكر لمدة اقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم .
(د) الحرمان من تولي الوظائف العامة لمدة اقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم.
(ه) الحرمان من الانتماء الي اي حزب سياسي مدة اقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم .
(و) الحرمان من عضوية مجالس ادارة الهيئات او الشركات او المؤسسات التي تخضع لاشراف السلطات العامة ومن اية وظيفة بهذه الهيئات لمدة اقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم .
(ز) الحرمان من الاشتغال بالمهن الحرة المنظمة بقوانين او المهن ذات التأثير في تكوين الرأي او تربية الناشئة او المهن ذات التأثير في الاقتصاد القومي مدة اقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم.
(ح) الحرمان من المعاش كله او بعضه.
إسقاط الجنسية
ويجوز الحكم أيضا باسقاط الجنسية المصرية عن الغادر كما يجوز الحكم برد ما أفاده من غدره وتقدر المحكمة مقدار ما يرد.
ويحكم بالجزاءات ذاتها علي كل من اشترك بطريق التحريض او الاتفاق او المساعدة في ارتكاب الجريمة سالفة الذكر ولو لم يكن من الاشخاص المذكورين في المادة الاولي )) .
وهذه العقوبات لا تتسم بالشدة ؛و لاتتناسب مع الجرم التي أدخرت له .
(2) وهذه الجزاءات الجنائية تغني عنها جزاءات مماثلة في قانون العقوبات العام الذي ينطبق علي كل المصريين كافة ؛ فلا حاجة إذن للجوء لقانون إستثنائي طالما أن قانون العقوبات العادي ينص علي نفس الجزاءات الجنائية لذات الأفعال تقريباً . فالمادة 25 من قانون العقوبات تنص علي كثير من هذه الجزاءات التي توقع تبعاً للحكم بعقوبة جنائية . وأما ما يفلت من الجزاءات المنصوص عليها في المادة الثانية من قانون الغدر فتتكفل بها - أو بالأحري بأغلبها - النصوص المقابلة لجريمة الغدر في قانون العقوبات . إذ تنص المواد 118 و 118 مكررا و 118 (أ) مكررا من قانون العقوبات علي جزاءات توقع علي مرتكبي جرائم الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات ؛ المعنون (( اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر )).
العزل من الوظيفة
وهذه الجزاءات هي العزل من الوظيفة أو زوال الصفة والرد وغرامة مساوية ما اختلسه أو استولي عليه أو حصله أو طلبه من مال أو منفعة ( م118 عقوبات ) وطبقاً للمادة 118 مكررا هذه الجزاءات هي : (1) الحرمان من مزاولة المهنة مدة لا تزيد علي ثلاث سنين . (2) حظر مزاولة النشاط الاقتصادي الذي وقعت الجريمة بمناسبته مدة لا تزيد علي ثلاث سنين . (3) وقف الموظف عن عمله بغير مرتب أو بمرتب مخفض لمدة لا تزيد علي ستة أشهر . (4 ) العزل مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد علي ثلاث سنين من نهاية تنفيذ العقوبة أو انقضائها لأي سبب آخر . ( 5 ) نشر منطوق الحكم الصادر بالإدانة بالوسيلة المناسبة وعلي نفقة المحكوم عليه . أما المادة 118 (أ) مكرر من قانون العقوبات فتنص علي جزاء المصادرة والرد والغرامة المساوية لقيمة ماتم اختلاسه أو الاستيلاء عليه من مال أو ما تم تحقيقه من منفعة أو ربح .
(3) أما من ناحية الأفعال التي تشكل جريمة الغدر فقد نصت عليها المادة الأولي من قانون الغدر بقولها :
(( في تطبيق احكام هذا القانون يعد مرتكبا لجريمة الغدر كل من كان موظفا عاما وزيرا او غيره وكل من كان عضوا في احد مجلسي البرلمان أو احد المجالس البلدية او القروية او مجالس المديريات وعلي العموم كل شخص كان مكلفا بخدمة عامة أو له صفة نيابية عامة وارتكب بعد أول سبتمبر سنة 1939 فعلا من الأفعال الآتية :
إفساد الحكم
(ا ) عمل من شأنه افساد الحكم أو الحياة السياسية بطريق الاضرار بمصلحة البلاد او التعاون فيها أو مخالفة القوانين .
(ب) استغلال النفوذ و لو بطريق الايهام للحصول علي فائدة او ميزة ذاتية لنفسه او لغيره من اية سلطة عامة او أية هيئة او شركة او مؤسسة.
(ج) استغلال النفوذ للحصول لنفسه أو لغيره علي وظيفة في الدولة أو وظيفة او منصب في الهيئات العامة او اي هيئة او شركة او مؤسسة خاصة او للحصول علي ميزة او فائدة بالاستثناء من القواعد السارية في هذه الهيئات.
(د) استغلال النفوذ بإجراء تصرف او فعل من شأنه التأثير بالزيادة او النقص بطريق مباشر او غير مباشر في اثمان للعقارات والبضائع والمحاصيل وغيرها او اسعار اوراق الحكومة المالية او الاوراق المالية المقيدة في البورصة او القابلة للتداول في الاسواق بقصد الحصول علي فائدة ذاتية لنفسه او للغير.
(ه) كل عمل او تصرف يقصد منه التأثير في القضاة أو في اعضاء اية هيئة خولها القانون اختصاصا في القضاء او الافتاء.
(و) التدخل الضار بالمصلحة العامة في اعمال الوظيفة ممن لا اختصاص له في ذلك او قبول ذلك التدخل.
ويعتبر التدخل من غير المذكورين في هذه المادة في حكم الغدر اذا كان المتدخل قد استغل صلته بأية سلطة عامة)) .
وجل - إن لم يكن كل - هذه الجرائم منصوص عليها في قانون العقوبات العادي ؛ ولاسيما المواد 112حتي 119 مكرر التي تجرم اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر ؛ فليست هناك حاجة ماسة للجوء لقانون استثنائي هو قانون الغدر طالما أن النصوص العادية في قانون العقوبات تحقق ذات الهدف دون الدخول في متاهة هل قانون الغدر حي يرزق ؛ أما ميت فينعي . ودون الولوج في دائرة القوانين الإستثنائية التي حرصت ثورة 25 يناير عن الابتعاد عن دائرتها حتي تحتفظ هذه الثورة بنقائها وبريادتها لثورات العالم الحديث .
(4) صحيح أن القوانين الحالية لا تجرم ولا تجازي علي إفساد الحياة السياسية ؛ غير أن ذلك يشكل مسئولية سياسية يمكن أن تتولاها جهات سياسية وليست قضائية ؛ غذ يمكن أن يشكل مجلس الشعب القادم - ومعه مجلس الشوري إن وجد - لجان سياسية لمجازاة كل من تورط في إفساد الحياة السياسية منذ 6 أكتوبر 1981 وحتي 11 فبراير 2011م ؛ وهذا حديث آخر بحاجة إلي المزيد من البحث والدراسة ؛ مما نتركه لكل مَن يرغب بأن يدلو بدلوه في هذا الموضوع .
الفساد السياسي
(5) ولست بحاجة إلي إيضاح أن تهمة الفساد السياسي إذا لم تكن مقرونة بتهمة محددة ووقائع ثابتة بأدلة تؤكدها فإن المحكمة لن تجد مفرا من الحكم بالبراءة . وفي هذا الصدد يقول كاتبنا الكبير الأستاذ صلاح عيسي )) .. توقفت محاكم الغدر عن النشاط بعد عدة أشهر ، وبعد أن تبين لمجلس قيادات الثورة ، أن قانونها لاينطوي علي عقوبات رادعة ، وأن إجراءاتها بطيئة ، وأنها حريصة علي أن تتبع التقاليد القضائية فأصدر قانون إنشاء " محكمة الثورة " لكي تحل محلها ، وتتحرر من الالتزام بالإجراءات القضائية التقليدية ، ويطلق لها الحرية في إصدار ماتشاؤه من عقوبات طبقاً لتقديرها ، ولكنه ظل حريصاً علي أن يربط تهمة الإفساد السياسي بوقائع فساد حقيقية ينطبق عليها القانون ، تصدر عن شخصيات سياسية أثنا قيامها بدور عام ، وتوليها سلطة عامة .......ومعني الكلام أن تهمة الإفساد السياسي - حتي في ظل قانون الغدر وقانون محكمة الثورة - لم تكن مجرد تعبير أدبي بلا مدلول قانوني ، ولكنها كانت تستند إلي وقائع محددة ، نسبت لأشخاص محددين ، وهو المعني الذي يغيب عن الذين يطالبون بمحاكمة أعضاء وأقطاب الحزب الوطني ، بتهمة إفساد الحياة السياسية ، من دون أن ينسبوا واقعة محددة ، لشخص محدد ،بأدلة واضحة تثبت عليه التهمة (( مقال بعنوان : يا أسيادنا الذين في التحرير : لا تفتحوا أبواب المحاكم الاستثنائية - جريدة اليوم السابع - العدد الصادر يوم 20/7/2011م - ص 16 )) .
وتبقي كلمة :
1- نعم لمحاسبة كل من أساء لمصر قبل ثورة 25 يناير ؛ شريطة أن تكون المحاسبة بقوانين عادية ؛ وليس بقوانين إستثنائية ؛ حتي نحافظ علي نقاء هذه الثورة الرائدة .
2- إذا كان قانون الغدر هو قانون إستثنائي ؛ أنقضي بحكم إنقضاء الهدف الذي كان يرمي إليه المشرع في أعقاب ثورة يوليو 1952م ؛ فلماذا نلجأ إلي قانون تمت إحالته للاستيداع ؛ ولدينا ترسانة قانونية تفي بالغرض الذي يمكن تحقيقه من قانون الغدر .
3- المساءلة السياسية مطلوبة لكل مَنْ أساء لمصر خلال الثلاثين سنة السابقة علي ثورة 25 يناير ؛ شريطة أن تتم بآليات غير مشكوك في عدالتها ؛ ولا في وجودها من الأساس .
محامي وأستاذ القانون الجنائي
جامعة طنطا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.