ماذا يريد الشعب من الحگومة الجديدة؟ العاقلون في هذا الوطن يعرفون جيدا أن تغيير السياسات أهم من تغيير الاشخاص،ولا حديث للرأي العام في مصر خلال هذه الايام الا عن تغيير السياسات التي دمرت حياة المصريين وجعلت حياتهم غير آدمية، ولكن قبل الاجابة عن سؤال : ماذا يريد الشعب المصري من الحكومة الجديدة علينا ان نتذكر كوارث السياسات السابقة حتي نستطيع معالجتها وعدم تكرارها. علي المستوي الاقتصادي تسببت سياسات الحكومات السابقة في عجز الموازنة العامة الذي بلغ حدود 9%، والدين العام الذي وصل إلي أكثر من تسعمائة مليار جنيه مصري في شقه المحلي، ونحو 32 مليار دولار في شقه الخارجي،وكبدت هذه الديون الموازنة العامة للدولة نحو 173 مليار جنيه، عبارة عن أقساط وفوائد، وهو مبلغ ضخم، يفوق مخصصات التعليم والصحة، كما يبلغ قرابة ضعف مخصصات الأجور التي تقترب من تسعين مليار جنيه. وتأتي البطالة لتمثل واحدة من كوارث الاقتصاد المصري، وتختلف التقديرات حولها، حسب المنظور وطريقة الحساب، حيث تراوح بين 10% و15%، ويرجع الجزء الأكبر منها لنظام التعليم الذي لا تربطه بسوق العمل أي سياسات، فيجد صانع السياسة الاقتصادية أنه مطالب بما بين سبعمائة ألف و750 ألف وظيفة سنويا. وخلال الفترة السابقة وعن طريق السياسات التي يجب تغييرها ايضا تم وضع القانون جانبا في حياة المصريين خلال عهد مبارك ووجدت الآلاف من الأحكام القضائية التي لا يستطيع أصحابها تنفيذها للحصول علي حقوقهم، مما أوجد نوعا من فقدان الثقة في النشاط الاقتصادي ومجتمع الأعمال. وقد كانت حكومات مبارك النبراس الذي اهتدي به الفاسدون لتنحية القانون وعدم تنفيذ الأحكام القضائية، وأصبحت هناك قوانين أخري غير مدونة في منظومة القانون المصري، ولكنها تحكم النشاط الاقتصادي، من خلال العلاقات بين رجال الأعمال والسلطة،ومن هنا لابد أن تكون هناك عملية فصل حقيقية بين السلطات، وعدم وجود أي تأثير سلبي علي السلطتين التشريعية والقضائية، حتي تعود الثقة إلي الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وشهدت مصر خلال الفترة الماضية وجود ترسانة من التشريعات الاقتصادية التي تشجع علي مساهمة القطاع الخاص، ومساهمته في النشاطين الاقتصادي والتنموي، ولكن المردود من هذه الإصلاحات كان ضعيفًا، وينبغي أن تركز سياسات الاستثمار مستقبلا علي قطاعي الصناعة والزراعة، واستعادة ما فقدته هذه القطاعات خلال الفترة الماضية، وأن تكون مشاركة القطاع الخاص قائمة علي أسس صحيحة. كما افتقدت مصر سياسة صحيحة تجاه الاستثمار الأجنبي المباشر، فلم تكن هناك أجندة وطنية، تحدد احتياجاتها ودور هذا الاستثمار، فتوجه معظمه نحو قطاع البترول والاستحواذ علي الشركات الوطنية، وكذلك نشاطي العقارات والسياحة. ولم تسهم هذه الاستثمارات في خلق فرص عمل بالقدر المطلوب نظرا لاتجاهها للأساليب الكثيفة رأس المال بينما مصر تحتاج حاليا للاستثمارات الكثيفة العمل لاستيعاب العاطلين والداخلين الجدد لسوق العمل. وحسب آخر التقديرات فقد بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2009/2010 نحو 6.7 مليار دولار، والمطلوب بعد ثورة يناير أن تأتي هذه الاستثمارات وفق احتياجات التنمية، وأن تعطي من المزايا بقدر مساهمتها في جلب التكنولوجيا والصادرات وإتاحة فرص العمل، وعدم مزاحمة للصناعة الوطنية. كما ان هناك مشكلات كبيرة في تخصيص موارد الموازنة العامة للدولة، ينبغي أن يعاد فيها النظر ليكون التعليم والصحة والضمان الاجتماعي، مجالات ذات أهمية خاصة، وأن يعاد النظر في المخصصات التي كانت تنفق علي الأمن بغرض تأمين النظام الدكتاتوري، وأن تقتصر علي ما يعد أمنا حقيقيا للوطن. وطبقا لرؤية بعض الخبراء فإن هناك 28 ألف جمعية أهلية مسجلة لدي وزارة الضمان الاجتماعي، وينبغي الاستفادة منها في جهود مكافحة الفقر والبطالة، وتوجيه هذه الجمعيات إلي الاهتمام بالعمل لإحداث تغيير حقيقي في حياة الفقراء ومحدودي الدخل، خاصة أن جهود العمل التطوعي ستكون عالية في إطار أداء شباب الثورة، الذين أحسنوا الأداء طوال فترة اعتصامهم في ميدان التحرير. والحياة السياسية في مصر لا تقل خطورة عن الحياة الاقتصادية فحالة الطوارئ موجودة بإستمرار وهو القانون المعمول به منذ عام 1967، باستثناء فترة انقطاع لمدة 18 شهرا في أوائل الثمانينيات، وبموجب هذا القانون توسعت سلطة الشرطة وعلقت الحقوق الدستورية وفرضت الرقابة، وقيد القانون بشدة اي نشاط سياسي غير حكومي مثل "تنظيم المظاهرات، والتنظيمات السياسية غير المرخص بها، وحظر رسميا أي تبرعات مالية غير مسجلة". وبموجب هذا القانون ايضا احتجز ما يزيد علي 17,000 شخص، ووصل عدد السجناء السياسيين كأعلي تقدير إلي 30,000 سجين. ويمنح قانون الطوارئ الحكومة الحق في أن تحتجز أي شخص لفترة غير محددة لسبب أو بدون، ولا يمكن للشخص الدفاع عن نفسه وتستطيع الحكومة أن تبقيه في السجن دون محاكمة. وخلال الاوضاع السياسية هذه تعرضت مصر للسرقة والنهب من حاشية مبارك ووزراء حكوماته المتعاقبة، ما كان له الأثر الكبير في التدهورين الإقتصادي والإجتماعي بالإضافة إلي التراجع الملحوظ في مستوي التعليم وإرتفاع معدلات البطالة وأنتشار الجرائم. والآن نسأل ماذا يريد الشعب من الحكومة الجديدة ؟.