سيف ذو حدين أوصي مؤتمر الوفاق القومي الذي يرأسه نائب رئيس الوزراء د. يحيي الجمل بحرمان قيادات الحزب الوطني العليا والوسطي من المشاركة في العمل السياسي لمدة خمس سنوات، وبرر الكاتب والباحث المرموق د. عمرو هاشم ربيع هذه التوصية التي صاغها بنفسه مشروعا لقانون عزل سياسي، بأنها تستهدف حماية ثورة 25 يناير من أعدائها، والقضاء المصري أصدر قراره بحل الحزب الوطني، الذي أثبتت بيانات المجلس العسكري تورط بعض عناصره في التوترات الطائفية الأخيرة. ويتضمن مشروع قانون العزل السياسي المقترح من المؤتمر، تجميد النشاط السياسي بحد أدني 5 سنوات، والعزل من الحق في الترشح لا الانتخاب في الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية والنقابية أو في الأحزاب أو منظمات المجتمع المدني لكل من رئيس الحزب الوطني وأمينه العام ومكتبه السياسي وأمانته العامة، ورؤساء اللجان وأمناء الوحدات المحلية للحزب وأمانة لجنة السياسات، وأعضاء مجلسي الشعب والشوري في انتخابات 2005 و2010، ورؤساء مجالس إدارات الصحف القومية. ولابد من الاعتراف أولا، بأن العزل السياسي، أيا كانت نبل أهدافه، وصدقها، هو إجراء معاد للديمقراطية ولحرية الرأي والتعبير، لأنه سيلجأ حتما إلي القوانين الاستثنائية. ومصر عرفت فكرة العزل السياسي، بعد ثورة يوليو 1952، استنادا إلي أفكار مشابهة ترمي إلي حماية الثورة من أعدائها، أفرادا كانوا أم أحزاباً، ومنعهم من مزاولة العمل السياسي، فشكلت الثورة لجانا قضائية لتطهير الجهاز الإداري من الموظفين الذين تضخمت ثرواتهم بطرق غير مشروعة، وتم حرمانهم من الوظائف العليا، وشمل ذلك أعدادا كبيرة من الموظفين، كما أقامت الثورة ما سمي «محاكم الغدر السياسي» وهي محاكم عادية، تحاكم من يتهمون بالرشوة والمحسوبية والوساطة وغيرها من الجرائم التي اعتبرت إفسادا للحياة السياسية بالحرمان من ممارسة الحقوق السياسية، كما شكلت ثورة يوليو فيما بعد «محاكم الثورة» التي حاكمت أقطاب العهد الملكي، وقادة أحزابه بجرائم الرشوة والمحسوبية وإفساد الحياة السياسية وأصدرت بحقهم أحكاما بالسجن فضلا عن عقوبات تابعة برد الأموال والحرمان من ممارسة الحقوق السياسية، بالإضافة إلي محاكم الشعب التي حاكمت الإخوان المسلمين بعد محاولة اغتيال عبدالناصر في المنشية، بالسجن والحرمان من ممارسة الحقوق السياسية، بجانب صدور قانون بحرمان كل من تولي الوزارة من 1942 حتي 1952 من حقوقه السياسية لمدة عشر سنوات، كما صدر في عام 1962 قانون بالعزل السياسي والحرمان من مباشرة الحقوق السياسية لمن طبقت عليهم القرارات الاشتراكية، ولكل من حكم عليه بأحكام عسكرية - حتي لو كانت بالبراءة - أو أعتقل، أو قدم لمحاكم أمن الدولة، وهو الأمر الذي جعل العزل السياسي يطول قائمة كبيرة من الوفديين والشيوعيين والإخوان المسلمين. وفي عهد الرئيس السادات، تم تطبيق العزل السياسي علي كل من يجري التحقيق معهم أمام المدعي الاشتراكي، كما صدر قانون العيب عام 1979 الذي تم استخدامه ضد المعارضين بحرمانهم من الحق في الترشيح والانتخاب والحق في العمل في أي وظائف لها صلة بتوجيه الرأي العام ومن المعروف أن كل تلك القوانين قد اشتهرت بأنها قوانين سيئة السمعة، وتم إلغاء عدد كبير منها في عهدي السادات ومبارك. ومشكلة العزل السياسي، هي أنها حكم بالإعدام المدني، يحرم الإنسان من حقوق دستورية أساسية، فضلا عن أنها سلاح ذو حدين، قد يستخدم ضد الخصوم اليوم، فيطول من سنوها غدا، وأظن أننا لسنا في حاجة إلي قوانين استثنائية، فمعظم من شاركوا في إفساد الحياة السياسية خلال ثلاثة عقود، يحاكمون الآن بتهم الكسب غير المشروع وهي تهم جنائية، سوف تحرمهم بطبيعة الحال من ممارسة الحقوق السياسية في حال إدانتهم بها، والمخاوف ممن يسمون فلول الحزب الوطني، لن يلغيها العزل السياسي، بل تعديل النظام الانتخابي الفردي، إلي نظام القائمة النسبية، الذي يحرمهم من الاستفادة من العوامل التقليدية التي تساهم في فوزهم في الانتخابات، دون الحاجة للاستدعاء من الماضي أسوأ قوانينه.