إن الحل الجذري لأوضاع السودان يتمثل في إقامة مشروع الدولة المدنية الديمقراطية التي تقوم علي سيادة القانون وإرساء مبادئ المواطنة والمساواة واحترام كل صور التعددية، خاصة التعددية الثقافية وضمان مبادئ العدالة وحقوق الإنسان وحرياته،والابتعاد عن كل صور الدولة الدينية أو العسكرية هذا ما خلصت إليه توصيات المؤتمر الإقليمي "السودان التصدي للتحديات والبحث عن حلول انفصال جنوب السودان - دارفور والربيع العربي" الذي عقده البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان بالتعاون مع التحالف العربي من أجل دارفور بنقابة الصحفيين الأسبوع الماضي بحضور النشطاء من المراكز الحقوقية وبعض الحركات الثورية أبرزها اتحاد نساء دارفور بالخارج ومجموعة من المهتمين بشئون السودان. «إذا كانت مصر هبة النيل فالنيل هبة إفريقيا» هذا ما قاله د.محمد فائق نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر وأفاد بارتباط مصير مصر بمستقبل إفريقيا ودعا شعبي مصر والسودان بما أنهما نسيج واحد أن يلتفا حول حلم وادي النيل وأضاف د."فائق" أن هناك من استغل قضية الهوية في السودان وأثار الأقاويل العنصرية التي تميز بين الأفارقة العرب والأفارقة غير العرب لذا ينبغي علي الدول الإفريقية أن تهتم بمراعاة الهوية الإفريقية وإدراجها بالمناهج التعليمية بالمدارس. أكد د."فائق" علي أن قضية الديمقراطية باتت مطلبا لكل الشعوب العربية المستعمرة فهذه الصحوة بدورها ستحقق أحلام شعوبنا و سيقربنا ذلك من بعضنا البعض لنحقق ما نطمح ، لذا نؤكد علي ضرورة احترام حقوق الإنسان وعلي المجتمع الدولي التدخل في حال التعدي علي أحد هذه الحقوق. وفي الجلسة الأولي التي ادارتها الكاتبة "أمينة النقاش"مدير تحرير جريدة الأهالي قالت إن هناك تصريحات ايجابية بخصوص تنمية مشتركة بين مصر والسودان في منطقة "حلايب" ، كما أشارت «النقاش» إلي ضرورة أن يتعلم النظام السوداني دروس التجارب الثورية العربية تلك التي نجحت والأخري التي في طريقها للنجاح ودعت إلي صياغة مواد مانعة في الدساتير العربية لا يمكن تغييرها لأي نظام فلا يحق للحكومات تعديل أو تغيير المواد التي تتعارض مع الحريات العامة وحقوق المواطنة وحقوق الإنسان ولا تتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان . وأوضح د."حيدر إبراهيم "مدير مركز الدراسات السودانية أن النظام السوداني يعيش علي خلق الأزمات ويوظفها لبقائه والاستمرار في شغل المواطنين حتي عندما يحاول حل مشكلة قائمة ،وأكد ضرورة البحث عن البديل بإسقاط النظام وإقامة نظام ديمقراطي حقيقي يقوم علي بحث السودانيين فيما هو مشترك بينهم وإلا سنستبدل عنصرية بعنصرية أخري في هذا المفترق.. فقد نجحت الحركة الإسلامية في تشويش رؤية أغلبية المواطنين للوحدة الوطنية عندما تتعارض مع العقيدة وهذا ما ينافي حديث الحركة الإسلامية عن وضعية مثالية لحقوق غير المسلمين في الدولة الإسلامية المنشودة بينما هي مسالة نظرية تماما يستحيل تطبيقها فعليا عند قيام الدولة الدينية. كما جاء في الورقة المقدمة لدكتور"حيدر "أن السودان يعيش سيولة سياسية تجعل رسم خريطة سياسية ثابتة نسبيا في تحالفاتها ومواقفها السياسية مسألة في غاية الصعوبة والأخطر هو غياب الرؤي الاستراتيجية بعيدة المدي في تناول قضايا الوطن فالجميع حكومة ومعارضة يتعامل بردود الفعل وتجزئة القضايا أو ما يسمي في السودان «رزق اليوم باليوم » وهذا سبب تغيير المواقف السريع والمتواتر . فيري د.«حيدر» أن الأجواء بعد الانفصال الرسمي بين الشمال والجنوب ستسود حالة اللا سلم واللا حرب فليستعد العالم لدولتين فاشلتين طازجتين تملآن الدنيا وتشغلان الناس وسيكون بين الدولتين توتر مستمر فيصبح الشمال مقعدا اقتصاديا والجنوب مقعدا سياسيا ولن يحدث تغيير في البنية التحتية بالدولتين . وفي الجلسة الثانية التي أدارها الكاتب"سعد هجرس"مدير تحرير جريدة العالم اليوم" أشاد بالتحركات الدراماتيكية وموجة الثورات التي اجتاحت العالم العربي والسودان كان سباقا للجميع في الثورات ،وقال عن زيارته للخرطوم وجوبا ضمن الوفد الشعبي انه لمس في الشارع السوداني صدي عميقا لثورة 25 يناير في السودان سواء في الشمال أو الجنوب ووجدنا اهتمامهم بتفاصيل ما جري في ميدان التحرير بالرغم من تجاهل الحكومة السودانية تماما للثورة قبل التنحي. أما د."إجلال رأفت" أستاذ الدراسات الإفريقية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة تساءلت عن قدرة الثورة المصرية تغيير الوضع الملتبس في العلاقات المصرية السودانية وعن المؤشرات التي اتضحت خلال تتبع مسار الأحداث منذ بدء الثورة.. وذكرت التناقض في زيارة البشير لمصر بعد الثورة وبعد تجهلها الثورة عند قيامها وعلي الرغم من الاستقبال الرسمي للبشير من القوات المسلحة وحزب الوفد إلا أن قطاعا عريضا في الشارع المصري رفض مقابلته مثل د.«البرادعي»، د.«رفعت السعيد » ،ائتلاف شباب الثورة. وخلصت د."إجلال"أن هناك مشكلة بنيوية في مصر والسودان فعلي المستوي الشعبي التفتيش فيما هو مسكوت عنه لتستقيم العلاقات وتستقر لان الشعبين لديهما تقارب أكثر من الحكومات والأحزاب ،وعلي المستوي الرسمي فلابد من وجود نظم ديمقراطية تحترم الاختلاف وحقوق المواطنة والأديان وكذلك ضرورة المراجعة من الناحية البنيوية للمجتمع السوداني بين المستوي الرسمي والشعبي. وفي سياق متصل أوضح د.«أمين مكي مدني» مدير المرصد المدني لحقوق الإنسان أن السودان لا تتوقف أزمته عند المناداة "بتغيير النظام" بل إجراءات جراحية تعالج مخاطر تفتيت الوحدة الوطنية وتمزيق أواصر البلد إلي عدة دويلات خاصة في ظل الأوضاع المؤسفة في كل من أبيي وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ودارفور وما يتحكم فيها شعارات العروبة ومزايدة باسم الدين في بلد ثلث سكانه لا يعرفون العربية . ويشير د."مكي"لمواجهة البلاد أزمة اقتصادية لا سابق لمثيلها وأن العجلة الاقتصادية توقفت منذ 9 أعوام وأصبحوا علي الكفاف وعالة علي الدولة يعيشون بدون خدمات تعليمية أو صحية وانتهاكات غير محدودة وقذف عشوائي للقري.