الشعب التركي لم يرد ان يتغير كثيرا، وفضل ان ينتخب حزب العدالة والتنمية ذا الجذور الاسلامية والحاكم في تركيا منذ حوالي تسع سنوات ، والذي استطاع ان يحقق النصر في الانتخابات البرلمانية التي جرت الأحد الماضي بنسبة 50,4% ، ثم تلاه حزب الشعب الجمهوري العلماني الاتاتوركي بنسبة 25,8% ، في حين ان حزب الحركة القومية حقق 13,2% ، وهي نسبة تبدو للاخير معقولة له بعد سلسلة من الفضائح الجنسية هزت الحزب. وعلي الرغم من الاستقرار الذي تشهده تركيا منذ فترة ، لكن تلك الانتخابات جعلت تركيا وكأنها في مرحلة انتقالية ، نظرا للحديث المتداول قبل الانتخابات حول نية حزب العدالة بقيادة رجب طيب اردوغان تعديل الدستور ، وتحويل الدولة من النظام البرلماني الي النظام الرئاسي ، بحيث يتولي اردوغان رئاسة البلاد بعد ان كان رئيسا للوزراء ، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول الدولة التي تتجه الي خدمة رجل واحد او فئة بعينها ، مما يعزز الغرائز الاستبدادية لهؤلاء. حول هذا المعني تحدثت صحيفة ذي اكونوميست الانجليزية ، فقد دعت الاتراك للتصويت لصالح حزب الشعب الجمهوري ( يساري التوجه) بدلا من التصويت لصالح حزب العدالة حتي لا ينفرد اردوغان ورفاقة بتمرير مشروعهما الدستوري ، مما يؤدي الي تفاقم الميول الاستبدادية لا سيما بعد نجاحهما في الخروج من حربهما مع الجيش وسلطة القضاء دون خسائر الي حد كبير ، وبغض النظر عن حق الصحيفة في اطلاق مثل هذه الدعوة اولا ، فقد حدث خلط للاوراق في مصر ، اذ اهتمت جماعة الاخوان المسلمين بخبر الصحيفة وروج شبابهم علي الفيس بوك بان هذا تدخل سافر ومؤامرة لا تختلف عما يحدث في مصر بمنع الاسلاميين من التفاعل مع الدستور دون الادراك ان الغرض هو ليس منع الاسلاميين من المشاركة في اي صياغة دستورية بل منعهم من الاستئثار بعملية التغيير و اقصاء الاخرين ، وهو هدف كان يريده حزب العدالة عندما اراد زيادة نسبته حتي يحقق ما يصبو اليه. وعلي الرغم من النجاحات الاقتصادية لحزب اردوغان لكنه لم يحقق كثيرا في مجال حرية الرأي و التعبير ، فالاعتقالات بين الصحفيين في ازدياد ، بالاضافة الي النهج السيئ الذي تنتهجه الحكومة مع المعارضين .. صحيفة دي فيلت الالمانية لاحظت ان اردوغان يتهم معارضيه بسب الدين في الدعاية الانتخابية ، وعرضت سلسلة من النماذج التي تبين مدي التضييق علي المعارضين وخاصة مع غير المتدينين . وقالت الصحيفة انه كما قام العلمانيون في التسعينيات في انقرة بالتضييق علي الاسلاميين مما يعد بلا شك من الاخطاء الكبيرة، فان حزب اردوغان يرتكب الخطأ نفسه بالتضييق علي العلمانيين. وقد يكون مهما الاشارة الي ان نجاح حزب العدالة في الوصول الي الحكم في ظل نظام علماني لم يمنعه كثيرا من الوصول الي ما يريده ، لكن المخاوف ان ينفرد الحزب بالبلاد بحيث يغير في بنيتها ويجعل من المستحيل ان يصل الي الحكم فيها حزب علماني ، وكان زعيم حزب الشعب الجمهوري قد اتهم اردوغان بانه يريد تحويل تركيا الي دولة بوليسية. من جديد يستطيع اردوغان ان يكون حكومة من دون ان يشترك معه اي حزب آخر ، لكنه لم يحقق هدفه بتحقيق اغلبية مناسبة تساعده علي تمرير مشروعه ، وهو ما قد يعني النسخة الحالية لحزب اردوغان لن تختلف كثيرا عن النسختين السابقتين . والاسئلة كثيرة هل يتصرف اردوغان كخليفة او سلطان ، وهو لقب اطلقته المعارضة ضد الرجل ذي السبعة وخمسين ربيعا ، وهو امامه ملفات في غاية الصعوبة : المسألة الكردية ، والعلاقات مع سوريا.