عندما قامت الحكومة والمجموعة الوزارية الاقتصادية بتأجيل الإعلان عن الموازنة العامة الجديدة أكثر من مرة علي مدار الأشهر الثلاثة الماضية ربما كان ذلك أمرا طبيعيا في ظل الأوضاع التي تشهدها مصر خلال الفترة الماضية، بل الاهم من ذلك أن الموازنة الجديدة ليست كالموازنات العامة السابقة المعتادة، ولكنها موازنة الخروج من نظام رحل وحكومة سابقة كان يعتمد علي" تأليه" معدل النمو إلي نظام جديد وحكومة تضع في حساباتها مصلحة المواطن في المقام الأول . لذلك لم يكن غريبا في مناقشات مجلس الوزراء الأخير- الذي اقر الموازنة تمهيدا لرفعها إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة- كانت بمثابة الحيثيات التي أعدتها الحكومة في تبرير البنود الأساسية التي ارتكزت عليها عملية توزيع الاعتمادات المالية التي وردت في قائمة الإنفاق الحكومي.من خلال المتابعة الدقيقة للموازنات العامة السابقة والحالية نستطيع القول- بغض النظر عن الجدل الشديد الذي صاحب إعلان المؤشرات الرئيسية - أن هناك فارقا كبيرا بين موازنة 2011-2012 وكل الموازنات السابقة من حيث البنود والتصنيف والتوزيع . في الموازنة الجديدة هناك اهتمام اساسي بالبعد الاجتماعي ويكفي أن موازنة الأزمة قد تضمنت 287 مليار جنيه للإنفاق علي البعد الاجتماعي بزيادة 52 مليار جنيه عن العام الماضي في الوقت الذي كانت تقدم فيه حكومة النظام السابق بنودا ابتدعها وزير المالية المطلوب علي ذمة العديد من قضايا الفساد وإهدار المال العام, لم يكن أحد يستطيع فك رموزها إلا من وضعوها وذلك عندما ابتكر تبويبا جديدا للموازنات العامة اعتمد فيه علي رصد العديد من حزم التنشيط الاقتصادي التي كانت تعتمد علي دعم القطاع الخاص والمستثمرين علي حساب المواطنين المصريين خلال الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية وذلك تدعيما لهدف كانوا يسعون إليه وهو تعظيم وزيادة معدلات النمو والذي كان يصب في مصلحة حفنة من رجال الأعمال والمستثمرين .وفي الوقت الذي كان المواطنون يئنون من وطأة ارتفاع أسعار السلع والخدمات كانت هناك حرب تكسير عظام بين رجال أعمال الحزب الوطني المنحل حول تقسيم كعكة الحزم المرصودة لتنشيط الاقتصاد . لم يكن غريبا نتيجة هذه التوجهات أن تقوم الحكومة عند وضع الموازنة الجديدة بخفض ما كان يسمي بدعم الصادرات المصرية والذي كان يصل إلي أربعة مليارات جنيه بنسبة 2 مليار تقريبا فقد أثبتت الأحداث أن الصادرات المصرية لم تستفد كثيرا من هذه المخصصات بقدر ما استفاد منها الأشخاص المصدرون، ويكفي أن الوزير السابق المسئول عن هذا البرنامج استفاد هو شخصيا من الدعم من خلال إدراج اسم شركاته . لكن رغم انتهاء الحكومة من الموازنة العامة الجديدة المقرر تطبيقها اعتبارا من الشهر القادم والتي تضمنت إنفاق عام يصل إلي 514.4 مليار جنيه مقارنة بحوالي 400.3 مليار جنيه في الموازنة الحالية اي بنسبة زيادة تصل إلي 20% تقريبا وتوقعات بوصول حجم الإيرادات إلي 350.3 مليار جنيه إلا أن الحوار حول الموازنة لن ينتهي إلا بعد إقرارها من المجلس الأعلي للقوات المسلحة خاصة إذا علمنا أن هذا المشروع قد شهد ثلاثة تعديلات في البنود الأساسية للموازنة العامة علي مدي الشهر الماضي فقد سبق وان حددت الحكومة الإنفاق العام بحوالي 500 مليار جنيه وإيرادات متوقعة بحوالي 342 مليار جنيه ونسبة عجز مالي تصل إلي 149.5 مليار جنيه . لكن نتيجة التوقعات بارتفاع أسعار السلع الغذائية قامت الحكومة بزيادة الإنفاق العام بنسبة 9 مليارات جنيه في حين ظلت الإيرادات ثابتة وهو ما يعني زيادة نسبة العجز المتوقع .لكن بعد المرونة التي أبدتها العديد من الدول العربية والأوربية وحتي الولاياتالمتحدةالأمريكية قامت الحكومة بإحداث بعض التعديلات في الموازنة في ضوء تلك المساعدات .حيث قامت بزيادة الإنفاق العام بعد إدراج مشروع الحد الأدني للأجور الذي يكلف الموازنة العامة للدولة في المرحلة الأولي 7.5 مليار جنيه ليصبح إجمالي الإنفاق العام 514 مليار جنيه علاوة علي زيادة حجم الإيرادات المتوقعة إلي 350 مليار جنيه . ونتيجة لذلك قامت الحكومة بزيادة بفرض شريحة إضافية بنسبة 5% علي أرباح شركات الأموال والأشخاص التي يزيد وعاؤها الضريبي إلي 10 ملايين جنيه لتصبح 25 % ونسبة 10% علي شركات الأموال ومن المنتظر إن تحقق هذه الإجراءات حوالي 30 مليار جنيه، لذلك لم يكن غريبا أن تعلن الحكومة عن زيادة إيرادات الضرائب في مشروع الموازنة إلي 232 مليار جنيه بالمقارنة بحوالي 200 مليار في الموازنة الحالية . وأيضا رفع معدلات الضرائب علي السجائر المحلية والمستوردة بنسبة 10% لتصل الضريبة المفروضة علي السجائر إلي 50% وهو ما سيوفر موارد للدولة بنحو 1.2 مليار جنيه. وفي الحقيقة فان التطبيق التدريجي لنظام الضرائب التصاعدية كان ضروريا لبدء إصلاح هيكل الأجور للعاملين بالجهاز الإداري وذلك لتمويل زيادة الحد الأدني للأجور إلي 700 جنيه شهريا بنسبة نمو 66% وهو ما سيستفيد منه 1.9 مليون موظف بالجهاز الإداري للدولة والذين يشغلون حاليا الدرجة السادسة ، أيضا تحريك الدرجات التالية في هيكل الأجور بنفس قيمة الزيادة في الحد الادني والبالغة 278 جنيها وليس بنفس نسبة الزيادة وذلك لتقليل نسب التفاوت في قيم الأجور للهيكل الإداري للدولة كما تم رفع حد الإعفاء الضريبي للمرتبات من 9 آلاف جنيه سنويا حاليا إلي 12 ألف جنيه. هذه الزيادات في الأجور سيستفيد منها كل العاملين بالجهاز الإداري للدولة والبالغ عددهم 6.2 مليون موظف ، مشيرا إلي أن هذه الزيادات مع تكلفة العلاوة الاجتماعية والتي تم إقرارها في ابريل الماضي بنسبة 15% سترفع حجم الإنفاق علي الأجور وتعويضات العاملين إلي 116.5 مليار جنيه في الموازنة . كما تشمل مخصصات البعد الاجتماعي 138 مليار جنيه لدعم السلع التموينية والمنتجات البترولية بزيادة 27.5 مليار علي العام الحالي بنسبة نمو 24% أيضا تمت زيادة مخصصات دعم ومساندة نظم المعاشات والضمان الاجتماعي إلي 40.5 مليار جنيه بزيادة 10.4 مليار جنيه عن العام المالي الحالي بنسبة نمو 34%.