مرة أخري يقدم المجلس الأعلي للقوات المسلحة علي إصدار مرسوم بقانون يتعلق بالإطار السياسي والقانوني الحاكم للحياة السياسية في مصر بصورة منفردة ودون أي مناقشة لبنوده والحوار حولها مع الجهات المخاطبة بهذا القانون، وهي الأحزاب والقوي السياسية والمنظمات الحقوقية، والتي ساهمت معا خلال السنوات الماضية في عقد ورش عمل وندوات ومؤتمرات لمناقشة القانون 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية، وصياغة مشروع بديل ونشره وتوزيعه علي كل من يهمه الأمر. فقد فاجأ المجلس العسكري الرأي العام يوم الاثنين الماضي «أول أمس» بإصدار مرسوم بقانون باستبدال المواد 4 و6 «بندا» و7 و8 و9 و11 و17 من القانون الخاص بنظام الأحزاب السياسية. تكشف التعديلات إلي أن الأغنياء ورجال الأعمال هم فقط الذين يستطيعون إنشاء حزب جديد، فقد تبين أن تكلفة الإعلان مرتين عن أسماء المؤسسين حسب شروط القانون تصل إلي 500 ألف جنيه للصفحة الواحدة فقط مما يعني عملياً أن الإخوان وفلول الحزب الوطني «في حالة الحكم بحله» هما القوتان القادرتان علي هذه التكلفة الباهظة. ورغم أن المواد الجديدة أزالت بعض القيود التي كانت تعترض قيام الأحزاب وممارستها لدورها، لكنها أبقت علي قيود أخري وأضافت إليها. فرغم أن المادة السابعة الجديدة تتحدث عن الإخطار - وهو نفس ما كان قائما في القانون عند إصداره عام 1977 وتعديله عام 2005 - لكن قراءة المواد 7 و8 و9 تؤكد أن الحزب لا يقوم إلا بعد حصوله علي ترخيص من لجنة «الأحزاب السياسية»، إما في نهاية الثلاثين يوما التي حددها القانون لتفصل اللجنة في طلب الترخيص إذا لم تعترض اللجنة، أو أبلغت المؤسسين بالموافقة. وبعد أن كان القانون يشترط عام 1977 أن يتقدم بالإخطار 50 من المؤسسين، تمت زيادتهم إلي 1000 من عشر محافظات علي الأقل وبما لا يقل عن خمسين عضوا من كل محافظة بالقانون 177 لسنة 2005، وتمت مضاعفتهم في مرسوم المجلس العسكري ليصل الحد الأدني للمؤسسين إلي 5000 من عشر محافظات علي الأقل بما لا يقل عن 300 عضو في كل محافظة، وهو شرط مانع لقيام الأحزاب، فالأحزاب تولد صغيرة ثم تنمو وتكبر مع الأيام، ويزيد الأمر صعوبة بإلزام الحزب بنشر أسماء المؤسسين جميعا في صحيفتين يوميتين واسعتي الانتشار، بما يكلف الحزب الوليد 200 ألف جنيه علي الأقل وربما أكثر طبقا لسعر الصفحة الإعلانية في الصحف اليومية، كل ذلك قبل قيام الحزب قانونا! وتتحدث المادة الثامنة عن تشكيل لجنة الأحزاب السياسية، ورغم أن التشكيل الجديد أفضل بما لا يقارن من التشكيل السابق الذي كان يرأسه رئيس مجلس الشوري ومن أعضائه وزير الداخلية ووزير شئون مجلس الشعب وشخصيات عامة يختارهم رئيس الجمهورية، بينما التشكيل الجديد من 7 من القضاة، لكن اللجنة تظل لجنة إدارية وقراراتها قرارات إدارية. والطعن عليها من درجة واحدة أمام المحكمة الإدارية العليا، وهو انتقاص من حق التقاضي، فالمفروض أن يكون الطعن علي درجتين، أمام محكمة القضاء الإداري أولا ثم الاستئناف أمام المحكمة الإدارية العليا. وتتكرر في المادة الرابعة «ثانيا» عبارات مطاطة تحتمل عديدا من التفسيرات سبق للمحكمة الدستورية العليا أن رفضتها مثل الحفاظ علي «الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي». وفي نفس المادة «ثالثا» اشتراط عدم قيام الحزب علي أساس ديني وهو أمر صحيح وإيجابي، ولكن إضافة عدم قيامه علي أساس «طبقي» وهو الأمر المنصوص عليه في القانون منذ عام 1977 يتجاهل أن الحزب في أحد تعريفاته الشائعة «هو تعبير سياسي لطبقة ما أو تحالف طبقات، فلا وجود لحزب سياسي دون أساس طبقي»، وتقوم الأحزاب في الدول الديمقراطية جميعا علي أساس طبقي واضح، ففي انجلترا يدافع حزب المحافظين عن الرأسمالية، بينما يدافع حزب العمال عن الطبقة العاملة، ونفس الصورة في فرنسا فالحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي يدافعان بدرجات مختلفة عن الطبقات العاملة، علي عكس التجمع من أجل الجمهورية.. وهكذا. تبقي ملاحظة أخيرة تتعلق بالمادة 22 من قانون الأحزاب والتي لم تلتفت إليها التعديلات فهذه المادة التي تعاقب بالسجن «كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار أو مول علي أي صورة علي خلاف أحكام هذا القانون تنظيما حزبيا غير مشروع ولو كان مستترا تحت أي ستار ديني أو في وصف جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة أيا كانت التسمية أو الوصف الذي يطلق عليه..» سبق أن عارضتها القوي الديمقراطية، وانسحب عند نظرها عام 1977 نواب حزب التجمع في مجلس الشعب بزعامة خالد محيي الدين والنواب المستقلون بزعامة د. محمود القاضي، ووصفها فقهاء القانون بأنها تعد «نصا تشريعيا ناقصا وفي حكم العدم، لا يملك القضاء إلا استبعادها.. وتفتقد الجريمة المنصوص عليها في هذه المادة لركنها الشرعي.