ها هو الحديث يتجدد مرة أخري ... الحديث حول تلك الجريمة التي وقعت في الإسكندرية منذ عدة اعوام وللأسف لم تأخذ تلك الجريمة حقها من المتابعة والإهتمام واعني بتلك الجريمة جريمة بيع أراضي مصانع النحاس بالإسكندرية. تقع أراضي مصانع النحاس المصرية في منطقة شديدة الكثافة السكانية وهي منطقة حجر النواتية .... وتحتل هذه الاراضي مساحة شاسعة وكانت يوما ما تعج بحركة العمال وضجيج الآلات وصخب العمل وذلك قبل ان تطولها يد الخصخصة المخربة وخراب التحول الاقتصادي ورغم أنني غير محسوب علي التيار الإشتراكي ولي عشرات التحفظات عليه سواء من الناحية النظرية أو من ناحية التطبيق إلا أن ما حدث ولايزال يحدث لأراضي مصانع النحاس المصرية يتجاوز هذا الخلاف الأيدلوجي إلي وفاق الوطنية وتوحد المصلحة العليا للبلاد والعباد... يتجاوز الأراء الإقتصادية التي لا ينتهي الخلاف فيها إلي الرؤية الاجتماعية التي لا خلاف عليها. بوقوع مصر تحت ( نير الخصخصة) بعد نير الاستعمار أصبح البيع هو سيد الموقف بيع كل شئ واي شئ أيا كان فإذا كنا لم نستطع أن نوقف جريمة بيع مصرو تبديد ثروتها الاقتصادية بحكم أننا صدقنا أنه لن يضار عامل واحد من جراءعمليات الخصخصة وإذا كنا تخاذلنا وقتها في التصدي لكارثة بيع القطاع العام بالطريقة التي بيع بها.. فيجب علينا الآن ودون تردد أو تأجيل التصدي وبحسم لجريمة البيع الثاني ... والبيع الثاني الذي أقصده هو بيع أراضي مصانع النحاس المصرية كأراضي بناء ومن ثم تحويلها إلي مدينة سكنية. الكارثة ليست فقط في البيع الأول ولا البيع الثاني ولكن الكارثة أيضا أن المنطقة الجغرافية التي تقع فيها اراضي مصانع النحاس المصرية منطقة مكتظة وآهلة بالسكان ولا تحتاج بأي حال من الأحوال ولا تحتمل إضاف عبء سكاني إليها. هذه واحدة ... أما الثانية هي إن هذه المنطقة أيضا تحتاج أشد ما تحتاج إلي مساحة خضراء تكون متنفسا لأهالي هذه المنطقة المأزومة. أنني أعجب من أمر متخذي القرار في بلادنا هؤلاء القوم لا يفتئون في إصدار قرارات ورسم خطط تتعارض في كثير من الأحيان مع مصلحة الناس وتتنافي مع منفعتهم بل تصيبهم بالضرر في كثير من الأحايين. أنني اتصدي لجريمة بيع اراضي مصانع النحاس المصرية هنا من منطلقين الأول منطلق عام والثاني منطلق خاص أما المنطلق العام فهو لا يغيب عن ذوي الألباب والعقول السوية منطلق ينبع من الإحساس بأن ما حدث للقطاع العام في مصر يعد جريمة اقتصادية واجتماعية بكل المقاييس ولا دليل علي ذلك أكثر من هذه الحالة العصية العجيبة التي كانت تصيب المسئولين في مصر عندما يأتي ذكر العائد من الخصخصة وأين ذهب وبماذا عاد علي البلاد من نفع... وهذه الحالة من التشنج التي كانت تصيبهم أجمعين عندما يذكر أمامهم أن سياسة الخصخصة هذه سياسة فاشلة جرت علينا الهوان ... مما أعطي إنطباعا لدي الجميع أن البيع فلسفة لا مجرد إجراء ومبدأ لا مجرد حل. أما المنطلق الثاني انطلق من خلاله هو منطلق شخصي بحت فلقد كان والدي رحمة لله يعمل عاملا في هذه المصانع والتي كنت أري شعارها مرسوما علي النتيجة السنوية )المعلقة علي حائط منزلنا لقد كان هذا شعارهذه المصانع في حد ذاته يمثل كل معاني العمل والكفاح وكرامة السعي وراء الرزق كان يمثل كل معاني الرجولة .... لقد كان الشعار لمن لا يعرفه عبارة عن صهريج مائل يسيل منه النحاس المنصهر شعار يدل علي عرق الصناعة وليس علي رفاهية الاستيراد واستسهال البيع والتفريط... واتذكر ايضا إن والدي أخذني معه ذات مرة ولكني الآن للأسف لا استطيع ان أذهب بابني الصغير لزيارة هذه المصانع لان هذه المصانع صارت أطلالا وخرابا بسبب الخصخصة و ما جرته علينا من خراب ينعق فيه البوم ويحلق فوقه الغربان. إذا كنا قد فشلنا جميعا ..فرادي ومؤسسات.... أحزاب ونقابات.... في وقف خصخصة ثروة مصر وبيعها بثمن لا يعرفه أحد، فيجب علينا الآن ألا نتمم هذا الفشل بفشل آخر وأن نتصدي لهذا الإجراء حتي لا تكتمل هذه الجريمة. إن صدق الكلام فعلا عن نية تحويل أراضي مصانع النحاس المصرية إلي مدينة سكنية فهذا معناه أننا نسكت عن كارثة حقه وإذا كان ما تم قد تم والبيع صار حقيقة لا مفر منها فعلي الاقل يجب علينا ان ننقذ ما يمكن إنقاذه وأن نحاول وبحملة علي جميع المستويات أن نوقف هذا المشروع المدمر للبيئة والذي سوف يضيف عبئا كبيرا علي مرافق هذه المنطقة السكنية الكثيفة. إننا في هذا المقام نطالب بتحويل اراضي مصانع النحاس المصرية إلي مسطحات خضراء أو ملاعب مفتوحة يرتع فيها شباب واطفال المنطقة والمناطق المحيطة والذين لا يجدون الا الشوارع الضيقة كي يلعبوا فيها أو يقفوا علي نواصيها يرقبون المارة (والمارات) بعيون يملاؤها الفراغ واليأس .... حولوها إلي مركز كبير للشباب أو إلي ناد اجتماعي بسيط الاشتراك ... لا تبيعوها اراضي بناء لأنه في الحقيقة ليس بناء بل هدما ... هدم للانسان وللوطن لعل بكلماتي هذه اكون قد وفيت جزءا ولو بسيطا من حق هذا الوطن الكريم .