هل يتمگن الوزير الجديد من فتح ملفاته؟ مشاكل التعليم تراكمت في ظل السياسات المتبعة مع وزراء عصر مبارك، وهي مشاكل متعددة تتعلق بالأساتذة والطلاب واستقلال الجامعات، وبميزانية التعليم والمجانية وتكافؤ الفرص التعليمية، بصفة خاصة مشروع الجودة والاعتماد للجامعات، والتعليم المفتوح وأقسام اللغات والأقسام المميزة، والحرس الجامعي، ومطالب الأساتذة بتطبيق الكادر الخاص بهم، وغيرها من المشاكل التي تراكمت داخل ملفات التعليم الجامعي، وجرحت العدالة في توزيع الفرص التعليمية، وحولت التعليم إلي سلعة لا يتمكن الفقراء من الحصول عليها لعدم قدرتهم علي دفع الثمن، هذه الملفات وغيرها، هل يستطيع الوزير الجديد أن يفتحها بعد أن اندلعت ثورة 25 يناير، وإذا فتحها هل يستطيع وحده أن يجد لها حلا؟ هذا ما سيناقشه هذا التحقيق. الدكتور محمد أبوالغار - الأب الروحي لحركة 9 مارس - يري أن الوزير الجديد لن يستطيع عمل أي شئ لإصلاح التعليم العالي، لأن هذه الوزارة مدتها قصيرة، ويطالب الوزير الجديد بإنشاء لجنة دائمة من الخبراء والمهتمين بتطوير وإصلاح التعليم الجامعي، لوضع خطة طويلة الأمد تستمر في عملها سواء بقي الوزير في الوزارة أم غادر، وأن يلتزم بهذه الخطة أي وزير آخر للتعليم، وتأخذ الوقت المناسب لعملية إصلاح جذري لمنظومة التعليم الجامعي، وعلي هذه اللجنة مع وزير التعليم أن تطالب الدولة بميزانية حقيقية لإصلاح التعليم، وأن توزع ميزانيتي وزارة الداخلية والإعلام المتضخمتين وتوجه إلي التعليم، لأن التعليم هو المستقبل الحقيقي لمصر. مراجعة مشروع الجودة الدكتورة ليلي سويف - الأستاذ بكلية العلوم جامعة القاهرة: تضيف أن أهم المطالب الملحة هي إيقاف مشروع الجودة للجامعات، ومراجعتها، لأنه بالنظر إلي ما صرف علي هذه المشروعات والمردود منها علي الجامعات لا شيء، وفتح هذا الملف لمحاسبة المسئولين عنه وعن المبالغ التي صرفت بلا جدوي أو هدف وأين ذهبت؟ وتطالب ليلي سويف الوزير الجديد بالرجوع إلي قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 الذي ينص علي انتخاب القيادات الجامعية وإلغاء القرار الذي صدر عام 1994 بتعيين القيادات الجامعية لأن أغلب القيادات المعنية أساءات استخدام السلطات وتسترت علي الفساد المالي والإداري للجامعات. كادر خاص للأساتذة الدكتورة ثريا عبدالجواد - الأستاذ بجامعة المنوفية - تشير إلي أن أهم الملفات أمام وزير التعليم العالي، هو مشروع جودة الجامعات، لأن هذا المشروع يتم بطريقة فيها إهدار للتعليم وللميزانية المخصصة له، لأن هذا المشروع وضع معايير معينة تتفق مع المعايير الدولية لاعتماد الجامعات المصرية، وهذا لم يتحقق، لأن الذي يديره أعضاء هيئات التدريس التابعون للحزب الوطني، والمبالغ التي صرفت حتي الآن علي هذا المشروع لم تستفد منها أي كلية، وحين طالب أعضاء هيئات التدريس بوضع كادر خاص لهم لزيادة رواتبهم، وضع لهم الوزير نظاما عجيبا يسمي «ربط الأداء بالجودة»، وهو عبارة عن ملء استمارات من أجل الفلوس فقط، ويحصل علي النسبة الأكبر من هذه الميزانية الأساتذة الموالون للإدارة والحزب الوطني، وهي بمثابة رشوة للقيادات الجامعية التي وافقت علي الدخول في هذا النظام، بالإضافة إلي أن الجودة لا تتحقق بمعايير شللية، عبارة عن تستيف أوراق. التعليم المفتوح وتؤكد ثريا عبدالجواد أن القانون المرفوض شكلا وموضوعا هو التعليم المفتوح، وهو من أهم القضايا التي تؤدي إلي تدهور مستوي التعليم الجامعي وتكافؤ الفرص التعليمية، وهو خروج علي فلسفة التعليم المفتوح لمن فاتهم قطار التعليم، أما أن يتم قبول خريجي الثانوية العامة الحاصلين علي 50% في كليات القمة، فهذا النظام ضد ديمقراطية التعليم وعدالة الفرص، وتطالب عبدالجواد بإلغاء الأقسام المميزة في الكليات العملية والنظرية، والتي تميز بين الطالب في الكلية الواحدة علي حسب القدرة المالية لهم، وهي أقسام تهدد النسيج الاجتماعي داخل المجتمع الجامعي، وضد العدالة التعليمية، لأن الوزير السابق كان يهدف بهذه الأقسام إلي تحويل الجامعات الحكومية لجامعات بمصروفات، وتحويل التعليم كسلعة في السوق لمن يستطيع دفع ثمنها، بحجة استقلال الجامعات، لكن استقلال الجامعات لا يعني تحميل الطلبة الفقراء نفقات تعليمهم، ولا يعني أن تخفف الدولة من عبء مسئوليتها عن التعليم، والوقوف بحزم ضد التزايد الخطير في عدد الجامعات الخاصة والأجنبية، فهي ليست مجرد تنوع ثقافي علي اللحن الوطني والقومي، ولسنا ضد تعليم اللغات الأجنبية، ولكن هذا الاختلاف علي أساس اللغة قد يصل إلي حوالي عشرة أنماط من الثقافات، وينجم عن هذا التباين والاختلاف - لا التنوع - الكثير من المخاطر كتفسخ النسيج المجتمعي وخلخلة التضامن الإنساني والهوية الثقافية والسلام الاجتماعي. الأقسام المميزة واللغات الدكتورة محيا زيتون - الأستاذ بجامعة الأزهر - تشير إلي أن أهم الملفات أمام الوزير الجديد هي الإيقاف لجميع الأنظمة الخاصة داخل الجامعات الحكومية، وأن يكون هناك تعليم موحد بميزانية جيدة، ويتلقي جميع الطلاب نفس النوعية من التعليم والاهتمام بالجامعات، لأن هذه الأنظمة هي عبارة عن جباية أموال وعدم تكافؤ فرص التعليم، أما التعليم المفتوح فهو مهزلة وشهادة علي ورق، لأنه شهادة من منازلهم فالطالب لا يحضر سوي يوم واحد لعدة ساعات محدودة، ويجلس باقي الأسبوع في المنزل وهذا خطر علي الشباب ولا يتعلمون شيئا، وعلي حسب د. محيا زيتون أنه في مؤتمر 9 مارس 2010 حينما طالب أعضاء هيئات التدريس بضرورة التوسع في الجامعات الحكومية لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب، وأنه في كل بلاد العالم هناك لكل مليون نسمة جامعة، كان رد الدكتور حسام كامل رئيس جامعة القاهرة واضحا إذ أعلن عن أنه لن يتم بناء جامعات حكومية جديدة، ومن يرد أن يتعلم عليه تحمل نفقات تعليمه. ميزانية التعليم وتؤكد د. محيا ضرورة وضع خطة موضوعية لتطوير التعليم ، وأن يتم إرسال بعثات للخارج، وهي مهمة أساسية أمام الوزير إذا أراد أن ينهض بالتعليم العالي، وأن تكون البعثات إلي جامعات ذات مستوي جيد، لأننا الآن لا نستطيع منح شهادة دكتوراة علي مستوي علمي جيد، حتي ولو كان الأستاذ متمكنا، لأن تفرغ طالب الدراسات العليا لا يسمح له بالبحث الجيد، والأستاذ نفسه دخله منخفض ولا يلقي الطالب الإشراف والتوجيه الجيد، والدراسات العليا الآن تخرج أعضاء هيئة تدريس علي مستوي هزيل، ولابد من النظر في الكتاب الجامعي ومحتواه والإشراف علي المادة العلمية بالكتاب، وأن تكون هناك مكتبات يتم تزويدها بالمراجع بشكل مستمر، وتفتح جامعات حكومية جديدة لأن كل البرامج التي طرحها الوزير السابق كان الهدف منها هو تقليص أعداد طلاب التعليم الجامعي وليس تطويره. وتشير د. محيا زيتون بضرورة مطالبة المهتمين بإصلاح التعليم ووزير التعليم بضرورة المطالبة بزيادة حقيقية لميزانية التعليم في الموازنة العامة للدولة، ووقف نظام ربط الأداء بالجودة، لزيادة رواتب أعضاء هيئات التدريس، ووضع كادر حقيقي لزيادة رواتبهم، وأن تكون القيادات الجامعية بالانتخاب، فمساوئ نظام الانتخاب أقل كثيرا من التعيين، لارتباطه بالسلطة والأمن والمجاملات والفساد. لجنة دائمة من الوزراء وهكذا يؤكد هذا التحقيق ضرورة اقامة جامعات حكومية جديدة للتوسع في التعليم الجامعي، وزيادة الميزانية المخصصة للتعليم بشكل عام علي حساب الميزانيات التي كانت تضيع في الصرف علي جيوش الأمن المركزي وأمن الدولة والحرس الجمهوري، مع ضرورة معالجة مشاكل الدراسات العليا، وتطوير البعثات إلي الخارج، وإعادة النظر في الأقسام المميزة بمصروفات في الجامعات الحكومية لما تمثله من تمييز بين الطلاب اجتماعيا، ورفض تحويل التعليم إلي سلعة يحصل عليها من يستطيع أن يدفع الثمن من أبناء الأثرياء، وضرورة رفع المستوي المعيشي لأساتذة الجامعات عبر كادر خاص لهذه الفئة المهنية المتميزة، ومراجعة مشروع الجودة، والعودة إلي نظام اختيار العمداء ورؤساء الجامعات بالانتخاب ويؤكد هذا التقرير ضرورة إنشاء لجنة دائمة من الخبراء والمتخصصين لتطوير وإصلاح التعليم ووضع خطة طويلة الأمد لتطوير التعليم حتي لا يتحول التعليم إلي حقل تجارب يتغير بتغيير الوزراء.