في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة الاحتجاجات والتغيير في الشرق الأوسط، فإن بقية دول العالم لديها العديد من التخوفات حول ماهية هذا التغيير.. لكن يبقي في النهاية القول بأن هذه الاحتجاجات هي الأمل الوحيد للتغيير، بهذه العبارة استهلت مجلة «الايكونوميست» البريطانية مقالها الافتتاحي حول ما يشهده الشرق الأوسط من ثورات واحتجاجات. كانت شعوب الشرق الأوسط قد فقدت خلال العقود الماضية الأمل في مجرد احتمال التغيير، كانوا يشعرون بأن الوضع السابق هو مصيرهم المحتوم.. ومصيرهم أيضا أن يعيشوا تحت قبضة حكام استبداديين أضاعوا ثروات الأوطان، ونتيجة لذلك شعر بعضهم أن مصيرهم يكمن في الإسلاميين باعتبارهم البديل الذي فرض عليهم معتقداتهم وتصوراتهم حتي اكتسبوا رضاءهم. في بلدان مثل السعودية وإيران التي يحكمها الدين ظهر العلماء والإسلاميون كما لو كانوا جبهة واحدة متراصة. لكن في المقابل فإن الشعوب الآن تمتعت بالحرية الكاملة في اختيار من يحكمهم وهنا فإن الغرب قد استسلم لتلك الرغبة في التغيير. منذ شهرين تقريبا قام الشاب التونسي محمد البوعزيزي بائع الخضراوات والفاكهة بحرق نفسه بعد تعنت مسئولي المحليات ضده وذلك احتجاجا علي تدهور وضعه المعيشي وعدم وجود فرصة عمل، وهنا قام التونسيون ثم قام الشعب المصري بالنزول إلي الشوارع مطالبين بإزاحة الرئيس والمسئولين الذين اعتادوا علي قمعهم علي مدار الحقب الماضية. وخلال الأسابيع الماضية خرج عشرات الآلاف من الإيرانيين إلي الشوارع.. وتم اعتقال العشرات منهم.. وتعرض الآخرون للضرب وفي البحرين وقع أحد المواطنين صريعا في بداية المظاهرات والاحتجاجات بعد أن تعرض الجميع للرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع، وفي ليبيا خرج المتظاهرون للاحتجاج علي الديكتاتور معمر القذافي، ونفس الأمر حدث في الأردن وفي الجزائر واليمن. في العالم العربي، فإن الإسلاميين المتعصبين كانوا ومازالوا يدعون للثورات، لكن هذه الأحداث التي تشبه الحروب.. لم تكن من صنعهم وإنما قام بها الشباب من أجل التغيير.. تماما مثلما نجحت أوروبا في التخلص من الشيوعية عام 1989، فماذا يعني ذلك للإسلاميين وبقية العالم. المفتاح في مصر إن الرد علي هذا التساؤل يكمن في مصر.. هناك متشائمون يرون أن سلطة الشعب تحرق نفسها الآن، فإذا ما خلت شوارع القاهرة من المتظاهرين والمحتجين ربما يعني ذلك قتل الأمل في الديمقراطية، فإما أن تختار مصر بين حكم العسكريين أو صعود الإسلاميين في مؤامرة انتخابية. وكل احتمال وارد لأن مصر هي الشباب والغضب والفقر في وقت واحد، حيث لا يوجد تقاليد برلمانية كما أن المجتمع المصري ملئ بالعداء نحو الغرب وكراهية إسرائيل.. ويفتقد لمؤسسات ديمقراطية، في حين أن الإخوان المسلمين هم الجماعة الوحيدة المنظمة والتي تتمتع بالصبر.. في الوقت الذي تستطيع فيه الدولة استدعاء 2 مليون من رجال البوليس ورجال الأمن المدربين علي العنف، لذا فإن المستعد هو إما الإخوان أو رجل قوي آخر. لكن في المقابل فإن الشباب الذي يتظاهر يوما بعد يوم سلميا يرفض نغمة المتشائمين، ورغم أن الإخوان لعبوا دورهم إلا أنهم جاءوا متأخرين إلي المشهد.. ورغم تاريخهم السابق في العنف فإن هناك فارقا الآن من وجهة نظر العالم بين الإخوان وتنظيم القاعدة، بالطبع فإنهم يريدون السلطة، وهنا تتساءل الايكونوميست في تهكم «من هي الجماعة السياسية التي لا تريد ذلك». لقد حان الوقت لوضع نهاية والتفريق بين المضطهدين.. ومن كان يضطدهم، لقد استمد الإخوان قوتهم من الخلايا التي تعمل في الظلام ومن وسائل الذين قاموا بتعذيبهم. وعندما فاز الإخوان قبل ست سنوات بنسبة 20% من مقاعد البرلمان.. كانوا بمثابة الحزب الذي قدم البديل الحقيقي لخلافة مبارك، وبصراحة شديدة ربما كانوا أفضل أداء في الأيام الأخيرة.. لكن ليس هو الأداء الضروري أو الحتمي.. ولو فاز الإخوان بعدد كبير من المقاعد فإن ذلك سيكون حافزا مهما للمساهمة بشكل كامل في الحياة السياسية بما في ذلك أي انتخابات. الآن تجري عملية صياغة لبعض مواد الدستور تحت سمع وبصر المجلس الأعلي للقوات المسلحة.. لكن هناك بعض العلمانيين الذين يحاولون خنق الديمقراطية.. أكثر من الإسلاميين، وعلي مدار ستة عقود من الحكم العسكري استفاد قادتهم من الثروة في حين أن التحول الديمقراطي قد يحرمهم من ذلك. والسؤال الآن من الذي يدير المجلس العسكري؟ هو المشير حسين طنطاوي أحد رجال مبارك والذي يعد من المحافظين والفريق سامي عنان رئيس الأركان المقرب من الأمريكيين والذين تعهدوا بعودة مصر إلي الحكم المدني طبقا لجدول زمني وتعديلات ديمقراطية. وطبقا لما ذكرته المجلة لا أحد يستطيع أن يتنبأ بالموقف سواء في تونس أو غيرها، لأن البلد التعيس.. غالبا ما يكون تعيسا في اتجاهه.. كما أن هناك دولا أكثر استخداما للقمع من مصر مثل سوريا وليبيا.. أما اليمن فإن الوضع يبدو مختلفا في ظل التطلع لانفصال الجنوب.. في حين أن السعودية والإمارات مازالتا في طور التكوين.. وفي الوقت الذي يبدو فيه الموقف أكثر غموضا فإن العالم الخارجي من الممكن أن يلعب دورا، فالرئيس باراك أوباما قد اتخذ الحل الأمثل عندما ساند المتظاهرين.. وغالبا ما تعلن الولاياتالمتحدة وحلفاؤها عن مساعدة الإصلاحيين الذين يريدون إصلاحا بعيدا عن الصناعة الأمريكية. ومصر تحتاج الآن إلي الأموال والبنية الأساسية والنصيحة لإعادة تصحيح القضاء والصحافة والمدارس والجامعات، وعلي دول الخليج أن تدعم مصر ماليا، كما أن العلاقة بين قادة أمريكا العسكريين ونظرائهم في مصر من الممكن أن تدفع بالإصلاح.. الآن كما تقول الايكونوميست فإن الجائزة الكبري هي ديمقراطيات جديدة ليست مثل بولندا أو جمهورية التشيك ولكن مثل تركيا أو علي الأقل أندونيسيا لأن هذا النموذج لا يعني الاستسلام بالكامل للنموذج الغربي.