شغلت مصر الصحافة العالمية في الأسبوعين الماضيين فقد صدرت أهم الصحف الغربية امس، وعلي صدر صفحاتها الاولي عناوين مثل "ثورة علي النيل"... "مصر علي الحافة"... مصحوبة بصور للقاهرة تحترق، ولمتظاهرين يحتمون من الشرطة، أو متظاهرين يتراشقون بالحجارة؟ وامتلأت الصحف البريطانية والأمريكية بتغطية ميدانية واسعة للتطورات علي الارض، وتحليلات حول مستقبل مصر، في وقت كانت المواقع الالكترونية للصحف البريطانية والأمريكية، تتابع التطورات مباشرة طوال اليوم ليلا نهارا. ففي صحيفة "الفاينانشال تايمز" تناولت الأحداث في مصر من زاوية تأثيرها علي أسعار النفط في العالم فتجد علي صدر صفحتها الأولي نشرت الصحيفة تقريرا بعنوان "أسعار النفط تصعد بسبب المخاوف من تأثير أحداث مصر" ويستهل معدو التقرير تقريرهم بالقول إن سعر النفط تجاوز المئة دولار للبرميل الواحد لأول مرة منذ سنتين، وبالرغم من أن الأحداث لم تعق عمل قناة السويس واستمر تدفق النفط في الأنبوب الذي يربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط إلا أن الاقتصاد قد شل نتيجة الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد. ومع أن مصر هي من صغار منتجي النفط إلا أن قناة السويس تلعب دورا مهما في نقل نفط الشرق الأوسط بأقصر الطرق، حيث الإبحار عبر طرق بديلة سوف يعني قطع 6 آلاف ميل إضافي للوصول الي أوروبا والولاياتالمتحدة، وبالإضافة لهذا فإن التأثير للمحتمل للأحداث في مصر علي دول في الشرق الأوسط تبدو مستقرة يؤثر بدوره علي الأجواء المتوترة المحيطة بتجارة النفط. حياة اليهود أما صحيفة "التايمز" فكتبت تحت عنوان "مصر والعالم" علي صفحتها الأولي أيضا لتقرير أعده مراسلها في القاهرة، أما العنوان الفرعي للافتتاحية فهو "تأثير ما يواجهه مبارك علي العملية السلمية في الشرق الأوسط يجب أن يقلق إسرائيل والغرب"، يستهل الكاتب افتتاحيته بالربط بين الأحداث في مصر وحياة اليهود، استنادا الي القصة التي وردت في التوراة عن "عبودية اليهود في مصر" ومن ثم "تحررهم حين وصولهم إلي أرض الميعاد" حسب التوراة، ويري الكاتب أن الصلة لا تزال قائمة، ويضيف الكاتب انه لا يمكن أن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط اذا كانت الحكومة في مصر تنتهج نهج السلام.وهذا هو ما جعل الغرب يدعم النظام المصري الذي لم يكن جديرا بالقبول من الغرب الليبرالي، حسب الافتتاحية، وهذا هو أيضا سبب قلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما تري الافتتاحية أنه منذ وقع الرئيس المصري السابق أنور السادات معاهدة سلام مرتبكة مع إسرائيل أصبحت تلك المعاهدة من أعمدة الأمن الإسرائيلي.وتري الافتتاحية أنه في حال وصول المعارضة الإسلامية إلي السلطة فانها سوف تنتهج "سياسة عدائية تجاه إسرائيل"، وحكومة يتزعمها الإخوان المسلمون، وحتي ولو لم تشن حربا علي إسرائيل، فإنها قد تتنصل من معاهدة السلام معها. كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" تحت عنوان "الجزيرة تثير غضب العرب" تقول: "إن التغطية التليفزيونية لقناة الجزيرة الفضائية، التي تتخذ من قطر مقرا لها، تثير الاحتجاجات ضدها في عدد من العواصم العربية، فقد تعرضت مكاتبها في الضفة الغربية ولبنان إلي الهجوم والإحراق لأنها أثارت غضبهم وسخطهم". ووصفت الصحيفة خطاب الرئيس مبارك بأنه دليل ضعف، وكتبت: "لقد واجه المظاهرات المتصاعدة بكبت متصاعد. وفي دليل ضعف أغلقت الحكومة الانترنت وخدمات الهواتف الجوالة. ولكن ذلك لم يثنِ المتظاهرين". وأضافت: "أمر مبارك وزراءه بالاستقالة وقال ان حكومته الجديدة ستعجل في ادخال الاصلاحات".وأشارت الصحيفة إلي ان وثائق ويكيليكس كانت أظهرت ان ادارة اوباما تضغط علي مبارك سرا لاطلاق سجناء الرأي وادخال الاصلاحات، ولكن "هذه النصائح لم تذهب إلي حد بعيد". ووصلت الصحيفة إلي حد اقتراح وقف المساعدات الأمريكية نهائيا لمصر، وقالت: "علي اوباما ان يكون مستعدا لقطع المساعدات اذا حول مبارك المظاهرات إلي حمام دم وفشل بفتح النظام السياسي في مصر". وفي قصة منفصلة، تناولت "نيويورك تايمز" دور الجيش المصري في الأزمة، وقالت ان هذا الجيش "وهو العاشر من حيث الحجم في العالم، هو جيش قوي وله شعبية، ولكنه يتمتع بالغموض". ووصفت قرار مبارك بنشر دبابات للجيش علي الطرقات، بانه دليل علي "اليأس"، وأضافت الصحيفة ان الامور قد تتدهور في حال بدأ الجيش يطلق النار علي المتظاهرين، مشيرة إلي ان هذا الامر سيؤثر بشكل حتمي علي العلاقة مع الولاياتالمتحدة. وذكرت الصحيفة أن الولاياتالمتحدة قدمت 35 مليار دولار مساعدات للجيش منذ ان وقعت مصر اتفاقية السلام مع اسرائيل عام 1978 . تغيير نظام فيما صدرت صحيفة "التليجراف" البريطانية بقصة خاصة حول تمويل واشنطن لجماعات معارضة للحكم في مصر، بشكل سري. واتهمت الصحيفة الدعم الأمريكي، بأنه خلف الثورة التي تشهدها مصر سعيا لتغيير النظام. وقالت الصحيفة انها اطلعت علي وثيقة سرية، تتحدث عن دعم السفارة الأمريكية في القاهرة لمنشق شاب، أبقت اسمه مخفيا كي لا تعرضه للخطر، كان يرسم خططا طوال السنوات الثلاث الماضية ل"تغيير النظام". وفي مقال للرأي وصفت الصحيفة اليمينية، اغلاق شبكات التواصل، بأنها "سياسة قصيرة النظر". وحذرت من ان دعم الغرب للاصلاحات في العالم العربي، رغم أنه "صحيح، يجب ان يتم بحذر". وكتبت: "في مصر، مثل بلدان عربية اخري المتشددين الاسلاميين بالانتظار لاستغلال اي فرصة قد تأتي أمامهم". وذكّرت الصحيفة بالثورة الايرانية التي بدأت كحركة علمانية وانتهت بتأسيس ما وصفته بأنه "أكثر دولة متشددة اسلاميا في العالم". واستنتجت الصحيفة أن علي الغرب ان يكون حذرا من "اطلاق العنان عن غير قصد لقوي التطرف الاسلامي، عبر دعمه قضية الديمقراطية في العالم العربي". وحتي الصحف اليسارية مثل "الاندبندنت" كتبت تحليلات عدة حيث قال "روبرت كورنويل" في تحليل تحت عنوان "الولاياتالمتحدة قد تندم قريبا علي اجندة الحريات في الشرق الأوسط"، "تشكل الاضطرابات العميقة في مصر وفي أماكن أخري في الشرق الأوسط مثلا ثاقبا لمعضلة قديمة تواجهها الولاياتالمتحدة كيف نعزز التغييرات الاجتماعية والسياسية التي تحتاجها المنطقة بشكل يائس، من دون فتح أبواب السلطة من دون قصد لأنظمة عدائية في منطقة حيوية من الناحية الاستراتيجية". وذكرت الصحيفة بالثورة الايرانية أن إيران "تطارد واشنطن في وقت تحاول فيه الأخيرة التعاطي من أزمة مصر". وأضافت: "المثالي بالنسبة لواشنطن، هو ان يحل مكان مبارك رئيس علماني ديمقراطي اصلاحي، ولكن ليس هناك ضمانات أن هذا سيحدث. الاكثر احتمالا، هو ان واشنطن ستجد نفسها عليها ان تتعاطي مع الاخوان المسلمين... ليس هناك اشارات إلي أن لدي الخارجية الأمريكية خطط طوارئ للتعاطي مع هذه النوعية من الأنظمة". وكتب "روبرت فيسك" مراسل الصحيفة في الشرق الأوسط منذ عشرات السنين، في تغطية ميدانية من القاهرة: "ربما هذه هي النهاية. ولكنها حتما بداية النهاية". وقال فيسك ان عشرات آلاف المصريين كانوا يتظاهرون بشكل غالبا، وألقي باللوم علي رجال الشرطة بسبب اثارة القلاقل. وكتب: "كانوا شجعانا، معظمهم مسالمون، هؤلاء العشرات الالاف، ولكن التصرف الذي يصدم هم الذين ضربوا وحطموا واعتدوا علي المتظاهرين في وقت كانت الشرطة تشاهد من دون أن تقوم بأي شيء". كما كتب روبرت فيسك تحت عنوان "يوم الحساب في مصر" يقول:"هل الجمعة يوم صلاة أم يوم غضب؟ إن جميع المصريين، ناهيك عن حلفائها الغربيين المرتعدين، ينتظرون ما سيسفر عنه يوم العبادة" لقد قتل خمسة مصريين حتي الآن، واعتقل نحو 1000 آخرين، وللمرة الأولي يتم إحراق مكاتب للحزب الحاكم، فيما تنتشر الشائعات التي توازي خطورتها خطورة قنابل الغاز، حيث ذكرت صحيفة يومية أن أحد أبرز مستشاري الرئيس المصري فر إلي لندن وبحوزته 97 حقيبة مليئة بالأموال. ثورة الإنترنت أما صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية فقد ركزت في أكثر من قصة علي قطع الاتصالات في مصر. وكتبت: "الأحداث الاخيرة في مصر جعلتنا نطرح السؤال: هل وصلت المجتمعات إلي حد باتت فيه الانترنت أحد حقوق الانسان الأساسية؟"، وانتقدت الصحيفة في افتتاحيتها، الموقف الأمريكي من الأحداث في مصر، ونصحت الإدارة الأمريكية بالتواصل مع محمد البرادعي، أحد أبرز وجوه المعارضة المصرية. كما ذكرت الصحيفة الأمريكية أن سلسلة المظاهرات التي اجتاحت شوارع كبري العواصم العربية أظهرت مدي اندثار تأثير واشنطن في المنطقة، وقالت إنه كان أمرا مسلما به أن تري في أي مظاهرة في العالم العربي الجموع تحرق العلم الأمريكي أو تشعل النيران في دمية للرئيس الأمريكي، ولكن في المظاهرات المنادية بالديمقراطية في شوارع القاهرة ومختلف المدن الأخري، غابت الإشارة إلي الولاياتالمتحدة أو أي شيء متعلق بها، الأمر الذي وصفه بعض المحللين "بالشرق الأوسط ما بعد أمريكا"، في إشارة إلي تراجع النفوذ الأمريكي. وقالت الصحيفة إن حرق الأعلام الأمريكية وحمل نماذج صغيرة من تمثال الحرية لم يعد رائجا، ويعزي نشطاء الشرق الأوسط أسباب ذلك إلي محاولتهم لتجنب الإشارة للولايات المتحدة كنموذج سياسي يحتذي به خشية إبعاد أي مؤيدين محتملين، علي حد قول "طوفان فيصل"، وهي مدافعة مخضرمة عن الديمقراطية في الأردن. كما قالت:"لا أعتقد أن أمريكا تلقي استحسان جيل الشباب، وأتخوف من الإشارة إلي المثال الأمريكي لأن هناك موقفاً سلبياً تجاهها، أو بالأحري شعورا بالإحباط". الصحفي في خطر بينما ذكرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية أنه تعرض الكثير من الصحفيين والمراسلين للهجوم والاعتقال في مصر كشف النقاب عن مخطط لمنع تدفق المعلومات من مصر، وقالت إن أكثر من 100 واقعة ضرب واحتجاز للصحفيين حدثت خلال 48 ساعة فقط، وفقا للجنة حماية الصحفيينCPJ . ورغم أن مراسل الCNN، "أندرسون كوبر" كان من أكثر الصحفيين الأمريكيين شهرة الذين تعرضوا للهجوم، إلا أن عدداً من الصحفيين من مختلف أنحاء العالم، بينهم صحفيون مصريون، تم استهدافهم، "بشكل غير مسبوق"، علي حد تعبير نائب مدير لجنة حماية الصحفيين "روب ماهوني". وقالت "ساينس مونيتور" إن القمع في كل أنحاء العالم بات أمرا مسلما به مع استخدام الصحفيين للشبكة العنكبوتية أكثر من أي وقت مضي في التاريخ، وأضاف ماهوني أن "معظم الصحفيين الذين يلقون حتفهم يتم قتلهم، فهم لا يقفون علي ألغام أرضية، ولا يتم محاسبة مرتكبي 85% من عمليات القتل". في حين كتبت صحيفة "الجارديان" تحت عنوان "شباب مصر يقودون التظاهرات" تقول:"ثمة مستوي من التنظيم يوجد في القاهرة يمكن وصفه بأنه تضامن في العمل.. وأضافت أن جملة "الصبر فضيلة" هي الجملة الأكثر شيوعاً وشعبية في مصر، ولكن للصبر حدود، وأخيراً يبدو أن أننا وصلنا لأقصي حدودنا.. إنهم شباب مصر أولئك الذين يقودونا، وقد اكتفوا من البطالة وتردي مستوي التعليم والفساد وقسوة الشرطة والقمع السياسي." وأضافت: "وكما نعرف جميعاً، لقد نظموا، أي الشباب، المظاهرات الاحتجاجية يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من يناير، عبر صفحات الفيس بوك وفي اللقاءات المغلقة الافتراضية والفعلية.. في السنوات الأخيرة، ظهرت نحو 20 جماعة من الشباب، وكان السؤال السائد هو كيف ومتي سيتوحدون؟ وها قد حدث ذلك الثلاثاء، خرجوا شبانا وشيباً مستلهمين ما حدث في تونس". الصحيفة البريطانية التي لم تتوقف عن تغطية احداث مصر دقيقة بدقيقة عبر موقعها علي الانترنت، حتي كتابة هذه السطور فقد كتب محرر شئون الشرق الأوسط "ايان بلاك" بعد كلمة الرئيس مبارك الأولي: "ركز مبارك علي التنازلات الاقتصادية والتي من المرجح ان تبقي علي الدعم الحكومي لابقاء الاسعار منخفضة، ورفع الحد الأدني للأجور، أو خطوات للحد من البطالة. ولكن هذه الخطوات، من غير المرجح ان تخفف من الشهية الشعبية علي التغيير. الاصلاحات السياسية ستكون ضرورية اذا أراد النظام أن يبقي". الانتفاضة الشعبية كما دعت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية الغرب إلي ضرورة الاحتفال بالانتفاضة الشعبية التي شهدتها مصر علي مدار الأيام الماضية، ووصفتها بأنها الدراما الأكبر التي هزت مصر منذ اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981، وقالت إن علي الغرب أن يحتفل بها دون أن يخاف منها. وأوضحت المجلة إنه علي الرغم من المشاهد السيئة التي شهدتها المظاهرات منتصف الأسبوع الماضي مع الصدام بين المتظاهرين المؤيدين لمبارك والمعارضين له، إلا أنه ينبغي الترحيب بهذه التطورات وتذوق المسحوقين في المنطقة لطعم الحرية. فخلال أسبوع واحد سقط أحد الحكام المستبدين في الشرق الأوسط، في إشارة إلي الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي. وتشير المجلة إلي أنه بالنسبة للبعض في الغرب، الذين يميلون إلي تفضيل الاستقرار عن الديمقراطية في التعامل مع الشرق الأوسط، فإن هذه التطورات مزعجة، فيخشون أن الفراغ الناجم عن ترك مبارك للسلطة لن يملأه الديمقراطيون، ولكن الفوضي والفتنة من قبل الإخوان المسلمين المعادين للغرب وإسرائيل، ويرون أن علي أمريكا أن تدعو إلي تكثيف جهودها لتأمين الانتقال المنظم للسلطة. وترفض المجلة البريطانية هذه الفكرة، وتقول المجلة إنه إذا لم يتمكن الغرب من تأييد شعب مصر في سعيه لتحديد مصيره بنفسه، فإن مجادلته بضرورة تبني الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في العالم لن تحقق شيئاً. ورغم أن التغيير يجلب المخاطر، كما تقول الإيكونوميست، إلا أن البديل سيكون حالة من الركود الكئيبة. وخلصت المجلة إلي القول بأن هناك العديد من التساؤلات التي تظل معلقة بشأن الثورة المصرية ومن بينها إلي أي مدي ستذهب هذه الثورة، وإلي أي حد ستنتشر. فيما تناولت "الصحف الباكستانية" الأوضاع الجارية في مصر باهتمام بالغ علي غير عادتها، واشارت إلي توجيه رئيس الوزراء الباكستاني سفيرته بالقاهرة ووزارتي الداخلية والخارجية في بلاده بمتابعة التطورات وتقديم الدعم اللازم للباكستانيين المقيمين في المدن المصرية وإجلائهم إذا استدعي الأمر.