المكابرة، هي الصفة الأساسية لنظام الحكم في مصر لسنوات طالت بأكبر من المحتمل بشريا، سنوات أغلقت فيها كل الآذان، وانسدت خلالها كل وسائل النفاذ لعقل القابعين علي كراسي السلطة بكل مستوياتها، سنوات تصور فيها الرابضون علي مفاتيح السلطة بالمال والنفوذ أنهم الأذكي والأقوي والأكثر فهما، منتهي القصور فهي الفهم مع غياب مؤكد للتصور والقدرة علي تحليل الأمور، بفعل غباء الغرور وصلف المكابرة. تصور القابعون علي السلطة في مصر أنهم مبعوثو العناية الإلهية لإنقاذ مصر، أنكروا شعبا بأكمله، بمثقفيه وشبابه وكادحيه، حصروا في أنفسهم كل المفهومية والمقدرة حتي انعزلوا داخل أنفسهم لدرجة العمي التام عن الرؤية، الدنيا من حولهم تقور باستمرار وهم في أوهامهم قابعون، انكروا في تيههم أن الشعب كرههم وفقد أي أمل فيهم وأن الفوران آت لا محالة وأن لصبر وإن طال حدودا يستحيل بعدها أي تحمل، خرجت الأمور عن سيطرتهم قبل انتفاضة الثلاثاء الخامس والعشرين من يناير، بفعل التزوير، تزوير رغبات الشعب قبل تزوير الانتخابات، تصور القابعون في السلطة أن قوتهم في تعيين المنافقين والإمعات في كل مكان، في الصحف والجامعات والهيئات، خاب ظنهم وازداد انعزالهم وترسخت في شعب يئس منهم أعلي درجات الكراهية والنفور. سياسات خاطئة في كل المجالات وجدت من يدافع عنها كذبا، جامعات خاصة أفسدت مفهوم التعليم في مصر، جودة كاذبة استنفدت جهدا ومالا فقط لشغل العقول، ممتلكات عامة بأبخس الأسعار بيعت، أراضي الدولة وزعت علي المقربين من أهل المال، قوانين سيئة سنت لمصالح ضيقة، شخصيات مكروهة عينت في مراكز حيوية، فساد استشري وترك له الحبل علي الغارب، الإعلام غابت عنه المصالح العامة واقتصر علي ما يروج لمن قبع في السلطة ويبعد عنه ما يعكر مزاجه، غيب عنه تماما صورة مجتمع يغلي بكافة بطوائفه كافة. نظام حكم مصر تخيل أنه سيحكم بالإعلام الخادع وبالعصا الغليظة وبالمنافقين والإمعات، لكن انتفاضة الثلاثاء الخامس والعشرين من يناير أثبتت أن الشعب إذا أراد يوما الحياة لابد أن ينحني القدر، ما يحدث في مصر الآن كان متوقعا إلا في دائرة من حكم بمعزل عن الشعب، بفعله، بغفلته، بسوء اختياراته وسياساته، حتي لما خرجت الأمور عن السيطرة يوم الجمعة الثامن والعشرين من يناير اقتصر تصور الحل علي إقالة حكومة طالت الشكوي منها ومن سياساتها المستفزة المتعالية، حكومة اختيرت عمدا لأنها بلا حول ولا قوة ولا فكر، ما لها إلا مجرد تعال أجوف، وإذا كان الحل في تغيير الحكومة، فماذا عما اقترفت من خطايا ومن عينت من فاشلين في مختلف المؤسسات والجامعات والصحف؟ ماذا عن مجلسي الشعب والشوري وقد شكلا بعيدا عن الحكومة؟ ما وصلت إليه مصر الآن نتيجة حتمية لحكم المكابرة والغرور وغيرهما مما أعف عنه، مع أسفي وحزني. أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة عين شمس